«الواجب.. مذكرات وزير في الحرب» يكشف خفايا إدارة أوباما

غيتس ينتقد الاستراتيجية الأميركية في أفغانستان.. التي اقتصرت على «الانسحاب»

أوباما يقف رفقة غيتس (وسط) وبايدن أثناء مؤتمر صحافي في البيت الأبيض في 28 أبريل 2011 (أ.ب)
TT

في مذكراته الجديدة، التي صدرت تحت عنوان «الواجب، مذكرات وزير في الحرب»، وجه وزير الدفاع الأسبق روبرت غيتس انتقادا شديدا لطريقة تعاطي الرئيس الأميركي باراك أوباما مع الحرب في أفغانستان، قائلا: إنه مع بداية عام 2010 استنتج أن الرئيس «لم يعد مقتنعا باستراتيجيته في أفغانستان، وأنه لم يعتقد أن الحرب في أفغانستان هي الحرب التي يجب أن يخوضها هو. فالأمر بالنسبة لأوباما يتعلق بالانسحاب فقط».

ويؤكد غيتس في مذكراته أن أوباما كانت لديه شكوك كثيرة حول الطريقة التي انتهجها في أفغانستان، وهو ما يعد أشد اتهامات يوجهها وزير دفاع أميركي للقائد العام للقوات المسلحة بشأن إرساله بعض القوات للقتال في إحدى الحروب. ويشير غيتس في كتابه إلى أن «الرئيس كانت لديه شكوك تصل إلى حد الاقتناع بأن استراتيجيته ستفشل».

وبعد شهور من المناقشات المثيرة للجدل مع غيتس وباقي أفراد طاقمه من المستشارين، قام أوباما بإرسال 30 ألف جندي إضافي إلى أفغانستان في محاولة أخيرة لتعزيز الاستقرار هناك قبل عملية الانسحاب على مراحل التي بدأت في منتصف عام 2011. يقول غيتس «لم أشك أبدا في دعم أوباما للجنود الأميركيين في أفغانستان بل أشك بدعمه للمهمة التي يقومون بها هناك».

وأثناء حملته الرئاسية، أعرب أوباما بوضوح عن معارضته لغزو العراق عام 2003. في الوقت الذي يظهر اقتناعه التام بأهمية الحرب التي شنتها الولايات المتحدة ضد أفغانستان ويرى أنها كانت ردا ضروريا على هجمات الحادي عشر من سبتمبر (أيلول) الإرهابية التي وقعت ضد أميركا في عام 2011. والتي ينبغي توفير مزيد من الدعم العسكري لها حتى تنجح وتحقق الأهداف المبتغاة منها. ويظهر أوباما، في سرد غيتس الذي تسيطر عليه لهجة انفعالية شديدة، غير مرتاح لإرث الحروب التي ورثها، كما تسيطر عليه حالة من الشك تجاه المؤسسة العسكرية التي تشير عليه بالخيارات المختلفة. وقد أنتجت الآراء المستقبلية المختلفة التي عرضتها المؤسسة العسكرية على أوباما إلى حدوث تصدع، على الأقل بالنسبة لغيتس، الذي سبب ألما كبيرا على المستوى الشخصي وأصبح من الصعب التئامه.

ومن النادر أن يقوم عضو سابق في الإدارة الأميركية، لا سيما إذا كان وزير الدفاع الذي يشغل منصبا مهما في تسلسل القيادة في المؤسسة العسكرية، بإصدار مثل هذا التحليل العدائي عن رئيس ما زال في السلطة.

وتبدو انتقادات غيتس اللاذعة مربكة، وربما متناقضة بالنسبة للبعض، لأنه في نهاية كتاب «الواجب» يقول وزير الدفاع السابق عن سياسات أوباما الرئيسية في أفغانستان «أعتقد أن أوباما كان محقا في جميع القرارات التي اتخذها بشأن أفغانستان». غير أن هذا الرأي على الأخص ليس له صدى على المستوى العالمي: فمثل غالبية النقاط الخلافية المثارة حول الأسلوب الأمثل الذي ينبغي تبنيه فيما يخص الوضع في أفغانستان، هناك خلاف - حتى بين المسؤولين العسكريين أنفسهم - حول أفضل الطرق التي يمكن أن تؤدي لنجاح استراتيجية زيادة عدد القوات.

