جدل التدريس بالعامية و«الهيمنة الفرنسية» يسيطران على أول مؤتمر للغة العربية في المغرب

ابن كيران انتقد مهاجمي الفصحى ونوه بـ«النموذج الإسرائيلي» في الحفاظ على العبرية

جانب من الجلسة الافتتاحية للمؤتمر الأول للغة العربية في الرباط حيث أجمع المتحدثون على ضرورة العودة للغة العربية والاهتمام بها والبحث عن حلول جذرية للمشاكل التي تواجهها في عصر السرعة والتقنيات (تصوير: مصطفى حبيس)
TT

شن باحثون وأكاديميون عرب ومغاربة أمس الخميس هجوما لاذعا على الداعين لاعتماد الدارجة (العامية) لغة تدريس في التعليم المدرسي، واصفين الدعوة بأنها «باطلة» و«عكس المنطق والعلم».

وأجمع عدد من المشاركين في المؤتمر الوطني الأول للغة العربية، الذي اختتمت أعماله أمس الخميس بالعاصمة الرباط، على انتقاد «هيمنة» اللغة والثقافة الفرنسية في المغرب.

وقال محمد طلابي، رئيس «المنتدى المغربي للوسطية»، إن الدعوة للتدريس بالدارجة في المغرب ينطلق من «عدم تحليل للتاريخ»، وإن دوافعه آيديولوجية تخدم ترسيخ المصالح الفرنكفونية، حيث «ستظل الحاجة قائمة للغة الفرنسية بصفتها المرجع المتفق عليه».

ووصف طلابي دعاة التدريس بالدارجة بأنهم «لا يمتلكون عقلا أكاديميا لتفسير الظواهر»، مشيرا إلى أن عددا من اللغات القائمة الآن كالفرنسية والإيطالية تطورت من لهجات. وقال إن التاريخ يعطي نماذج من «تفصيح اللهجات» وليس العكس، واصفا أصحاب الدعوة بأنهم يستندون إلى «حركة ظلامية موغلة في الرجعية».

من جهته، قال مولاي أحمد العلوي، الأستاذ المبرز في اللغة العربية والعميد السابق لكلية الآداب في بني ملال، إن التدريس بأي لغة هو قرار سيادي، مشيرا إلى أن الداعين للدارجة استندوا إلى «بند غامض» كتب على عجل في الدستور المغربي، يقول إن «اللغة العربية هي اللغة الرسمية»، وإنه كان يجب أن تضاف عبارة «الفصحى» لتحديد المقصود، لأن «العربية» تحيل في المغرب وبعض الدول العربية إلى الدارجة أيضا.

ووجه عبد الصمد بلكبير، الأستاذ الجامعي والباحث في اللغة العربية، انتقادات حادة لـ«هيمنة» اللغة الفرنسية، وقال إن كل الجدل والمشكلات التي يشهدها التعليم في المغرب «مصدرها فرنسا المأزومة»، وإن عوامل عدة تقف وراء ذلك، منها الماضي الاستعماري لفرنسا، الذي يعد «ظلاميا ومتخلفا» مقارنة مع بريطانيا، ومن تلك العوامل، كما قال، وجود 60 ألف فرنسي يقيمون في المغرب، وألف شركة تعمل فيه، إضافة إلى «تفرنس» الإدارة المغربية.

وقال بلكبير إن الملكية في المغرب هي «أكبر متضرر من الدعوة للتدريس بالدارجة»، لأن استهداف اللغة العربية يعني استهدافا للدين الإسلامي الذي هو المصدر الأساسي للشرعية الملكية. وأضاف أن الملكية في المغرب كانت دائما إلى جانب شعبها، تدافع عن اللغة العربية وتحافظ عليها.

وحذر بلكبير من الازدواجية اللغوية، واصفا إياها بأنها «قاتلة»، مستشهدا بالنموذج الجزائري، حيث إنهما عالمان لا صلة بينهما، أحدهما تراثي بحت، والآخر حداثي متفرنس.

وكانت أعمال المؤتمر الأول للغة العربية، الذي نظمه «الائتلاف الوطني من أجل اللغة العربية» قد افتتحت أول من أمس (الأربعاء) لبحث موضوع «واقع اللغة العربية بالمغرب بين التعددية والتنمية»، في إطار تخليد اليوم العالمي للغة العربية، تحت شعار «نحو استراتيجية وطنية للنهوض باللغة العربية».

وحضر افتتاح المؤتمر عدد كبير من المسؤولين الحكوميين والدبلوماسيين والباحثين المغاربة والعرب، في مقدمتهم رئيس الحكومة عبد الإله ابن كيران، الذي شارك أيضا في الحديث الدائر حول الدعوة للتدريس بالدارجة، قائلا إن اللغة واللهجة «ليستا خصمين»، داعيا أصحاب النزعة نحو الدارجة إلى قراءة الأبحاث العلمية حول اللغة والهوية، بدلا من «اعتماد الرؤى السياسية الضيقة». وقال إن أي استهداف للعربية يعده استهدافا شخصيا له.

ونوه ابن كيران بنموذج إسرائيل في تحويل العبرية من حالة من الوهن والضعف والتشتت إلى لغة وطنية قوية، يدرس بها في التعليم الابتدائي والثانوي والجامعي، وقال إن الإسرائيليين فرضوا التواصل بلغتهم مع العالم.

أما محمد أمين الصبيحي، وزير الثقافة المغربي، فقال إن وزارته عملت على خدمة اللغة العربية في إطار سياسة ثقافية شاملة، تضمنت تفعيل المرسوم القانوني المؤسس لـ«أكاديمية محمد السادس للغة العربية»، وهي هيئة تسعى للنهوض بالعربية والحرص على استعمالها بشكل سليم، وتقوية حضورها في المجال العام.

ووصف الصبيحي اللغة العربية بأنها تمتلك «قدرة توليدية فائقة»، تلائم العصر، وإنها تحمل رصيدا معرفيا غزيرا، يضمن توسيع دائرة مستعمليها.

من جهته، ربط عبد العزيز بن عثمان التويجري، المدير العام للمنظمة الإسلامية للتربية والعلوم والثقافة (إيسيسكو)، بين النهوض بالعربية وحمايتها تشريعيا، قائلا إن مواجهة الأخطار والتحديات التي تتهددها تجري عبر إرادة سياسية تقوي الوحدة الوطنية وتحقق الاستقرار اللغوي.

وأشار فؤاد بوعلي، رئيس الائتلاف الوطني من أجل اللغة العربية، إلى أن الهدف من عقد المؤتمر، هو «إعادة الرونق والبهاء للغة الضاد، داخل فسيفساء التعدد والوحدة في المغرب».