استقالات نواب «العراقية».. ما بين ورقة الضغط والدعاية الانتخابية المبكرة

بعضهم أراد تسجيل موقف تاريخي.. وآخرون ربما يريدون توظيفها للترشح للبرلمان مجددا

TT

لا تملك «القائمة العراقية» الكثير من أوراق الضغط التي يمكن أن ترفعها في وجه رئيس الوزراء نوري المالكي. فبعد سلسلة الانشقاقات والتشظيات التي مرت بها، فضلا عن تمرد بعض وزرائها عليها، لم يعد ممكنا الحديث عن «قائمة عراقية» إلا في الإطار العام. فالأدق، بات الحديث عن «متحدون» التي يتزعمها رئيس البرلمان أسامة النجيفي وتعد نفسها الوريث الشرعي لما تبقى من «العراقية» التي يتزعمها إياد علاوي وبلغت ذروة مجدها عندما فازت بالمرتبة الأولى في انتخابات عام 2010. كما يجري الحديث عن «جبهة الحوار الوطني» التي يتزعمها صالح المطلك، نائب رئيس الوزراء لشؤون الخدمات، التي ستدخل الانتخابات المقبلة في أبريل (نيسان) المقبل تحت اسم «القائمة العربية». وهناك أيضا «عراقية» علاوي نفسه وبات اسمها «ائتلاف العراقية الوطنية». وهناك «حركة الحل» التي يتزعمها جمال الكربولي.

كل قائمة من هذه القوائم ترى أنها «الممثل الشرعي» للعرب السنة، باستثناء قائمة علاوي التي لا تزال تعتقد أنها تنتمي إلى فضاء وطني عابر للمكونات. هذا التشظي ليس في صالح القائمة، لأنه أفقدها الكثير من عناصر المناورة والضغط في مقابل ما يملكه رئيس الوزراء من أوراق ضغط حتى في المناطق الغربية من البلاد التي تمثل الحاضنة الرئيسة لنواب وممثلي «العراقية». وحين أعلن تقديم نحو 44 نائبا من نواب كتلة «متحدون» استقالاتهم إلى زعيم الكتلة ورئيس البرلمان أسامة النجيفي الذي فضل عدم الانسحاب حفاظا على وحدة البلد والمؤسسات، فإن أول رد فعل بدا مستخفا بهذه الخطوة صدر عن حسن السنيد، القيادي البارز في ائتلاف «دولة» القانون بزعامة المالكي، الذي عد انسحاب «متحدون» من البرلمان سيجعله (البرلمان) أكثر انسجاما في اتخاذ القرارات. لم يجف حبر تصريح السنيد بعد، حتى خرج صالح المطلك، القيادي البارز في ائتلاف «العراقية» شبه المنهار، ليضيف ما يمكن أن يثلج صدر السنيد ويشكل إحراجا حقيقيا للنجيفي. المطلك رأى أن الوقت بات وقت انسحاب من الحكومة والبرلمان وتقديم استقالات حقيقية وليست شكلية، بدءا من النجيفي نفسه. فالمطلك في هذه الحالة ربط استقالته هو، كنائب لرئيس الوزراء دائم الشكوى من التهميش والإقصاء على صعيد الصلاحيات شبه المعدومة الممنوحة إلى نواب المالكي الثلاثة وهو أحدهم، باستقالة النجيفي. وبذلك، فإن المطلك، وليس السنيد، هو من أفرغ استقالات نواب «متحدون» ونواب آخرين من «القائمة العراقية» احتجاجا على اعتقال النائب أحمد العلواني وحصار الأنبار بما في ذلك رفع خيم المعتصمين، من محتواها.

وتتراوح استقالات النواب، سواء كانت شكلية أم حقيقية، بين ورقة الضغط على الحكومة التي لا تهتم لها كثيرا، أو الدعاية الانتخابية المبكرة. المالكي الذي يرى أنه حقق انتصارا غير مسبوق قبل أربعة أشهر من موسم انتخابي حاسم، دعا قيادات «العراقية» إلى عدم الانسحاب، معلنا في الوقت نفسه انسحاب الجيش من مدن الأنبار. ووجد المالكي، الذي استعاد توازنه في الحاضنة الشيعية، حيث ارتفعت أسهمه بالضد من شركائه في الائتلاف الشيعي وفي المقدمة منهم «التيار الصدري» بزعامة مقتدى الصدر و«المجلس الأعلى» بزعامة عمار الحكيم، في مقدوره تقديم ما يشبه التنازلات التي يمكن معها تمشية أمور الانتخابات من دون إشكالات، بينما لو أصرت «متحدون» على الانسحاب مما قد يعقد المشهد أكثر مما ينبغي. مع ذلك، فإن هناك الكثير من نواب «القائمة العراقية» من «متحدون» وغيرها قرروا المضي في تقديم استقالاتهم من البرلمان، في مسعى منهم لإثبات موقف حازم حيال ما جرى في بيئتهم الانتخابية. والنواب ممن قدموا استقالاتهم، بعضهم ربما عزف عن المشاركة في الانتخابات المقبلة وهو ما يعني تثبيته موقفا تاريخيا حيال محيطه الاجتماعي، بينما هناك من سجل اسمه في مفوضية الانتخابات لخوض المنافسة الانتخابية المقبلة، مما يعطيه زخما إضافيا حيال محيطه الانتخابي.

في كل الأحوال، فإن المشهد السياسي سيشهد المزيد من التأزم حتى موعد الانتخابات المقبلة، في حين بدأ الجميع يراجع نفسه بعد أن حصل تحول مهم يفصل بين مرحلتين.. مرحلة ما قبل «الوكر المفخخ»، الذي أودى بحياة قائد الفرقة السابعة اللواء الركن محمد الكروي وما تلا مقتله من عمليات حملت اسمه «عمليات ثأر القائد محمد»، وما بعده. فكل شيء في العراق قابل للتسويق والاستثمار السياسي.