وتتناقض لهجة كتاب غيتس (594 صفحة)، التي تبدو حادة في بعض الأحيان، بشدة مع الصورة معتدلة المزاج التي أظهرها وزير الدفاع السابق خلال سنوات عمله الطويلة في الحكومة الأميركية، بما فيها الفترات التي قضاها في وكالة الاستخبارات المركزية (سي أي إيه) ومجلس الأمن القومي. وقد صمدت هذه الصورة خلال الخمس سنوات التي قضاها في أهم منصب في البنتاغون، بداية فترة رئاسة جورج دبليو بوش الثانية وحتى الفترة التي قضاها خلال تولي أوباما الرئاسة. وفي كتاب مذكراته «الواجب»، يصف غيتس سلوكه الهادئ ظاهريا بأنه كان مجرد واجهة، مضيفا أن تحت تلك الواجهة كان كثيرا ما «يشعر بالغضب» و«ينفد صبره في الكثير من المواقف». ومن المقرر أن يصدر الكتاب، الذي تنشره دار نشر الفرد نوف، في الرابع عشر من يناير (كانون الثاني).

ويكتب غيتس، الجمهوري، عن أوباما بشيء من التناقض، الذي لم يذكر أسبابا له، فتارة يشيد به واصفا إياه بأنه «رجل يتمتع بنزاهة شخصية» في الوقت الذي تشوب قيادته الكثير من الأخطاء. ورغم أن الكتاب يعج بمظاهر الإحباط من أداء أوباما الرئاسي، فإنه يعكس، على الجانب الآخر، ازدراء واضحا لنائب الرئيس جو بايدن والكثير من كبار مساعدي أوباما.

ويتهم بايدن بأنه «أخطأ في قراراته فيما يتعلق بالقضايا العسكرية». كما يقول غيتس عن توماس دانيلون، الذي تولى منصب مستشار أوباما للأمن القومي في فترة رئاسته، والجنرال دوغلاس لوت، مستشار أوباما لشؤون الحرب الأفغانية، أنهم كانوا ينخرطون دائما في «نقاشات عدائية ومشككة، وفي بعض الأحيان متعالية ومهينة، لقادتنا العسكريين».

يعيش غيتس الآن عامه السبعين، أكبر من أوباما بنحو عشرين عاما. وعمل مع كل الرؤساء الذين تلوا ريتشارد نيكسون، باستثناء بيل كلينتون. وطوال حياته المهنية في الحكومة، وكان يعرف بعدم انتمائه لأي من الحزبين. ومن المتوقع أن يشكل «الواجب» ذخيرة لمن يعتقدون أنه أمر محفوف بالمخاطر بالنسبة لرئيس شغل هذا المنصب بشخص من حزب المعارضة.

وكتب: «لقد حاولت أن أكون عادلا في وصف أفعال ودوافع الآخرين». ويبدو أنه يدرك جيدا أن أوباما ومساعديه لا ينظرون إلى الأمر على هذا النحو.

وخلال عمله كوزير للدفاع أبدى غيتس للرئيس أوباما تأييدا كبيرا قائلا في اللقاءات غير الرسمية في صيف عام 2010 إن الرئيس «يدرس ويحلل بعناية، لكنه حازم بشكل كبير أيضا»، مضيفا: «أعتقد أن لدينا أسلوبا مماثلا في التعامل مع القضايا الأمنية الوطنية».

وعرض غيتس ألبوم صور لعدد من الاجتماعات التي عقدت بناء على ملاحظات قدمها هو ومساعدوه في ذلك الوقت، كان من بينها المراسلات بين أوباما ووزير الخارجية هيلاري كلينتون التي كان يصفها بـ«المتميزة».

وكتب: «قالت هيلاري للرئيس إن معارضتها لزيادة القوات في العراق كانت سياسية لأنها كانت تواجهه في المجمع الانتخابي في أيوا.. وأقر الرئيس بشكل غامض أن المعارضة تجاه زيادة القوات في العراق كانت سياسية. وكي نسمع الاثنين يقدمان هذه الاعترافات أمامي كان مدهشا بقدر ما كان مفزعا».

وكتب في أول الكتاب، ممتدحا هيلاري كلينتون بعدد من الصفات المتميزة التي يمكن اعتبارها نوعا من التأييد السياسي، فقال: «وجدتها ذكية، ومثالية، ولكنها براغماتية ومتصلبة في الرأي، لا تعرف الكلل، ومرحة، وهي زميلة قيمة للغاية، وممثل رائع للولايات المتحدة في جميع أنحاء العالم».

