«داعش» تدافع عن معقلها بالرقة.. وتخوض «حرب استنزاف» في مناطق أخرى

المعارك بين المعارضين تخفض حرارة المواجهات مع النظام

TT

انتقلت الاشتباكات بين مقاتلي «الدولة الإسلامية في العراق والشام» من جهة، ومقاتلي «الجيش الحر» والكتائب «الإسلامية» من جهة ثانية، والمستمرة منذ أسبوع، إلى ريف حلب الغربي والشمالي، بعد انسحاب مقاتلي «داعش» من المدينة بشكل كامل، في وقت شهدت فيه مدينة الرقة اشتباكات وصفت بأنها الأعنف بين الطرفين.

وكثف تنظيم «الدولة» من وتيرة عملياته في عدد من المناطق شمال سوريا أمس، في ما عده ناشطون «انتقاما» لطرده من مدينة حلب والسيطرة على مقره الرئيس فيها، بالتزامن مع إعلان «جيش المجاهدين» الذي يضم ثماني كتائب مقاتلة إسلامية وغير إسلامية أمس الحرب على «داعش».

وكان مقاتلو «الدولة الإسلامية» غداة طردهم من مدينة حلب، عمدوا إلى تفجير عدد من السيارات المفخخة مساء الأربعاء، مستهدفين عددا من الحواجز والنقاط الخاضعة لسيطرة حلفائهم السابقين. واندلعت اشتباكات عنيفة في أرياف حلب وإدلب والرقة التي لا تخضع غالبيتها لسيطرة القوات النظامية. وقال الناشط الميداني أبو فراس الحلبي لـ«الشرق الأوسط» أمس إن «مدينة حلب شهدت هدوءا نسبيا أمس، في حين شهدت مدينة الباب، الواقعة بريف حلب، اشتباكات عنيفة مع محاولة مقاتلي (داعش) السيطرة عليها، بالتزامن مع اشتباكات عنيفة في بلدتي بيانون وحريتان». وقال إن مقاتلي «داعش» يتبعون أسلوب إرسال سيارات مفخخة تستهدف نقاطا تابعة للكتائب المعارضة، مشيرا إلى أنباء عن «مقتل 20 شخصا في الباب و12 آخرين في حريتان».

وكان المرصد السوري لحقوق الإنسان أفاد بـ«مقتل تسعة أشخاص بانفجار استهدف حاجزا يسيطر عليه مقاتلو المعارضة في مدينة الباب»، لافتا إلى وقوع هجمات مماثلة في حريتان وجرابلس الواقعتين في ريف حلب، كما شهدت الميادين التابعة لمدينة دير الزور هجوما مماثلا بالسيارات المفخخة.

وفي موازاة إرسال «الدولة» تعزيزات عسكرية من دير الزور لمؤازرة مقاتليها بريف حلب، نقل ناشطون معارضون لـ«الشرق الأوسط» خشية سكان مناطق ريف حلب من استمرار التفجيرات الانتحارية من خلال السيارات المفخخة، في وقت أكد فيه المرصد السوري أن «قادتهم يرتدون دوما أحزمة ناسفة».

ونقل المرصد السوري عن ناشطين بمدينة حلب أمس إشارتهم إلى حملة اعتقال نفذتها الكتائب الإسلامية والمعارضة في «صفوف مناصري الدولة الإسلامية ومن قالوا إنهم (خلايا نائمة للدولة الإسلامية)»، وفق المرصد الذي أفاد بـ«إغلاق الطريق في محيط مشفى الأطفال، المقر الرئيس السابق للدولة الإسلامية في حلب والذي طردت منه، وتشديد للحراسة على المقار التي سيطرت عليها الكتائب المقاتلة».

وأشار الناشط إلى انتشار مقاتلين من «الجبهة الإسلامية» في بلدة الدانا وبعض القرى المحيطة بريف إدلب الشمالي، حيث دارت أمس اشتباكات عنيفة بين مقاتلي «داعش» ومقاتلي الكتائب المعارضة والإسلامية. وذكر المرصد السوري في هذا الإطار، أن الكتائب المناوئة لـ«داعش» تمكنت من إحراز تقدم في بلدة الدانا، التي تعد من أهم معاقل «الدولة» في محافظة إدلب.

