أنباء عن اختفاء عريضة مساءلة بتهم فساد ضد رئيس الوزراء التونسي الجديد

تأكيدات رسمية بأن المناطق السياحية آمنة استعدادا لاحتفالات نهاية العام

المهدي جمعة رئيس الحكومة التونسية (رويترز)
TT

تنطلق حكومة المهدي جمعة بمجموعة من العوائق والعراقيل التي قد تمنع نجاحها من إعادة الاستقرار إلى تونس، فقد سرب بعض النواب في المجلس التأسيسي (البرلمان) عريضة مساءلة ضد المهدي جمعة وزير الصناعة الحالي والمرشح لتولي رئاسة الحكومة المقبلة، وبلغ عدد البرلمانيين الذين وقعوا بالموافقة على تلك العريضة 104 نواب. وفي حالة التوصل إلى 109 إمضاء، فإن جلسة عامة برلمانية تُعقد للغرض وتستمع إلى مبررات وردود وزير الصناعة حول اتهامات بالفساد في قطاعي المناجم والطاقة الراجعين بالنظر إلى وزارة الصناعة.

وفي المقابل، أشارت مصادر برلمانية، أمس، إلى اختفاء عريضة المساءلة ضد رئيس الحكومة الجديد بعد تداولها بين البرلمانيين، وفي هذا الشأن، ذكرت مصادر برلمانية لـ«الشرق الأوسط» أن «يدا خفية» على ما يبدو تقف وراء العملية، وأن من استولى على العريضة يدعم ترشح المهدي جمعة، ولا يوافق على تعطيل المسار الحكومي بعد التوصل إلى اتفاق حول رئيس الحكومة الجديد.

ولا تزال استقالة حكومة علي العريض محل تجاذب بين الفرقاء السياسيين، وعمليا يبدأ العد التنازلي غدا بعقد الجلسة الأولى من ماراثون الحوار الوطني بعد تعليقه واستئنافه أكثر من مرة. وبانطلاق العداد من جديد يوم غد الاثنين 23 ديسمبر (كانون الأول) الحالي، لن يبقى في عمر حكومة الترويكا إلا أسبوعان فحسب وبذلك تعلن استقالتها «حسابيا» يوم الأحد الخامس من يناير (كانون الثاني) المقبل. ويلقي شرط تلازم المسارات الثلاثة الذي تتمسك به حركة النهضة بظلاله على جلسات الحوار، ودعت أحزاب المعارضة وخاصة المسار الديمقراطي الاجتماعي وتحالف الجبهة الشعبية إلى الفصل بين المسارات والابتعاد عن شرط التلازم بينها. ومثل التوافق الحاصل يوم 14 ديسمبر الحالي، حول تولي مهدي جمعة وزير الصناعة في حكومة علي العريض رئاسة الحكومة انفراجا سياسيا مهما، إلا أنه لم يمنع تواصل الخلاف بين مكونات المشهد السياسي في تونس. وبشأن تأجيل جلسة الحوار، التي كانت مقررة مساء الجمعة، ذكرت مصادر مقربة من رباعي الحوار الوطني في تصريحات لـ«الشرق الأوسط» أن تأجيل جلسة الحوار ثلاثة أيام إضافية كان بهدف تمكين أحزاب المعارضة من إقناع تحالف الجبهة الشعبية بجدوى المشاركة في الحوار.

وقالت إن «التأجيل أفضل من حوار دون مشاركة الجبهة الشعبية». وأعدت جبهة الإنقاذ التي تُعدّ الجبهة الشعبية أحد أهم مكوناتها مذكرة قدمتها لرباعي الوساطة، تضم حزمة من الضمانات للمشاركة في الحوار الوطني. ومن بين تلك الضمانات الحرص في مكافحة الإرهاب وتحقيق الأمن وحل «الميليشيات» ومراجعة التعيينات الحزبية وتحسين الأوضاع الاجتماعية والاقتصادية للتونسيين.

وعززت المؤسسة العسكرية والأمنية من وجودها في معظم المدن السياحية التونسية تحسبا لتهديدات إرهابية محتملة. وقالت قيادات أمنية إن «حالة طوارئ قصوى» ستنطلق بداية من يوم 24 ديسمبر الحالي، تاريخ بداية تدفق السياح على تونس للاحتفال بنهاية السنة الإدارية.

وفي تواصل مع أجواء التوتر السياسي والتهديد باغتيال سياسي ثالث، أفاد سفيان السليتي المتحدث باسم المحكمة الابتدائية بتونس بأن القضاء التونسي أصدر، مساء الجمعة، بطاقتي إيداع بالسجن في حق شخصين ظهرا ضمن شريط «فيديو» وهدد أحدهما حمة الهمامي رئيس حزب العمال بالذبح. وجرى الاستماع إلى حمة الهمامي المتضرر في وضعية الحال إلى جانب استنطاق الشخصين بتهمة التهديد.

ولا تزال الجبهة الشعبية التي يقودها حمة الهمامي والحزب الجمهوري بزعامة أحمد نجيب الشابي يقاطعان جلسات الحوار، وهو ما أدى إلى تأجيلها من يوم الجمعة إلى يوم الغد. ودعا الأزهر العكرمي القيادي في حركة نداء تونس «الجمهوري» و«الجبهة» إلى مراجعة مواقفهما والعودة إلى طاولة الحوار. وأشار إلى أن الانسحاب من الحوار أو مقاطعته يعني «العزلة»، على حد تعبيره.

وفي هذا الشأن، قال العجمي الوريمي المتحدث باسم حركة النهضة إن المشهد السياسي بعد التوافق على رئيس الحكومة الجديد لم يعد منقسما إلى سلطة ومعارضة. وعبر عن استعدادا الحركة لإنجاح كل المسارات المؤدية إلى إنهاء مرحلة الانتقال الديمقراطي.

