إردوغان يستعد لمعركة فاصلة مع غولن في الإدارة التركية وخارجها

خبير: اتفاق بين رئيس الحكومة والجيش على تصفية نفوذ جماعة «خدمة»

رجال أمن أتراك يحاولون اعتقال أحد المحتجين ضد مقتل طفل على يد الأمن في حديقة جيزي باسطنبول أمس (إ.ب.أ)
TT

يرى محللون أتراك أن رئيس الوزراء التركي رجب طيب إردوغان يعد العدة لـ«معركة فاصلة» مع حليفه السابق الداعية فتح الله غولن، زعيم حركة «خدمة»، المقيم في الولايات المتحدة، ويتهمه إردوغان بأنه يقف وراء «مؤامرة لتشويه صورة الحكومة التركية» في إشارة إلى حملة اعتقالات بناء لمزاعم فساد نالت من أبناء 3 من وزراء إردوغان بالإضافة إلى مقربين منه.

وقالت مصادر تركية لـ«الشرق الأوسط» إن الأسبوع المقبل سوف يشهد على الأرجح «قرارات حاسمة» من قبل الحكومة بحق جماعة غولن، مشيرة إلى أن سيناريوهات عدة بحثت في الاجتماعات الماراثونية التي عقدها إردوغان مع مساعديه، ومع قيادات عسكرية وأمنية، بهدف بحث الخطوات المقبلة. وأشارت المصادر إلى أن إردوغان يريد خوض معركة نهائية تكون فيها الأمور لمصلحة أحد الطرفين، فإما يقصي نفوذ الداعية الإسلامي من السلطة، أو يخرج هو منها.

ويرى المراقبون أن إردوغان بدأ «يغازل» العسكر، والجماعات الكردية، لكسب ودهما قبل هذه المعركة، في إشارة إلى المساعي القائمة لإعادة المحاكمات في قضية «المطرقة» التي أطيح بسببها مئات الضباط بتهمة التآمر لقلب نظام الحكم، والتي يتهم مقربون من إردوغان جماعة غولن بالوقوف خلفها.

وقالت أمس هيئة الأركان العامة في تركيا إن الهدف من تقديم شكوى الأسبوع الماضي بشأن محاكمات محاولة الانقلاب هو استعادة «الثقة للعدالة» والحفاظ على حقوق وشرف القوات المسلحة التركية. وقال الجيش في بيانه: «إن الهدف من تقديم الشكوى هو التحقيق في الادعاءات، وتوضيح الموقف، ومناقشة المخاوف لدى ضمير الرأي العام واستعادة الثقة في العدالة والحفاظ على حقوق وكرامة وشرف القوات المسلحة التركية وأفرادها».

وكانت هيئة الأركان قدمت شكوى إلى مكتب المدعي العام بأنقرة الأسبوع الماضي ضد جهات إنفاذ القانون والقضاة والمدعين العامين الذين شاركوا في قضية محاولة القيام بانقلاب المعروفة باسم ارغينيكون (المطرقة) بسبب ما تردد حول الأخذ بحجج الدفاع في الاعتبار والتلاعب بالأدلة. وقال الجيش إنه تجنب التعليقات التي من شأنها أن تلحق ضررا بالإجراءات القضائية، ولكنه فحسب تبادل وجهات النظر والآراء مع السلطات، كما قدم اقتراحات.

ويرى هاكان جوفانج، صحافي في جريدة دنيا التركية، أن «البيانات التي صدرت في الفترة الأخيرة عن قيادة الأركان مضحكة وهزيلة بالنسبة للشارع التركي الذي يعتبرها غير جدية لأنة فقد الثقة والمصداقية في رئاسة الأركان». ويقول لـ«الشرق الأوسط» إن ما يقوم به الجيش الآن من خطوات «ما هو إلا لدعم ومساندة الحكومة، لأن المستهدف الآن مما يقوم به الجيش هم المحسوبون على جماعه فتح الله غولن في المؤسسة القضائية»، متوقعا أن تقوم الحكومة «بتصفيتهم بدعم من العسكر».

وبينما يشدد جوفانج على أن المؤسسة العسكرية في تركيا مقدمة من قبل جميع فئات الشعب، يشير إلى أن رئيس الأركان لم يترأس الجيش حسب المعايير والأعراف العسكرية ولكنة اعتلى المنصب بعد استقالة جميع الجنرالات ولم يبق سواه لقيادة الجيش، ومن المعروف عنه أنه يدعم ويساند جميع قرارات الحكومة حتى التي كانت ضد الجيش.

