مسؤولون أميركيون يتخوفون من تأخير الرئيس كرزاي توقيعه على الاتفاقية الأمنية

واشنطن ستقدم دعما محدودا للقوات الأفغانية بعد الانسحاب النهائي وستنفذ بعض مهمات القوات الخاصة ضد «القاعدة» وطالبان

وزيرة الدفاع الألمانية أورزولا فون دير لاين خلال زيارتها قوات بلادها في مزار شريف أول من أمس حيث تعهدت بتوفير العتاد اللازم لحماية جنودها في أفغانستان بصرف النظر عن التكاليف (إ.ب.أ)
TT

كارثة محتملة حذر مسؤولون أميركيون منها إذا لم يوقع الرئيس الأفغاني حميد كرزاي اتفاقية أمنية تجيز بقاء القوات الأجنبية في أفغانستان بعد 2014. ويقول المسؤولون إنه إذا لم يجر التوصل لاتفاق يسمح ببقاء قوة أميركية بسيطة ربما ثمانية آلاف جندي - فإن حركة طالبان قد تعود بقوة وقد يستعيد تنظيم القاعدة ملاذاته الآمنة وربما لا تجد القوات الأفغانية تمويلا.

وستعمل القوة الأميركية المتصورة لما بعد 2014 على تدريب ومساعدة الجنود الأفغان وملاحقة أخطر المسلحين. ولكن حتى إذا سحبت إدارة الرئيس الأميركي باراك أوباما كامل قواتها وقوامها 43 ألف جندي بعد عام سيظل أمام واشنطن بضعة خيارات أمنية محدودة. لم يناقش المسؤولون الأميركيون علنا التصور المحتمل لما بعد الانسحاب من أفغانستان إلا أن الولايات المتحدة قد تستمر في تقديم دعم محدود للقوات الأفغانية وفي تنفيذ بعض مهمات القوات الخاصة واستخدام طائرات من دون طيار لمواجهة «القاعدة» وكبح جماح طالبان.

وقد تتماشى العملية الأمنية المحدودة في كثير من جوانبها مع تحول في الاستراتيجية الأميركية بدأ منذ عشر سنوات حين خففت واشنطن من الحملات المباشرة التي تستهدف المسلحين واستعاضت عن ذلك بدعم القوات الأفغانية إلى جانب تنفيذ عمليات معينة من حين لآخر. وحتى في هذه الحالة فإن الانسحاب الكامل للقوة الأميركية الرئيسة سيزيد من صعوبة منع مقاتلي «القاعدة» من إعادة تنظيم صفوفهم على طول الحدود الوعرة بين أفغانستان وباكستان ومنع طالبان من تعزيز قبضتها على معقلها في الجنوب الأفغاني. وقال مسؤول دفاعي أميركي طلب عدم ذكر اسمه: «لدينا قدرات كثيرة لكن سنصبح مقيدين جدا من دون الاتفاقية الثنائية التي تسعى واشنطن لعقدها مع كرزاي». ولا يزال المسؤولون الأميركيون يعبرون حتى الآن عن الأمل في أن يتخلى كرزاي عن طلباته ويوقع الاتفاقية قبل مدة مناسبة من الانتخابات الأفغانية المقررة في أبريل (نيسان).

ويقول المسؤولون إنهم لم يبدأوا في التخطيط لانسحاب كامل أو مهمة محتملة بعد الانسحاب. لكن الجنرال جوزيف دنفورد قائد القوات الدولية في أفغانستان قال للصحافيين في كابل في الآونة الأخيرة «أتوقع إذا لم نتلق ردا في ديسمبر (كانون الأول) أن نبدأ في إجراء تخطيط أكثر تفصيلا فيما يتعلق الاحتمالات الأخرى بجانب المهمة التي ستكون بعد 2014». وقال مسؤول دفاعي أميركي آخر إنه من أجل فهم الخيارات التي قد تكون أمام الولايات المتحدة في أفغانستان بعد الانسحاب الكامل يمكن النظر إلى الأماكن التي ننشط فيها بالفعل في مكافحة الإرهاب مثل العراق وليبيا والصومال حتى إذا انسحبت كل القوات الأجنبية من أفغانستان قد يظل أمام الولايات المتحدة إرسال أعداد صغيرة من القوات الخاصة مثل تلك المعروفة باسم «ذوي البيريهات الخضراء» لتنفيذ مهام تدريب محدودة قصيرة بناء على طلب المسؤولين الأفغان. وقد تشن الولايات المتحدة هجمات من حين لآخر على الإسلاميين المتشددين مثلما فعلت في ليبيا والصومال.

وقال المسؤول الدفاعي الأميركي الأول «هذا أسلوب مستخدم في أنحاء العالم»، وكانت القوات الأميركية قد ألقت القبض في أكتوبر (تشرين الأول) على أبو أنس الليبي في العاصمة الليبية طرابلس. وأبو أنس من المشتبه بهم في تفجيرين استهدفا سفارتي الولايات المتحدة في كينيا وتنزانيا عام 1998. ولم يتضح نوع الصلاحية التي منحتها الحكومة الليبية لواشنطن في هذا الصدد. وخلال نفس الفترة تقريبا نفذت القوات الأميركية الخاصة عملية استهدفت مسلحا في حركة الشباب بالصومال لكنها فشلت في القبض عليه. وبعد الانسحاب العسكري الأميركي من العراق في 2011 أنشأت الولايات المتحدة مكتبا أمنيا كبيرا ملحقا بسفارتها في بغداد للإشراف على المبيعات العسكرية وإسداء النصح للحكومة العراقية وتزويدها بدعم محدود.

