الخرطوم تخشى من تداعيات صراع الجنوب

التهديدات الخطيرة ربما تطال الأمن والاقتصاد

TT

يرجح على نطاق واسع أن يزيد الصراع الذي اشتعل في دولة جنوب السودان الأسبوع الماضي من حدة «الالتهاب المزمن» في الحدود مع دولة السودان، فيزيد أوار الحرب في ولايات جنوب كردفان والنيل الأزرق ودارفور، كما يمكن أن تؤثر المعارك التي وصلت لحقول النفط الجنوبية على الاقتصاد السوداني المهدد بالانهيار، والذي يعتمد بشكل كبير على عائدات تصديره عبر المنشآت السودانية. وفي الوقت ذاته، فإن التوقعات بهجرة أعداد غفيرة من مواطني دولة جنوب السودان شمالا حال اندلاع المعارك واستمرارها في الولايات الشمالية من دولة جنوب السودان ربما تشكل تهديدا أمنيا خطيرا.

ولم تتفق الدولتان بعد على ترسيم الحدود بينهما بشكل نهائي، وما زالت مناطق كبيرة من الحدود بينهما والبالغ طولها أكثر من ألفي كيلومتر محل نزاع، فضلا عن أن التداخل السكاني والإثني والاقتصادي الكبير على الحدود بين الدولتين يجعل من انتقال النيران سريعا أمرا واردا للغاية.

وفي حال تفاقم النزاع في دولة جنوب السودان، وانتقال آثاره شمالا، فإن آثارا وخيمة تنتظر السودان، الذي يشرف على جنوب السودان بست ولايات هي «غرب دارفور وجنوب كردفان وغرب كردفان والنيل الأبيض والنيل الأزرق وسنار»، تشهد أربع منها حروبا يقودها تحالف «الجبهة الثورية» ضد حكومة الخرطوم.

وتتكون الجبهة الثورية من تحالف حركات «العدل والمساواة، وتحرير السودان - فصيل مني أركو مناوي، وتحرير السودان - فصيل عبد الواحد محمد نور، والحركة الشعبية لتحرير السودان – الشمال في ولايات جنوب وغرب كردفان والنيل الأزرق».

وتتكون الحركة الشعبية لتحرير السودان من مقاتلين انحازوا لجنوب السودان أثناء الحرب الأهلية، وبعيد أشهر من انفصال جنوب السودان اشتعلت الحرب مجددا بينهم وبين الخرطوم في جنوب كردفان والنيل الأزرق. وتتهم الخرطوم جنوب السودان بدعم حلفائها القدامى في حربهم ضدها.

ووقعت الخرطوم اتفاقيات مع جوبا لتخطيط الحدود، ووقف دعم وإيواء المتمردين ضد حكومتي السودان وجنوب السودان، والسماح بانسياب النفط عبر السودان إلى موانئ التصدير.

وتعتقد الخرطوم أن المجموعة التي تناوئ رئيس جنوب السودان وتخوض الحرب ضده، أو من يطلق عليهم «أولاد قرنق»، تيمنا بقائد الحركة الشعبية الراحل جون قرنق دمبيور، تعتقد أنهم يقفون في سبيل تطبيع العلاقات مع جنوب السودان، وبأنهم يوفرون الدعم والإسناد لحلفائهم السابقين في الحركة الشعبية – الشمال، مما جعلها تبدو فرحة بالإجراءات التي اتخذها الرئيس سلفا كير ميارديت بإبعاد مجموعة «أولاد قرنق» بعد قراره بحل الحكومة السابقة التي كانوا يسيطرون عليها، وتجميد الأمين العام للحركة الشعبية باقان أموم.

وبعيد نشوب النزاع الحالي في جنوب السودان، بدت الخرطوم محايدة، لكنها - وعلى غير بقية دول العالم - تبنت وصف سلفا كير للصدامات التي اشتعلت في جوبا الأحد الماضي، الذي اعتبرها «انقلابا عسكريا»، دبره نائبه السابق رياك مشار، ومجموعته التي تضم تقريبا كل «أعداء» حكومة الخرطوم.

وبدت الخرطوم «فرحة على استحياء» أول الأمر، لكن تطور الأحداث اللاحقة جعل موقفها يتذبذب، إذ اعتبرت «الانقلاب» شأنا داخليا، فيما أعلن الحزب الحاكم في تصريحات على لسان رئيس قطاع التنظيم حامد صديق أن «المحاولة الانقلابية شأن داخلي»، وأن الخرطوم تأمل في استقرار الأوضاع في جنوب السودان، لأن استقرار الأوضاع سيلقي بظلال جيدة عليه.

واعتبر المحلل السياسي خالد التجاني، في مقال، موقف الخرطوم «وقوعا في فخ جوبا»، وقال «لا أدري إن كانت الحكومة السودانية درست الوضع جيدا ونظرت عميقا في تبعاته وتداعياته أم لا، قبل أن تخلص إلى موقف صريح فُهم منه على نطاق واسع أنها قررت اتخاذ موقف مناصر لرئيس الجنوب سلفا كير في مواجهة خصومه من رفاق الأمس». وأضاف أنه من الواضح أن الخرطوم اتخذت موقفها وفقا لتفسير سياسي أنها تدعم الشرعية في مواجهة متمردين، وهو موقف متسق مع ما تريد الخرطوم أن يكون أيضا موقف الرئيس سلفا في دعمه للحكومة السودانية في مواجهة المعارضة المسلحة التي كانت إلى قريب تتهم جوبا بدعمها.

بيد أن التجاني عاد ليقول إن هناك جانبا يتعلق بحسابات الربح والخسارة المستقبلية، وما يرتب بما ستؤول إليه الأشياء مستقبلا، وهو ما تجاهله الموقف الرسمي، الذي لم يهتم لطبيعة مثل تلك النزاعات التي لا تحسم عادة بحفنة إجراءات عسكرية مهما بدت في الوقت الراهن فعالة.

ويتفق كثير من الخبراء على أن وصول حرب رفاق الأمس لمناطق البترول سيجعل الخرطوم تضع يدها على قلبها، وبدا هذا الخوف واضحا في تصريحات الناطق الرسمي للجيش السوداني الصوارمي خالد سعد لـ«رويترز» بأن الخرطوم تخشى من تأثير الصراع في جنوب السودان على تدفق النفط، وهو أمر يضر مصالح الخرطوم، وحال امتداد القتال لولاية جونقلي الواقعة شمال شرقي جوبا والمناطق المتاخمة للسودان فإن الخرطوم قد تواجه تهديدا أمنيا كبيرا.

وحسب هذه الرؤى، فإن الرصاص الذي انطلق في جوبا، واتسع مداه لولايات ومدن أخرى في جنوب السودان، لن يكون بعيدا عن أهداف في السودان، لا سيما أن مداه «السياسي» أطول كثيرا من مداه «الفيزيائي»، مما يوجب على الخرطوم تدقيق الحساب جيدا.