البلغار متشائمون إزاء المستقبل بعد ست سنوات على انضمامهم لأوروبا

احتجاجات متواصلة في صوفيا منذ مطلع العام تطالب بإطاحة الحكومة

طلاب مناهضون للحكومة خلال اجتماع لهم في جامعة صوفيا مطلع الشهر الحالي (نيويورك تايمز)
TT

في الوقت الذي نظم فيه المحتجون الأوكرانيون اعتصاما في قلب العاصمة كييف لمطالبة الحكومة بتوطيد العلاقات مع أوروبا، وجه بوريس رانغلوف، أحد القيادات الطلابية الذين يتزعمون الاحتجاجات في بلغاريا، رسالة تحمل طابع الرصانة والواقعية من عاصمة بلغاريا، إحدى الدول الشيوعية السابقة التي استطاعت، على عكس أوكرانيا، الانضمام للاتحاد الأوروبي قبل ست سنين. وتقول الرسالة: «التغيير يستغرق وقتا طويلا».

وخلال حركة الاحتجاج الواسعة التي غصت بها شوارع أوكرانيا منذ عدة أسابيع لمطالبة الحكومة، التي يرونها فاسدة وسيئة السمعة، بالاستقالة، كان رانغلوف ينضم للاحتجاجات التي اندلعت في فبراير (شباط) الماضي، بهدف التخلص من قيادات بلاده السياسية والاقتصادية، التي تبدو فاسدة حتى النخاع. ويقول رانغلوف، وهو طالب في السنة الأولى في جامعة صوفيا: «يجب أن تسجل احتجاجاتنا في موسعة غينيس للأرقام القياسية». أصبحت جامعة صوفيا مركزا لحركة الاحتجاجات التي لا تهدأ والتي نجحت في الإطاحة بإحدى الحكومات المحافظة، وهي الخطوة التي يرغب طلبة الجامعة في تكرارها مع الحكومة الاشتراكية غير المحبوبة التي جاءت بتلك الحكومة المحافظة في السلطة.

وبعد الفترة الطويلة التي قضاها المحتجون في الشوارع منذ اندلاع الاحتجاجات في بلغاريا، أدرك المتظاهرون مدى صعوبة إحداث التغيير حتى في بلادهم التي انضمت للاتحاد الأوروبي منذ ست سنين. ورفض الرئيس الأوكراني فيكتور يانوكوفيتش توقيع شراكة مع الاتحاد الأوروبي في نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي من أجل توطيد علاقة بلاده مع روسيا، الأمر الذي أدى إلى اندلاع احتجاجات من قبل الأوكرانيين الذين يرون أن توطيد الروابط مع أوروبا من شأنه أن يوفر مستقبلا أكثر إشراقا لبلادهم.

وولدت حالة الانسداد السياسي المتواصل شعورا عميقا مصحوبا بخيبة أمل لدى البلغار المحبطين، الذين كانوا يحلمون بأن الانضمام للاتحاد الأوروبي سيفتح الطريق أمام ظهور نظام شفاف يحقق الرخاء والعدالة الاجتماعية في بلادهم. كما هيأت حالة الانسداد السياسي تلك للبلغار فهما أكثر واقعية لما يمكن أن تحققه عضوية الاتحاد الأوروبي، وهو الاختيار الذي ما زال بعيد المنال بالنسبة لأوكرانيا.

كما كشفت الأزمة السياسية في بلغاريا عن الضعف الواضح للاتحاد الأوروبي، رغم الانتقادات الواسعة التي وجهها الاتحاد ودبلوماسيوه لحكومة صوفيا، بالإضافة إلى تجميد بعض المساعدات في محاولة لاستغلال النفوذ لإحداث التغيير في بلغاريا.