ونفى الوريمي خروج حركة النهضة من الحكم في تونس، كما روجت لها أطراف من المعارضة، وقال إن الحركة طرف أساسي في صياغة الحياة السياسية في البلاد وهي عنصر مؤثر في المشهد السياسي. وأشار إلى أن الأغلبية التي لا تزال تحظى بها الحركة في المجلس التأسيسي (البرلمان) ستمكّنها من التأثير المباشر على عملية التصديق على رئيس الحكومة المقبلة.

من جانبه، أكد قيس سعيد أستاذ القانون الدستور الدستوري في الجامعة التونسية أن «هناك الكثير من العوائق ستجعل من الصعب جدا احترام الآجال التي نصت عليها خارطة الطريق لتجاوز الأزمة السياسية التي تعيشها تونس». وقال سعيد في تصريح لـ«الشرق الأوسط» إن هذه الخارطة «وضعت لطريق ستكون مسدودة.. «مضيفا أن المخرج لهذه الوضعية قد يكون في «مراجعة الآجال التي نصت عليها خارطة الطريق».

وبخصوص التوقعات حول الموعد الذي سيعلن فيه رسميا عن تكليف المهدي جمعة بتشكيل الفريق الحكومي الجديد بعد أن وقع عليه الاختيار لترؤس الحكومة المقبلة، قال سعيد إن «رئيس الحكومة الحالي لا يُعد إلى اليوم مستقيلا من الناحية القانونية، على الرغم من أنه تعهد بذلك»، موضحا أن «رئيس الجمهورية ليس باستطاعته أن يكلف شخصية جديدة لتشكيل الحكومة إلا في حالة وجود استقالة فعلية وقانونية بالشكل الذي ينص عليه القانون المؤقت المنظم للسلطات العمومية». ولفت سعيد إلى أن علي العريض رئيس الحكومة الحالي «تحدث في أكثر من مناسبة عن تمسكه بضرورة تلازم المسارات لتقديم استقالته».

وفي تقييمه للجولة الأولى من الحوار الوطني، قال قيس سعيد لـ«الشرق الأوسط» إن هذا الحوار «عكس مدى غياب الثقة بين الأطراف السياسية في تونس، وبين أن كل حزب يتوجس خيفة من الأحزاب الأخرى»، وعدّ سعيد أن ما تشهده الساحة السياسية منذ أشهر هو صراع وجود غير معلن، وأنه على علاقة وثيقة جدا بالاستحقاقات الانتخابية المقبلة».

ويتوقع أغلب المراقبين أن تكون باقي جولات الحوار، الذي من المنتظر أن يُستأنف غدا الاثنين صعبة وعسيرة ومعقدة، وأنها ستكون أمام عقبات كثيرة خاصة في ظل المواقف المعلنة في الفترة الأخيرة. فقد عبرت جبهة الإنقاذ التي تضم أغلب أحزاب المعارضة المشاركة في الحوار الوطني عن تمسكها بضرورة الالتزام الواضح والصريح بكل بنود خارطة الطريق، في حين يتمسك الائتلاف الحاكم، وخاصة حركة النهضة الإسلامية، التي تقوده، بوجوب تلازم المسار الحكومي والمسار التأسيسي.

من جهة أخرى، قال جمال قمرة وزير السياحة التونسي إن «احتياطات أمنية كبيرة قد اتخذت لضمان مرور نهاية سنة آمنة في المنشآت السياحية والفندقية التونسية»، وبيّن الوزير في لقاء إعلامي عقد، أول من أمس، أنه «جرى التنسيق مع مصالح وزارة الداخلية، وجرت معاينة عدد من المنشآت السياحية وإشعار أصحابها بالإخلالات الأمنية لتفاديها». وأكد الوزير أنه «لا خوف على النزل، والسياحة آخر هذه السنة». وتأتي تصريحات وزير السياحة على خلفية حديث جهات أمنية وإعلامية، قبل أيام، عن إمكانية لجوء بعض المجموعات التي وُصفت بالمتطرفة إلى القيام بأعمال إرهابية في تونس، أواخر السنة الميلادية، خاصة في المنشآت الفندقية. وكانت وزارة الداخلية أكدت أيضا في أكثر من مناسبة أنها اتخذت كل الاحتياطات، وإجراءات استثنائية، من أجل ضمان أمن التونسيين ليلة السنة الميلادية الجديدة؛ سواء في الفنادق أو المطاعم أو المناطق السياحية. وقد تعددت في الأيام الأخيرة الدعوات للتونسيين حتى يخرجوا ليلة السنة الميلادية الجديدة للسهر خارج بيوتهم كما تعودوا وعدم الإذعان للخوف والترهيب.

وفي علاقة بالتهديدات الإرهابية تقوم السلطات الأمنية التونسية بتحريات بعد التفطن إلى توجيه أحد الشبان المتحصنين في جبل الشعانبي من محافظة القصرين (300 كلم جنوب غربي العاصمة التونسية) رسالة إلى أحد أقاربه، على شبكة التواصل الاجتماعي «فيس بوك»، تتضمن إشارة إلى «الإعداد للقيام بعملية إرهابية بمناسبة السنة الميلادية الجديدة»، وفق ما أشارت إليه جهات إعلامية محلية، التي أفادت أيضا بأن السلطات التونسية ألقت القبض على الشاب الذي تلقى الرسالة، وحجزت حاسوبه الشخصي، وعلى شاب آخر على علاقة بهذا الأخير. وتجدر الإشارة إلى أن قوات الأمن والجيش التونسية تقوم بملاحقة مجموعات مسلحة توصف عادة بالمتطرفة والإرهابية متحصنة بجبل الشعانبي.