كان انعدام الثقة موضوعا رئيسيا في رواية غيتس، ناهيك عن انتقاداته اللاذعة لمساعدي أوباما. في بعض الأحيان، يندمج الاثنان. فبعد زلزال هايتي المدمر عام 2010 الذي خلف عشرات الآلاف من القتلى، على سبيل المثال، التقى غيتس مع أوباما ودونيلون، ونائب مستشار الأمن القومي المختص بالإغاثة في حالات الكوارث.

وكتب غيتس: «كان دونيلون يشكو من التباطؤ في التحرك لإغاثة المنكوبين. ثم تمادى في التشكيك أمام الرئيس وداخل غرفة تغص بالأفراد في قدرة الجنرال [دوغلاس] فريزر [رئيس القيادة الجنوبية الأميركية] في إدارة هذا الجهد. لكني نادرا ما غضبت في المكتب البيضاوي كغضبي خلال تلك اللحظة.... كان أول ما تبادر إلى ذهني أن أخرج غاضبا، وأن أخبر الرئيس في الطريق أنه ليس بحاجة إلى وزيري دفاع. وقد تطلب مني استخدام كل ما لدي من انضباط ذاتي للبقاء جالسا على الأريكة».

أكد غيتس تصريحا سابقا لكبير مستشار الأمن القومي لأوباما، الجنرال المتقاعد جيمس جونز، الذي قال فيه إن يعتقد أن دونيلون سيشكل «كارثة» إذا خلف جونز (كما فعل دونيلون في أواخر عام 2010). وكتب غيتس أن أوباما ناقشه في هذا التوصيف؛ تلاه لقاء مباشر مع دونيلون، في محاولة «لتنقية الأجواء»، وفقا لغيتس.

كان عامه الثاني مع أوباما عاما صعبا بقدر العام الأول. وكتب «بالنسبة لي، كان عام 2010 عاما من استمرار الصراع شهد حادثتين فقد الثقة في البيت الأبيض».

وأشار إلى أن كانت الأولى كانت في قرار أوباما السعي للحصول على إلغاء سياسة «لا تسأل، لا تخبر أحدا» تجاه خدمة المثليين جنسيا في الجيش. ورغم إشارة غيتس إلى دعمه لهذا القرار، كانت هناك شهور وشهور من النقاشات، بتفاصيل لا يزال يجري العمل عليها. وفي غضون يوم واحد، أبلغ أوباما غيتس ومولن أنه سيعلن طلبه لإلغاء القانون. أصابني أوباما أنا والأدميرال مولن بالصدمة.

وأضاف: «وبالمثل، في المعركة على الإنفاق الدفاعي، كنت غاضبا للغاية من الرئيس أوباما، وشعرت به يتشكك في نواياي... بشأن أرقام الميزانية. وكما هو الحال مع سياسة (لا تسأل، لا تخبر أحد)، شعرت أن الاتفاقات مع البيت الأبيض أوباما ستكون جيدة فقط طالما أنه كان مريحا سياسيا».

واعترف غيتس صراحة أنه لم يبد أي استياء. وقال: «لم أواجه أوباما مباشرة بما أعتبره (مثلما كانت تفعل [هيلاري] كلينتون، وليون بانيتا [مدير الوكالة آنذاك]، وغيرهم) إصرار الرئيس على سيطرة البيت الأبيض بإحكام على كل جوانب سياسة الأمن القومي، وحتى العمليات. وكان البيت الأبيض أكثر مركزية وسيطرة على خطط الأمن القومي أشهده من قبل منذ ريتشارد نيكسون وهنري كيسنجر».

وكتب غيتس: «شعرت بغضب شديد خلال المناقشات الداخلية حول التدخل في ليبيا في عام 2011 لأني شعرت أنني مضطر لتقديم (لغة منمقة) لأن موظفي البيت الأبيض كانوا يتحدثون عن الخيارات العسكرية مع الرئيس دون إشراك وزير الدفاع».

