ليل الضفة الغربية لا يشبه نهارها

إسرائيل تنفذ معظم عمليات القتل والاعتقالات ليلا

TT

لا يشبه ليل الضفة الغربية نهارها أبدا. إذ تحتل إسرائيل هذا الليل من أوله إلى آخره، تحكم سيطرتها على مداخل المدن، وترسل قواتها الرسمية والخاصة والمتخفية، في مطاردة «مطلوبين» لها في قلب الضفة، تعتقل بعضهم وتقتل بعضهم بحسب الأوامر الصادرة من الجهات العليا.

ومنذ تأسيس السلطة الفلسطينية، قبل نحو 20 عاما، دأبت إسرائيل على ذلك، مستغلة نقطة في اتفاق أوسلو الشهير، تتيح لها إجراء مطاردة ساخنة في مناطق «الحكم الذاتي».

وحتى الآن لم تصبح المناطق، دولة، ولم ينته المطلوبون لإسرائيل، ولم تتوقف الغارات الليلية يوما واحدا، إذ تعرف إسرائيل جيدا كيف تجعل «المؤقت» بالعادة «دائما».

ويحصي الفلسطينيون كل صباح الأضرار المتوخاة: أعداد المعتقلين، ومن هم؟ ومن أين؟ والخراب الذي يخلفه الجنود في البيوت، وإذا كانوا هذه المرة خلفوا قتلى أو جرحى.

ويتوقع أي فلسطيني أن يطرق الجنود بابه في وقت متأخر، بهدف الاعتقال أو حتى تسليمه بلاغا لمراجعة المخابرات الإسرائيلية التي تقيم عادة في مراكز خارج المدن الفلسطينية، وعلى مقربة منها.

ويدل ذلك على أن إسرائيل ما زالت تتعامل مع الضفة الغربية على أنها جزء يتبع لها. وليس مستغربا على الفلسطينيين أن يشاهدوا سيارات الجيش الإسرائيلي تمر من أمام مقر الرئيس الفلسطيني، إذ يتعمد الإسرائيليون ذلك مرارا.

وهذا الأسبوع اعتقلت إسرائيل فلسطينيين من بيت لحم وأريحا وقلقيلية ونابلس وجنين ورام الله، وقتلت اثنين أثناء تنفيذ هذه الاعتقالات بينهم ضابط في جهاز المخابرات الفلسطينية.

وقال شبان متحمسون لـ«الشرق الأوسط» إنهم يواجهون هذه الاقتحامات عبر إلقاء الحجارة وإغلاق الطرق، خصوصا داخل المخيمات المكتظة بالسكان، لكن الرد الإسرائيلي عادة ما يكون عنيفا وقاتلا.

وخلال معظم الاقتحامات التي نفذتها إسرائيل لمخيمات فلسطينية قتلت متظاهرين.

وقال مصدر أمني فلسطيني لـ«الشرق الأوسط» إن معظم الغارات الإسرائيلية تجري الآن دون تنسيق مسبق.

وجرت العادة أن تبلغ إسرائيل السلطة بوجود نشاط أمني غير محدد في مدينة ما دون أن تعطي مزيدا من التفاصيل، تجنبا لأي احتكاكات بين رجال الأمن الفلسطيني والجيش الإسرائيلي.

لكن إسرائيل أجبرت مؤخرا الأمن الفلسطيني على إزالة بعض النقاط الأمنية من على مداخل المدن، بهدف تنفيذ عمليات خاطفة، ودون تنسيق. ولا يوجد أوامر للأجهزة الأمنية بالتصدي للقوات الإسرائيلية، لأن ذلك يعد بمثابة إعلان حرب.

وقالت المصادر: «هناك اتفاقات وهناك تنسيق أمني»، وأضافت «هذا رهن بالمستوى السياسي».

وتقسم الضفة الغربية إلى ثلاث مناطق وفق «أوسلو، «أ» و«ب» و«ج». ومناطق «ج» تقع خارج المدن الفلسطينية، وهي مناطق تخضع للسيطرة الأمنية والمدنية الإسرائيلية، فيما تخضع «أ» إلى سيطرة أمنية ومدنية فلسطينية، و«ب» إلى سيطرة أمنية إسرائيلية ومدنية فلسطينية.

لكن إسرائيل تقتحم كل هذه المناطق بحكم «القوة».

وفي سنوات الانتفاضة الثانية، طلب من الأجهزة الأمنية التصدي للاقتحامات الإسرائيلية، فحولت إسرائيل الأجهزة الأمنية إلى عدو مركزي، قتلت منهم كثيرين واعتقلت آخرين، فيما حولت الطائرات الإسرائيلية المقار الأمنية الرئيسية في معظم المدن إلى ركام، قبل أن تحاصر مقر الرئيس الفلسطيني شخصيا.

واليوم لا تريد القيادة الفلسطينية إعادة الكرة مرة ثانية. لكن المفاوضين الفلسطينيين احتجوا مرارا لدى الأميركيين على تعمد إسرائيل إحراج السلطة وضرب هيبتها عبر الاقتحامات المتكررة لمناطق «أ».

وقالت مصادر إسرائيلية إن ذلك (أي اقتحام المناطق) سيتواصل حتى بعد قيام الدولة الفلسطينية «منزوعة السلاح».

وأبلغت إسرائيل الولايات المتحدة أنها بصدد مواصلة تنفيذ هجمات على أهداف «ساخنة» في قلب الضفة بعد قيام الدولة الفلسطينية. وكانت هذه إحدى المعضلات في خطة كيري الأمنية، إذ رفض الفلسطينيون ذلك بشكل قطعي.

ومن بين الأسئلة التي أرادت إسرائيل إجابات لها، كيف تحمي حدودها وحركة الطائرات القريبة ومن يتولى ملاحقة «إرهابيين» محتملين في الضفة الغربية.

ويقول رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو إنه لن يسمح بتحويل الضفة إلى قطاع غزة جديد، ولذلك فإنه يريد بقاء قواته على طول الحدود مع الأردن وترتيبات أمنية تضمن سلامة مواطنيه.

ويرد الرئيس الفلسطيني محمود عباس بأنه لن يسمح لأي جندي إسرائيلي بالبقاء داخل حدود الدولة الفلسطينية ولا حتى مستوطن واحد.