في غضون ذلك، بدأ البلغار والرومانيون، الذين حصلت بلادهم على عضوية الاتحاد الأوروبي في عام 2007 وأصبح في إمكانهم العمل في أي دولة من دوله منذ الأول من يناير (كانون الثاني)، الهجرة بأعداد ضخمة من بلادهم إلى المدن الأكثر ثراء في الاتحاد، مما أدى إلى شعور بعض الدول الأعضاء، التي تعاني مشاكل في توفير فرص العمل لمواطنيها، بالندم من انضمام هاتين الدولتين للاتحاد.

وتقول ميغلينا كونيفا، وزيرة الشؤون الأوروبية في بلغاريا بين عامي 2002 و2005: «لم أتصور أبدا أن بلادي ستصل إلى تلك الحالة المزرية التي تعيشها الآن. اعتقدت أننا سنحقق الكثير من النجاحات وأن أحوالنا ستسير إلى الأفضل». وكانت كونيفا، التي شغلت فيما بعد منصبا في الاتحاد الأوروبي، شاركت في مفاوضات بلادها للانضمام للاتحاد الأوروبي.

ويبدو نظريا أنه لا يوجد أحد في بلغاريا يعتقد أن عضوية الاتحاد الأوروبي حققت فوائد كثيرة لبلادهم من جانب أو أنها كانت خطأ على الجانب الآخر.

في بلغاريا، يوجد الكثير من الطرق والحدائق ومحطات معالجة المياه والكثير من المواقع الأخرى التي تحمل لافتات كبيرة عليها شعار الاتحاد الأوروبي الأزرق بنجومه الاثني عشر التي تبقى شاهدا على الأموال التي ضخها الاتحاد في عروق الاقتصاد البلغاري. وعلى العكس في أوروبا الغربية، يملأ المتشككون في جدوى منطقة اليورو الأجواء صخبا وضجيجا من أجل الخروج من عضوية الاتحاد، لكن كونيفا تقول إنه لولا انضمام بلادها للاتحاد الأوروبي «لكان حال بلغاريا أسوأ من تلك الحال التي تعانيها أوكرانيا في الوقت الحالي».

بيد أن بلغاريا تبقى في ذيل ترتيب دول الاتحاد الأوروبي من حيث أقل الدول فقرا، وفي ديسمبر (كانون الأول) الحالي، صنفت منظمة الشفافية الدولية، وهي منظمة دولية غير حكومية معنية بمراقبة الفساد ويقع مقرها في برلين، بلغاريا ثاني أكثر الدول فسادا في أوروبا بعد اليونان. وتضيف كونيفا أن الهم الأول لعدد كبير من أعضاء الطبقة السياسية في بلغاريا هو «مجرد السعي لسرقة أكبر قدر ممكن من الأموال الأوروبية»، وليس الاهتمام بالقيم الأوروبية.

ويقول نيكولاي ستايكوف، مدير إحدى شركات التكنولوجيا الصغيرة في صوفيا: «المجتمع البلغاري يعاني خيبة أمل كبيرة». أنشأ ستايكوف موقعا إلكترونيا يسمى «www.noresharski.com» في إشارة إلى رئيس الوزراء بلامين أوريشارسكي، وذلك لتسهيل تنظيم الاحتجاجات وتوفير مصدر معلومات بديل لمصادر الأخبار الموالية للحكومة. ويشير ستايكوف إلى أنه «كان هناك الكثير من الآمال غير الواقعية. أما الآن، فلم نعد نتوقع أن عصا سحرية أوروبية ستغير كل شيء في بلادنا».

ويضيف ستايكوف أنه، بعد تولي عدد كبير من الحكومات مقاليد الأمور وفشلها جميعا، لم يعد متأكدا مما إذا كانت بلغاريا ستستطيع الانضمام إلى باقي أوروبا بشكل فعلي، مشيرا إلى أن «الجانب المتفائل داخلي يقول إن المشكلة تكمن في السياسيين، أما الجانب المتشائم فيقول إن المشكلة أعمق من ذلك بكثير».

* خدمة «نيويورك تايمز» خاص بـ«الشرق الأوسط»