البراميل المتفجرة تثير الذعر والخوف لدى أبناء حلب وتدفعهم للنزوح نحو لبنان

أمجد توفي بسبب عدم توفر الدواء لإسعافه.. ووالده لن يعود إلى سوريا قبل إسقاط النظام

TT

«أصبح الموت في حلب حدثا روتينيا، بسبب الأعداد الكبيرة من الضحايا التي تقع يوميا ضحية البراميل المتفجرة وشظاياها، ليتخطى عددها المائة برميل في اليوم».. هكذا يبدأ الناشط الميداني أبو فراس الحلبي وصفه الواقع الذي يعيشه أهالي المنطقة، يتنقلون في الشوارع والأزقة وأعينهم تراقب السماء، تحسبا لأي غارة ممكن أن تشنها طائرات النظام.

تشكل حلب عاصمة اقتصادية نشطة ونقطة استراتيجية مهمة بالنسبة للنظام، وفيها يتمركز العدد الأكبر من المعارضين المسلحين في الجيش الحر الذين يسيطرون على معابر تعتبر حلقة وصل مع تركيا، الأمر الذي يسهل عملية إمدادهم بالسلاح. هكذا يبرر أبو فراس سبب تركيز قوات النظام قصفها على مدينة حلب.

يوثق أبو فراس أعداد الضحايا التي تقع يوميا بالتعاون مع المنظمة السورية لحقوق الإنسان، ويقول لـ«الشرق الأوسط»: «منذ اشتداد القصف أي منذ نحو 10 أيام وثقنا أكثر من 1000 حالة وفاة، عدد كبير منهم بلا هوية وعدا عن ذلك الأشلاء المتناثرة هنا وهناك نتيجة البراميل المتفجرة المحشوة بمواد قاتلة، وآخر المجازر التي ارتكبها نظام الأسد هي مجزرة حي السكري، حيث توفي أكثر من 35 شهيدا». ويضيف متحدثا عن «القصف اللا إنساني»: «تقصف طائرات النظام مدينة حلب عن ارتفاع خمسة كيلو مترات، مما يصعب على المسلحين المعارضين التصدي لها خاصة وأنها تستهدف المكان مرتين متتاليتين، فبعد أن يأتي المسعفون والثوار لإنقاذ المصابين تعود الطائرة الحربية لتقصف مرة أخرى، فالبرميل أصبح يقصف عشوائيا بهدف القتل من أجل القتل».

ويميز أبو فراس بين نوعين من البراميل: «الطيارة الحربية تستوعب حمل 800 كيلو من البراميل المتفجرة فقط، أي ما يعادل تقريبا البرميلين، فحجم الواحد يبدأ من 175 إلى 225 كيلوغراما وصولا إلى 400 كيلوغرام للبرميل الواحد. وهناك براميل تحتوي على مواد متفجرة وأخرى تحتوي على مواد متفجرة وبارود وخردق ومسامير وعملات نقدية وتسمى قنبلة انشطارية وفي حال انفجارها يصل حجم الدمار الذي تخلفه وراءها ليطال أكثر من 300 متر من المساحة وعندما نتحدث عن الدمار يعني أن هذا البرميل بإمكانه إسقاط مبنى سكني متألف من خمسة طوابق وينزل نحو أربعة أبنية أخرى معها».

دفع القصف العشوائي لمدينة حلب عددا كبيرا من سكانها للنزوح نحو تركيا ولبنان هربا من آلات القتل التي لا ترحم. عائلة أبو أمجد هي إحدى العائلات التي استطاعت الهروب من حلب بمساعدة معارضين متمركزين على الحدود، متجهة نحو الأراضي التركية ومنها إلى لبنان وسكنت لدى صديق لها يعمل ناطورا في غرفة صغيرة في إحدى القرى الجنوبية. يروي أبو أمجد قصة نزوحه لـ«الشرق الأوسط»: «دمرت أملاكي، حيث أسكن لم أجد حلا أمامي سوى اللجوء إلى بلد بعيد عن القصف والقتل خاصة وأن الغلاء في مدينتي خنقنا ونعيش على ضوء الشمس وفي الليل نتجمد بردا فلا كهرباء ولامياه والمازوت مفقود».

كان لدى أبو أمجد «العريس الجديد» كما وصفه صديقه، ولد يبلغ من العمر ثلاث سنوات يعاني من مرض مزمن (الربو)، توفي بسبب عدم تمكن والديه من شراء الدواء لإسعافه. تروي والدته معاناة السوري في حلب: «كنا نعيش في الملاجئ لا نخرج إلا للضرورة لتأمين الطعام والدواء. مرت ليال علينا لا نعرف معنى النوم، عندما نسمع صوت الطيران نتحضر معنويا ونتلو الشهادة ونقرأ الآيات القرآنية وندعو الله أن تخطئ القذيفة أو البرميل ملجأنا، الحصار اللا إنساني أفقدني ولدي الصغير، فالطائرات تحاصرنا جوا وتقصف الأفران والمستوصفات وتمنع عنا المساعدات الطبية لتضيق الخناق على المعارضين المسلحين فتجبرهم على الاستسلام، فذهب أمجد ابني ضحية حرب شنها نظام ديكتاتوري. ابني اختنق بسبب عدم توفر الدواء وتوفي على الفور». تقولها بحرقة كبيرة وتضيف صارخة: «لقد تركت البلد ورائي ولا أريد العودة إليه أبدا فليدمر الأسد ما يشاء ويأخذ ما يشاء ولكن عقابه عند الله لكبير».

يقاطعها أبو أمجد قائلا: «عذاب اللجوء في بلاد الغربة أرحم ألف مرة من العيش في بلد أصبح بمثابة مقبرة لأبنائه، ندفن بالأرقام ولا هوية تعرف عنا وكأننا لم نكن».

أبو أمجد عامل بناء أمن له العمل صديقه سمير، الهارب هو أيضا من حمص المدمرة بنسبة تصل إلى 80% على حد قوله. يروي سمير لـ«الشرق الأوسط» تفاصيل الحصار المفروض على الأحياء والذي يمنع المساعدات الإنسانية من الوصول إليها، فيقول: «كنا نأكل الحشيش كالخبيزة والعدس ونشرب مياه حمراء غير صالحة للشرب وكنا نتناوب الحراسة ليلا حتى لا تغدر بإخواننا رصاصات القناصين وقذائف طائرات الميغ 23. وفي الشهر أخرج مرة عند الضرورة القصوى فقط، وبعناية الله جئت إلى لبنان ولا أريد العودة إلى سوريا إلا بعد إسقاط النظام والتأكد من معاقبة كل مجرم على إجرامه». ويسأل بأسى: «لماذا غيبت حمص إعلاميا ولم تقدم لها المعونات ولا المساعدات ولم تفتح المعابر والقنوات لوصولها؟».

وعن قصف حمص بالبراميل المتفجرة يعلق ساخرا: «تخطت مدينتي مرحلة البراميل منذ فترة طويلة وهي اليوم تتعرض لغارات جوية تشنها طائرات حربية وليس طائرات الهيلوكبتر، يعني من العيار الثقيل».