وأعرب جوفانج عن اعتقاده بأن «القوى العظمى كانت قد أعدت عام 2002 دورا لتركيا إردوغان، ولكن هذا الدور انتهت مدة استخدامه عام 2014، ولهذا ستستمر في مشوارها مع حزب العدالة والتنمية ولكن من دون رجب طيب إردوغان. ورأى أن البديل جاهز ومرحب به ألا وهو عبد الله غل، ومن يحاول إقناع الناس بأن البديل هو بولند إرنج فهو على خطأ، لأن غل هو الرجل الوحيد الذي يمكن أن يجمع ائتلاف العدالة تحت سقف واحد كما أنه يلقى احتراما كبيرا من الشارع التركي»، مشيرا إلى أنه في وقت قريب ستعيش تركيا تغيرات جذرية ومفاجئة، حيث لن يتمكن إردوغان الاستمرار في رئاسة الحكومة، كما أنه سيحرم من المشاركة في انتخابات رئاسة الجمهورية لأنه سيوضع في موقف يمنعه من حتى ترشيح نفسه، وسيقوم حزب العدالة والتنمية وحزب الشعب الجمهوري وحزب الحركة القومية بالاتفاق على شخصية معينة تلقى احترام الشارع وسيجمع الجميع على انتخابه لرئاسة الجمهورية.

وبدوره، يرى توكار ارترك، وهو جنرال متقاعد من الجيش التركي وخبير في الشؤون العسكرية أن الحرب الضروس القائمة بين جماعة غولن وحزب العدالة «ليست من أجل تقاسم الكعكة، بل لأن إردوغان بدأ يشكل عقبة في مواجهة القوى العظمى فتم اتخاذ قرار بإنهائه، لأنه أصبح عبئا ولا يمكن التحكم به ولا يمكن توقع ماذا يمكن أن يفعل، أي بمعنى آخر خرج عن السيطرة، ولهذا قررت القوى العظمى الاستمرار بمشروعها من دون إردوغان ولهذا بدأوا حملة تقليل اعتبار لإردوغان».

وقال ارترك لـ«الشرق الأوسط» إن إردوغان يحاول إيجاد حلفاء للتصدي للهجوم من قبل الجماعة والقوى العظمى ولهذا لم يجد، غير القوات المسلحة ليحتمي بها، والسبب في لجوئه إلى العسكر هو أنهم الطرف الوحيد الذي بيده السلاح وما زال قوة مؤثرة رغم تقليل اعتباره أمام الرأي العام. وأضاف: «الآن يعمل إردوغان على عقد اتفاق بين الحزب والعسكر وقد بدأ التمهيد لهذا الاتفاق بإعلان مسؤولي الحزب بأن الجيش تعرض لمؤامرة من قبل جماعة فتح الله غولن مما نتج عنه إصابته بأضرار بالغة، ولهذا بدأ بتقديم شكوى ضد القضاء ويطالب بإعادة محاكمة العسكر المعتقلين». وشدد على أن هذه الخطوات «إن دلت فإنها تدل على أنه تم الاتفاق والتوقيت بين رئاسة الأركان والحكومة لبدء العملية التي سيترتب عليها قيام الحكومة مدعومة من الجيش بعمليات اعتقال لأنصار فتح الله غولن».

ويوضح ارترك أن الجماعة بدأت منذ عام 2002 بعد اعتلاء العدالة والتنمية الحكم بتعيين المقربين منها في مراكز حساسة في الأمن والقضاء وعندما تمكنوا من السيطرة على تلك المؤسستين وتمكنوا من إجراء التغييرات القانونية والدستورية التي تمنحهم حق اتهام ومحاكمة العسكر سواء كانوا متقاعدين أو موظفين، قاموا بتنفيذ المخطط الذي نتج عنه تهميش المؤسسة العسكرية بل التقليل من اعتبارها باتهامها بالعمالة والتجسس وتنظيم انقلاب ضد الشرعية.

ورأى أنه اليوم انقلب السحر على الساحر. قائلا: «باختصار القوى العظمى لا تريد إكمال مشوارها مع إردوغان وتريد شخصا آخر ملائما مسالما ولهذا تستخدم الجماعات الإسلامية لتحقيق ذلك».