ونقلت صحيفة «نيويورك تايمز» عن الجنرال الذي يرأس هذا المكتب قوله إن القوات الأميركية الخاصة دعيت للعودة إلى العراق لدعم القوات العراقية في مجالي مكافحة الإرهاب والمخابرات. وقال مسؤولو دفاع إن الجيش الأميركي يقدم أيضا تدريبا ومعدات لقوات الأمن اليمنية مع سعي إدارة أوباما لإضعاف «القاعدة» وغيرها من الجماعات المتشددة في شبه الجزيرة العربية. من جهته قال روبرت جرنييه المدير السابق لمركز مكافحة الإرهاب في وكالة المخابرات المركزية الأميركية إنه حتى إذا أصبح انسحاب القوة الأميركية الرئيية من أفغانستان ضروريا فإن واشنطن يجب أن تفكر في وضع بعض القوات الخاصة تحت سلطة الوكالة لتدريب القوات الأفغانية أو أداء أنشطة محدودة لمكافحة الإرهاب إلى جانب بعض أفراد قوة شبه عسكرية صغيرة تابعة للوكالة. وأضاف: «ستكون البصمة الأميركية أصغر بكثير وستنحسر قدراتنا. لكن هذا قد لا يكون بالأمر السيئ»، وتابع بقوله إن هذه ستمنح القوات الأفغانية دورا قياديا في ملاحقة المتشددين أكبر مما كان في الماضي. والاحتفاظ ولو بقدرة بسيطة على دعم الجنود الأفغان يمكن أن يكون له أهمية خاصة إذا انهارت خطط مهمة تدريب أوسع نطاقا أو جهود الولايات المتحدة للانتهاء من الاتفاقية الأمنية.

وحذر مسؤولون أميركيون كبار من أن الوفاء بتقديم مساعدات خارجية تقدر بنحو أربعة مليارات دولار سنويا للقوات الأفغانية قد يصبح أقل ترجيحا إذا حد انسحاب القوات الأجنبية بالكامل من قدرة المشرعين على تتبع المساعدات الأميركية. وستضطر الإدارة الأميركية أيضا إلى إعادة النظر في الكثير من أوجه مساعدات التنمية وكذلك استراتيجيتها الدبلوماسية إذا رحلت القوات الأميركية. ومن دون الدعم الخارجي ستفتقر الحكومة المركزية في أفغانستان على الأرجح إلى سبل دفع رواتب الشرطة والجيش مما قد يشجع على تفكك القوات الأفغانية على أسس عرقية أو إقليمية. وقال اللفتنانت المتقاعد ديفيد بارنو الذي قاد القوات الأميركية وقوات حلف شمال الأطلسي في أفغانستان من عام 2003 إلى عام 2005 يتمثل الخطر الأكبر في حالة نفاد الخيارات في التفكك العسكري الأفغاني وبالتالي انهيار الدولة الأفغانية.

هجمات الطائرات من دون طيار من المرجح أن تطلب الولايات المتحدة موافقة الزعماء الأفغان في المستقبل على معظم أو كل أنشطة التدريب ومكافحة الإرهاب بعد الانسحاب وقد يشمل هذا استخدام الطائرات من دون طيار وهو ما اتسمت به الاستراتيجية الأمنية لإدارة أوباما في المناطق النائية. وقال أوباما في مايو (أيار) إنه يأمل في أن يقلل النجاح في مكافحة «القاعدة» والمسلحين الآخرين من الحاجة لهجمات الطائرات من دون طيار في أفغانستان بحلول العام المقبل. لكن عدم وجود قوات أميركية كبيرة في أفغانستان قد يعني أن استخدام طائرات من دون طيار سيكون من الأدوات القليلة المتبقية في يد الولايات المتحدة لضرب الجماعات المسلحة في المنطقة. وقال ميكاه زينكو من مجلس العلاقات الخارجية، وهو مؤسسة بحثية إنه سيكون من الصعب للغاية الاستمرار في استخدام الطائرات من دون طيار إذا قرر خلفاء كرزاي رفض السماح بانطلاقها من الأراضي الأفغانية بعد انسحاب القوات الأجنبية. ودول آسيا الوسطى التي قد تسمح بمثل هذه الهجمات تبعد جدا عن المناطق المستهدفة كما أن قدرة الجيش الأميركي على إطلاق هذا النوع من الطائرات من سفن في بحر العرب أو غيره محدودة في الوقت الحالي.

وقال زينكو «ما لم يكن هناك تصريح بالانطلاق من دولة مجاورة ودعم صريح بمرور الطائرات فوق أفغانستان وباكستان سيكون شن هجمات بالطائرات من دون طيار في أفغانستان وباكستان مغامرة صعبة للغاية». وفي 2011 أعلن وزير الدفاع الباكستاني آنذاك تشودري أحمد مختار أن حكومته طلبت من الولايات المتحدة إخلاء قاعدة جوية في جنوب غربي باكستان قال إنها تستخدم لإطلاق هجمات الطائرات من دون طيار. وقال جرنييه إن باكستان قد تبدي استعدادا للسماح بانطلاق طائرات من دون طيار من أراضيها بشرط أن تكون لها كلمة فاصلة فيما يتعلق بأنشطة هذه الطائرات وأهدافها. وأضاف «في ظل هذه الظروف.. قد لا تمثل السياسة المتعلقة بالسيادة الباكستانية قضية كبرى».