الأحزاب والطائفية يغزوان جامعات لبنان ويشلان قدرة طلابها

جامعة تلغي الانتخابات الطلابية جراء الاحتقان السياسي

TT

انضمت الجامعة الأنطونية، واحدة من أبرز الجامعات الخاصة في لبنان، مؤخرا إلى لائحة الجامعات اللبنانية التي قررت الامتناع عن تنظيم انتخابات طلابية داخل كلياتها، بذريعة أن العملية الانتخابية لن تحقق الهدف المرجو منها بـ«تمثيل الطلاب أكاديميا».

ويأتي قرار الجامعة الأنطونية بعد أقل من شهر على إشكال في الجامعة اليسوعية على خلفية نتائج انتخابات الطلاب، وتطوره إلى سجال سياسي حاد بين حزب الكتائب اللبنانية وحزب الله.

وقالت الجامعة الأنطونية في بيان أصدرته أول من أمس إنه بعد تذكيرها في العاشر من الشهر الحالي «بروحية العملية الانتخابية الطلابية وأهدافها استنادا إلى قوانينها الداخلية التي تقضي بالفصل التام بين الانتماءات السياسية لطلابها وعملية انتخاب ممثلين عنهم، فوجئت بتصاريح من جهات سياسية مختلفة تنتقد فيها بيان إدارة الجامعة بالتزامن مع حملات انتخابية ذات طابع سياسي يقودها طلابها داخل حرمها».

وأعلنت الجامعة قرارها إلغاء الانتخابات التي كانت مقررة أول من أمس باعتبار أن «الغاية الأساس للعملية الانتخابية لن تحقّق المرجوّ منها على مستوى هيئة طلابية تمثّل الطلّاب دراسيّا وأكاديميا في ظلّ إصرار الجهات السياسية على زجّ الجامعة بمواقف ومبادئ ترفضها».

وتعيد الخلافات السياسية داخل حرم الجامعات في لبنان تسليط الضوء على مسألة إجراء انتخابات ممثلي الطلاب، بعد أن تحوّلت العملية الانتخابية من مطلب ديمقراطي يقوم على تقديم مشاريع وبرامج تفيد الطلاب والجامعة إلى انتخابات ذات طابع حزبي وطائفي. وباتت أشبه بمرآة تعكس الانقسام السياسي والطائفي في البلد.

وتزداد الأسماء المدرجة في قائمة الجامعات التي تمتنع عن إجراء انتخابات طلابية، في حين أن بعضها لا يزال يدأب على إجرائها على الرغم من الإشكالات، على غرار الجامعة الأميركية والجامعة اليسوعية، إضافة إلى أن الجامعة اللبنانية لم تجر السنة الماضية انتخابات ولم يعرف بعد إذا كانت ستجري انتخابات هذا العام أم لا.

وتعد الجامعة اللبنانية الدولية، واحدة من الجامعات الخاصة التي تمتنع عن إجراء انتخابات منذ تأسيسها عام 2001، لأسباب يلخّصها رئيس قسم الفنون والتواصل الدكتور وليد رعد لـ«الشرق الأوسط» بقوله إن «إدارة الجامعة تشجّع النشاط الطلابي والأكاديمي من خلال نواد عدة موجودة في كلياتها، لكنها في الوقت ذاته تعتبر أن البلد لم يعد يحتمل المزيد من المشكلات السياسية، التي لا يجوز نقلها إلى الجامعة». وبينما يرفض الحديث عن «قرار بمنع الطلاب من إجراء الانتخابات»، يشير إلى أن «هناك خشية من انتقال المشكلات التي تحصل في جامعات أخرى من جرّاء الانتخابات على غرار انتخابات الجامعة اليسوعية التي كانت أشبه بكارثة».

ويعرب رعد عن اعتقاده بأن «الطلاب يأتون إلى الجامعة للدراسة وكل طالب لديه قناعاته ووجهات نظره وليس المطلوب منه التخلي عنها، لكن المطلوب في الوقت ذاته التركيز على الدراسة أكثر من أي شيء آخر».

ويلتقي كلام رعد مع نتائج استفتاء شمل عينة عشوائية من 20 طالبا من مختلف كليات الجامعة اللبنانية الدولية، حيث أبدى 60 في المائة من المستجوبين رفضهم إجراء انتخابات في الجامعة باعتبار أن «الجامعة مكان للدرس». وجاهر 25 في المائة من الطلاب بانتمائهم الحزبي، في حين قال الـ75 في المائة الآخرون إنهم «لا ينتمون إلى أي حزب».

وفي موازاة تأكيد رعد أنه «لكل طالب الحق في الانتماء إلى أي حزب أو تنظيم سياسي يريده»، وإشارته إلى أن الجامعة توافق على «تنظيم الطلاب نشاطات واحتفالات وندوات تستقبل ضيوفا سياسيين، انطلاقا من حرصها على كل ما يمكن أن يساهم في تنمية ثقافة الطلاب وخبراتهم»، يبدي الأستاذ المحاضر في معهد الدكتوراه والمدير السابق لكلية الإعلام في الجامعة اللبنانية الدكتور نسيم خوري، تأييده المطلق لإجراء الانتخابات في الجامعات.

ويسأل خوري في تصريحات لـ«الشرق الأوسط»: «كيف يمكن حرمان الطاقة التغييرية من فعل الانتخاب؟»، مذكرا بأن «جيل الأربعينات أسس الكثير من الحركات الطلابية التي فرضت نفسها وحملت لواء قضايا مهمة جدا».

لكن خوري يعترف بأن «الوسطيين كانوا أغلبية وكانت الأغلبية فاعلة، ولم يكن الحزب أقوى من الطاقة التغييرية، في حين انفتح التعليم العالي اليوم على بابي الأحزاب الطائفية والمذهبية»، لافتا إلى أنه «بعد اتفاق الطائف، دخلت ميليشيات الأحزاب على الجامعات، وخصوصا الوطنية، (في إشارة إلى الجامعة اللبنانية الرسمية)، التي باتت أداة تتنافس أحزاب كثيرة للسيطرة عليها». ويرى خوري أن «بعض الجامعات باتت اليوم بعد تسييسها الكامل وتراجعها الأكاديمي والمهني الفاضح تلهث وراء الأحزاب والسياسة، بينما كانت أقوى من رموز السياسة والبرلمان قبل الحرب الأهلية»، متهما «القوى السياسية بإفراغ البلد من مضامينه، إذ باتت الطاقة التغييرية، أي طلاب الجامعات، تعاني من الضياع والفوضى والتشرذم بين أحزاب أثبتت فشلها وبات الجميع يدور في حلقة مفرغة، تصوّر الوطن ساحة أو غابة».

وعلى الرغم من الفجوة التي تظهرها المقارنة بين واقع الجامعات وطلابها قبل الحرب الأهلية التي امتدت من منتصف السبعينات حتى نهاية الثمانينات، لكن خوري يؤيد كل إجراء من شانه أن «يمنح الشباب حقهم وحريتهم في التعبير عن آرائهم، داخل الجامعة وخارجها، خصوصا أن كثيرين منهم يتفوقون على خيارات عائلاتهم وأساتذتهم ويقدمون صورة مغايرة للصورة التقليدية».