المساعدة السعودية للجيش اللبناني.. الأكبر في تاريخه

السفير عسيري لـ «الشرق الأوسط»: هدفها دعم لبنان لتوفير الأمن والاستقرار

الجيش اللبناني يواجه تحديات كبيرة بإمكانات ضعيفة (أ.ف.ب)
TT

استأثرت أخبار المساعدة السعودية الكبيرة للجيش اللبناني التي قال الرئيس اللبناني ميشيل سليمان أنها ستبلغ ثلاثة مليارات دولار باهتمام الأوساط السياسية والشعبية اللبنانية، باعتبارها أكبر مساعدة يتلقاها الجيش لتحديث وحداته وتعزيزها بعد معاناة طويلة سببها ضعف الإنفاق على المؤسسة التي تقع على عاتقها أعباء أمنية كبيرة جدا في ظل الواقع الحالي.

وبينما عد سفير المملكة العربية السعودية لدى لبنان علي بن عواض عسيري أن هذه المساعدة تهدف إلى «رفد الدولة اللبنانية ومؤسساتها لتوفير الأمن والاستقرار»، قالت مصادر لبنانية رسمية إن هذه هي المرة الأولى التي يرصد فيها مبلغ مماثل لتسليح الجيش اللبناني، الذي توقف تسليحه منذ ثلاثة عقود، مشيرة إلى أن الجيش يعاني من نقص هائل في العتاد والعديد، ويطلب منه مهمات جمة في ظل الوضع السياسي والأمني المتأزم في لبنان، أقله في السنوات العشر الأخيرة، علما أن مجلس الوزراء اللبناني كان أقر في سبتمبر (أيلول) 2012 خطة خمسية لتسليح الجيش اللبناني، بموازنة 1.2 مليار دولار أميركي، أي بأقل من نصف المبلغ المرصود من السعودية.

وقال عسيري لـ«الشرق الأوسط» إن خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز، يعبر بالمواقف التي يتخذها تجاه لبنان عن عمق العلاقات الأخوية التاريخية التي تربط المملكة العربية السعودية بهذا البلد الشقيق، وأن المكرمة التي أمر بها للجيش اللبناني تأتي في هذا الإطار من أجل رفد الدولة اللبنانية ومؤسساتها الأمنية وفي مقدمتها الجيش اللبناني لتتمكن من توفير الأمن والاستقرار لكافة أبناء الشعب اللبناني. ورأى عسيري أن الأشقاء اللبنانيين يعلقون آمالا كبيرة على الجيش اللبناني ودوره لأنه يمثل الشعب اللبناني بكل أطيافه، وأن ما يقوم به من حفظ للأمن والاستقرار والسعي إلى بسط سيادة الدولة مقدر ومطلوب من الجميع. وثمن الدور الوطني الكبير الذي يضطلع به رئيس الجمهورية اللبنانية العماد ميشال سليمان بحفاظه على سيادة الدولة وتطبيق أحكام الدستور وسعيه الدؤوب إلى تعزيز الحوار الداخلي بين كافة القوى السياسية من أجل إيجاد حلول للمواضيع الخلافية وتجنيب انعكاسات الأحداث التي تشهدها المنطقة، عادا أن ما يحتاجه لبنان الشقيق في هذه المرحلة هو مزيد من الحوار البناء والحكمة والتقارب بين الجميع لأن الوحدة الوطنية هي أفضل سبيل لحماية لبنان وتحصين أمنه واستقراره.

وكان الرئيس سليمان قال في رسالة وجهها إلى اللبنانيين مساء أول من أمس، إن «الدعم السعودي للجيش هو الأكبر في تاريخ لبنان.. الذي يتهدده الصراع المذهبي والتطرف»، مؤكدا أن «تعزيز قدرات الجيش هو مطلب وطني وشعبي جامع ومصدر اعتزاز». ولفت إلى أن موضوع الدعم كان «مدار بحث مع الملك السعودي والرئيس الفرنسي فرنسوا هولاند» خلال القمة التي عقداها أمس في المملكة، متابعا: «أشار جلالته إلى أن شراء الأسلحة سيكون من الدولة الفرنسية وبسرعة نظرا للعلاقات التاريخية التي تربطها بلبنان ولعمق علاقات التعاون العسكري بين البلدين».

