جدل في البرازيل حول استقدام مئات من الأطباء الكوبيين

التحالف في المجال الطبي يقوي أواصر العلاقات بين البلدين

TT

من أكثر الأمور التي يتجنب الأطباء مناقشتها، على وجه التحديد، هي الظروف الخاصة بعيادات الصحة العامة في الحي الفقير شاسع المساحة «جاكاريزينهو». ففي هذا المكان يمارس تجار الممنوعات عملية البيع والشراء في الشوارع وعلى طول خطوط السكك الحديدية المخربة وتنتشر رائحة الجثث للكلاب الضالة بشكل يصعب على المرضى والعاملين في مجال الخدمات الطبية التعامل معه.

وفي هذا الصدد، تقول إدارميس غونزاليس، البالغة من العمر 45 عاما، أثناء إجراء الفحص الطبي على أحد الأطفال الذين يعانون الجفاف والإسهال: «عرفت بالتأكيد أن هذه المهمة لن تكون سهلة. نحن نذهب إلى أماكن لا يذهب إليها آخرون». ومن الجدير بالذكر أن غونزاليس هي واحدة من بين ما يزيد عن 4500 طبيب كوبي تستقدمهم الحكومة البرازيلية للعمل في القرى النائية والمناطق الفقيرة في المدن الرئيسة بالبلاد.

وفي ضوء مواجهتها سلسلة من الاحتجاجات التي اندلعت في شوارع البرازيل في عام 2013، بسبب الحالة السيئة للغاية للخدمات العامة، استخدمت الرئيسة البرازيلية ديلما روسيف مسألة الاستعانة بالأطباء الكوبيين كأساس لردها على حالة الاضطراب، ضاربة بعرض الحائط معارضة نقابة الأطباء لاستقدام الكوبيين الذين تلقوا التدريب في بلد شيوعية يُقال إن لديها وفرة في عدد الأطباء، وإرسالهم إلى مناطق بالبرازيل تواجه إهمالا في نظام الصحة العامة الخاص بها.

بيد أن هذا المشروع يشير أيضا إلى طموحات أكبر لحكومة البرازيل، التي تتحدى ممارسة أي تأثير على كوبا، حيث إن السلطات في هافانا تجعل اقتصاد الجزيرة معرضا لقوة السوق بشكل بطيء.

والجدير بالذكر أن الصادرات البرازيلية إلى كوبا ارتفعت بشكل مفاجئ، حيث زادت بمقدار إلى أربعة أضعاف على مدار العقد الماضي، لتصل إلى أكثر من 450 مليون دولار أميركي في العام. وتعكس الإنجازات التي حققتها الشركات البرازيلية في كوبا، اعتمادا على القروض المقدمة من بنك التنمية الوطني بالبرازيل ومشاريع المساعدات بمشاركة الخبرات البرازيلية فيما يخص الزراعة في المناطق الاستوائية، الظهور الواضح للقوى الناعمة في بلد يظل فيها نفوذ وتأثير واشنطن ضئيلا للغاية.

ومن جانبها، تقول جوليا سويغ، مديرة الدراسات الخاصة بأميركا اللاتينية في مجلس العلاقات الخارجية: «هذه هي البرازيل التي تؤدي لعبة استراتيجية لفترة طويلة في منطقة الكاريبي». وتستفيد كوبا من هذا الأمر أيضا، حيث تجني حكومة كوبا، عن طريق دبلوماسيتها في مجال الطب التي جرى إرساؤها منذ عقود من الزمان من خلال إرسال الأطباء إلى الدول النامية، ثمار حصة كبيرة من المشاريع الجديدة التي تنفذها البرازيل بما يصل إلى أكثر من 270 مليون دولار أميركي في العام.

إن التحالف في المجال الطبي يقوي أواصر العلاقات بين البلاد، وهذا هو المفهوم الذي غرسه القادة البرازيليون بشكل قوي منذ تسعينات القرن الماضي.

وبالنسبة للبرازيل، كانت الثمار والنتائج التي جرى تحقيقها واضحة. ففي هذا الصدد، تُصنف البرازيل في الوقت الراهن على أنها من بين أكبر الشركاء التجاريين لكوبا بعد فنزويلا والصين. وفيما يخص فنزويلا، التي تعد أهم حليف لكوبا وتقدم نحو 100 ألف برميل من النفط المدعم يوميا، فإن الآيديولوجية هي التي تشكل الأساس لوجود روابط أقوى، وبالنسبة للبرازيل، فإن العلاقة أكبر من مجرد إيجاد فرص لاستثمار الشركات البرازيلية.

فعلى سبيل المثال، يجرى عرض المسلسل الاجتماعي البرازيلي «افينيدا براسيل» (Avenida Brasil) الذي أنتجته «شبكة غلوبو»، على شاشات التلفزيون الرسمي الكوبي في الوقت الحالي، بما يقدم للمشاهدين طريقة ونمط الحياة في ضواحي ريو دي جانيرو.

وفي ضوء الاعتماد على برامج المساعدات البرازيلية من أجل رفع العائدات الزراعية لكوبا، يأتي أيضا المزارعون البرازيليون، الذين يزرعون فول الصويا والأرز، على رأس موردي الأطعمة إلى كوبا.

بيد أن أكبر مشاريع البرازيل في كوبا، الذي تصل تكلفته إلى 900 مليون دولار أميركي من أجل تحسين ميناء ماريل، تنفذه شركة الإنشاءات العملاقة «أودبريشت»، وهي الشركة نفسها التي نفذت الكثير من مشاريع البنية الأساسية في جنوب فلوريدا.

وفي حين أن العقوبات الاقتصادية التي تفرضها واشنطن منذ فترة طويلة تمنع الكثير من الشركات الأميركية من تنفيذ الأنشطة التجارية مع كوبا، فإن الجهود البرازيلية الرامية إلى توطيد أقدامها في كوبا تأتي في وقت تشهد فيه العلاقات الاقتصادية للجزيرة حالة تغير مستمر.

* خدمة «نيويورك تايمز»