كانت تعليمات غيتس إلى البنتاغون: «لا تعطوا موظفي البيت الأبيض و[موظفي الأمن القومي] الكثير من المعلومات بشأن الخيارات العسكرية. إنهم لا يفهمون ذلك، وسيقرر (خبراء) مثل سامانثا باور متي يتعين علينا التحرك عسكريا». كانت باور، في ذلك الوقت تعمل مستشارة للأمن الوطني، وتعمل الآن سفيرة للولايات المتحدة لدى الأمم المتحدة، وكانت مدافعا قويا عن التدخل الإنساني.

مرة أخرى، بعد أن حاول دونيلون وبايدن إصدار «أوامر لغيتس»، قال للاثنين «بحسب علمي، ليس لأي منكم وجود في سلسلة القيادة»، وقال: إنه يتوقع الحصول على أوامر مباشرة من أوباما. وكتب غيتس لم تكن الحياة نزهة، لم تتمكن من القيام بالكثير أو الواجبات الاجتماعية. «فلم يكن بإمكاني العودة إلى المنزل كل مساء أو تجاهل عملي، وكنت أكتب رسائل التعزية لأسر الشهداء، وأصب الشراب القوي، وآكل بنهم الطعام المجمد أو الحصول على وجبات من المطعم»، نظرا لأن زوجته بيكي، كانت تقيم في كثير من الأحيان في منزلهما في ولاية واشنطن.

وأضاف: «كنت أستيقظ في الساعة الخامسة صباح كل يوم للجري مسافة كيلومترين حول المركز التجاري في واشنطن، وأمر بالنصب التذكارية للحرب العالمية الثانية، والكورية، وفيتنام، وأمام نصب لنكولن التذكاري. وصباح كل يوم كنت أنظر إلى ذلك التمثال الأبيض المذهل للينكولن، وأقول صباح الخير، وأسأله بحزن، كيف تمكنت من فعل ذلك؟».

حملت المذكرات عنوان «إلهي ساعدني على أداء مهمتي»، التي اقتبسها من مقولة يحتفظ بها على مكتبه. هذا الاقتباس يعزى إلى وزير الحرب لأبراهام لنكولن، إدوين ستانتون.

وخلال جلسة التصديق على تعيينه وزيرا للدفاع في أواخر عام 2006. قال غيتس لمجلس الشيوخ إنه لم «يعد إلى واشنطن ليكون ألا يقف ساكنا وألا يعبر صراحة عما يعتقد، وأن يتحدث صراحة، وبجرأة لكلا الحزبين عما يعتقد وما يعتقد بأنه يتعين عليه القيام به».

ولكن غيتس أوضح أنه لم يتحدث صراحة عندما سرد رئيس اللجنة المشاكل التي ستواجهه كوزير. وقال: «أتذكر الجلوس إلى طاولة الشهود أستمع إلى هذا السرد من الويل والتفكير قلت لنفسي ما الذي أفعله هنا بحق الجحيم؟ لقد سقطت في وسط فوضى من الدرجة الخامسة. كانت تلك المرة الأولى من بين مرات كثيرة كنت أجلس فيها على طاولة الشهود أفكر في شيء مختلف تماما عما كنت أقوله».

يقدم الكتاب الانتقادات المألوفة للكونغرس وثقافته، واصفا إياه بأنه «قبيح فعلا»، وتتناقض مشاعر غيتس الباردة تجاه الجهة التشريعية بوضوح مع دفئه تجاه الجيش، فوصف بشكل متكرر حبه للقوات وخاصة تلك التي تقف على جبهات القتال.

أراد غيتس أن يستقيل في نهاية عام 2010 لكنه وافق على الاستمرار بناء على إلحاح من أوباما وأخيرا غادر منصبه في منتصف عام 2011، ثم انضم لاحقا إلى شركة استشارات مع اثنين من مستشاري السياسة الخارجية في إدارة جورج بوش - وزيرة الخارجية السابقة كوندوليزا رايس وستيفن هادلي مستشار الأمن القومي خلال رئاسة بوش الثانية. وتحمل الشركة اسم «رايس هادلي غيتس. وفي أكتوبر (تشرين الأول) انتخب رئيسا لجمعية الكشافة الأميركية. وكتب غيتس حينها، في بريد إلكتروني لصديق له لا يزال في الخدمة لم أستمتع بعملي كوزير للدفاع، وليس لدى الأفراد فكرة عن مقدار كراهيتي لهذه الوظيفة».

* خدمة «واشنطن بوست» خاص بـ«الشرق الأوسط»