ويكافح الجيش اللبناني للتعامل مع انتشار العنف عبر الحدود بسبب اندلاع أزمة سوريا، ولا ينفك عن التدخل لفض اشتباكات تشهدها مدن لبنانية عدة كطرابلس (شمال) التي شهدت 18 جولة قتال بين قاطنيها منذ عام 2008، ومدينة صيدا (جنوب) التي خاض فيها الجيش مواجهات مسلحة في شهر يونيو (حزيران) الماضي مع مسلحي الشيخ السلفي أحمد الأسير المطلوب للعدالة، إضافة إلى الاشتباكات في المناطق الحدودية كما في بلدة عرسال البقاعية، الصيف الماضي.

وقال الخبير العسكري المتقاعد رئيس مركز الشرق الأوسط للدراسات الاستراتيجية الدكتور هشام جابر لـ«الشرق الأوسط»، إن هذه المساعدة «تشكل حدثا تاريخيا للجيش اللبناني وهي بمثابة هبة وليست دينا»، مؤكدا أنه «لا يمكن الحديث عن إقرار استراتيجية دفاعية ونزع سلاح حزب الله قبل بناء النواة المتمثلة بالجيش وتسليحه». ولفت إلى أن الجيش «لم يتسلح منذ 30 سنة ويكتفي بهبات بسيطة كآليات وأسلحة خفيفة يقدمها الأميركيون بين الحين والآخر لكنها لا تبني جيشا».

وقال جابر إن «الميزانية المرصودة بموجب الخطة الخمسية (1.2 مليار دولار) ليست مخصصة للتسليح فقط إذ يذهب قسم كبير منها إلى تغطية كلفة التجهيز والتدريب والتكنولوجيا والخدمات الطبية»، مقترحا «الانطلاق من الهبة السعودية المشكورة والتي لا يجرؤ أي لبناني، بغض النظر عن انتمائه السياسي، على الاعتراض عليها لأنها موجهة إلى الجيش أي المؤسسة الوطنية الوحيدة المتبقية بلبنان، لاستحداث صندوق هبات من الدول الشقيقة يخصص لبناء الجيش ودعم عديده وعتاده ومن ثم تدريب عناصره وتحفيز آخرين على الالتحاق به».

وفي هذا الإطار، يقول جابر إن «عديد الجيش (يقدر بـ40 ألفا) ليس كافيا بالنظر إلى حجم المهمات المطلوبة منه، خصوصا أن المسيحيين يحجمون عن التطوع، مما يحول دون تطويع المسلمين انطلاقا من ضرورة الحفاظ على التوازن»، في إشارة إلى المناصفة بين المسيحيين والمسلمين داخل الجيش. ويقترح إعادة إقرار البرلمان اللبناني لقانون الخدمة العسكرية الإلزامية من أجل تعويض النقص في عدد المتطوعين.

ويشك جابر بإمكانية أن تشمل الأسلحة الفرنسية التي ستدفع المملكة ثمنها، مظلة جوية، أي أسلحة مضادة للطيران، على الرغم من أنها أساسية لبناء جيش قوي، لكنه قال إن الأولوية هي لدعم الجيش البري، من أجل جعله عصريا بعتاده وعديده وتدريب عناصره، في موازاة زيادة عدد الفرقاطات البحرية. ويوضح أنه «لا يجوز لبلد يمتد شاطئه على مساحة 250 كلم أن يكون مكشوفا بحريا ويكتفي بامتلاك خمس فرقاطات، انطلاقا من وجوب أن تكون البحرية اللبنانية قادرة على حماية لبنان ومنع التسلل عبر شواطئه».

يذكر أن تسليح الجيش توقف منذ عام 1985، وهو تاريخ إبرام الرئيس اللبناني الأسبق أمين الجميل صفقة تسليح مع الولايات المتحدة الأميركية، حصل الجيش بموجبها على ناقلات جند ودبابات وأسلحة فردية ورشاشات متوسطة. ويقول جابر إن الجيش اللبناني «جيش كلاسيكي، يحتاج إلى خطة تسليح شاملة».

ويشير جابر إلى أن «سلاح الجو اللبناني ضعيف جدا، حيث يملك عددا لا يذكر من الطائرات المروحية التي تستخدم كناقلات جند وطائرات استطلاع. أما سلاح البحرية، فهو قديم جدا، ولم يجدد إلا بزوارق عسكرية بريطانية في التسعينات». ويوضح أن احتياجات التسليح للجيش تناهز خمسة مليارات دولار، لكونه يحتاج إلى أسلحة برية متطورة، ومنظومات دفاع جوي لحماية سلاح البر، مؤكدا أهمية تسليح الجيش بمنظومات دفاع جوي بهدف حماية سلاحه في البر من الهجمات الجوية.