في موازاة ذلك، انتقلت المواجهات العنيفة أمس إلى الرقة، المحافظة الوحيدة غير الخاضعة لسيطرة القوات النظامية، والتي تعد أبرز معاقل «الدولة الإسلامية». وأكد المرصد السوري أن مقاتلي المعارضة «سيطروا على مقر المخابرات السياسية القديم، وهو موقع استراتيجي كان خاضعا لسيطرة (الدولة) ويقع على بعد 400 متر من مقرها العام»، لافتا إلى أن «(الدولة) لا تزال تسيطر على الجسور المؤدية إلى المدينة، مما يجبر السكان على ركوب القوارب ليدخلوا إلى المدينة».

وتداول ناشطون في الرقة وصفحات المعارضة أمس بيانا صادرا عن قائد «لواء ثوار الرقة»، المبايع لجبهة النصرة، يطالب فيه أهالي محافظة الرقة بـ«تشكيل حواجز وإلقاء القبض على كل شخص ينتمي لـ(داعش)»، عادا أن «أبناء مدينة الرقة يخوضون أشرس المعارك مع (الدولة) الظالمة التي استباحت الأرزاق والأنفس من قتل واعتقال وتعذيب لأهل السنة والجماعة»، بحسب البيان ذاته. وتابع مخاطبا أهل الرقة: «والله لن نخذلكم»، لافتا إلى أن «مقاتلي الدولة الإسلامية بدأوا الانتقام من أهالي مدينة الرقة بسبب مطالبتهم بالخروج من المدينة».

وكان المرصد أفاد باشتباكات عنيفة بين مقاتلي «لواء ثوار الرقة» ومقاتلي «داعش» في شارع 23 شباط في الرقة، ترافق ذلك مع قصف مقاتلي «الدولة» بقذائف الهاون على حي المشلي، المقر الرئيس لجبهة النصرة في الرقة. وذكر أن «قذيفة (مورتر) أطلقها مقاتلو (داعش) سقطت على بوابة معبر تل أبيض الحدودي الذي تسيطر عليه حركة (أحرار الشام الإسلامية)»، بينما قصفت «داعش» تمركزات الكتائب الإسلامية المقاتلة بمدينة تل أبيض بالمدفعية وقذائف الهاون، وسط حركة نزوح للأهالي من المدينة.

وأفاد ناشطون أمس بأوضاع إنسانية صعبة في مدينة الرقة، قال المرصد السوري إنها بدأت بالتزامن مع بدء الاشتباكات فيها قبل أيام، حيث يعاني الأهالي نقصا حادا في المواد الغذائية والطبية ومادتي الخبز وحليب الأطفال. وتستمر «الدولة الإسلامية» بقطع الطريق الداخل إلى مدينة الرقة عبر الجسرين القديم والجديد، حيث يقوم المواطنون بالدخول إلى المدينة عبر القوارب وقطع نهر الفرات للوصول إلى المدينة.

في موازاة ذلك، تستأثر الحرب ضد «داعش» باهتمام الخبراء والمتابعين لملف التنظيمات الجهادية والحركات الإسلامية في سوريا، والذين يتوقعون أنه «ربما لم تتمكن (داعش) من الانتصار لكنها قادرة على خوض معركة استنزاف ضد مقاتلي المعارضة». ويرى المحاضر في جامعة أدنبره والمختص بالإسلام السياسي في سوريا توماس بييريهن وفق ما نقلته عنه وكالة الصحافة الفرنسية أمس، أن «التنظيم ليس بوسعه الانتصار نظرا لقلة عدد عناصره مقارنة مع بقية الكتائب المعارضة، إلا أنه من الصعوبة بمكان تصفيته نهائيا، ويمكننا أن نتوقع حدوث معركة استنزاف ضد مقاتلي المعارضة وبخاصة عبر القيام بتفجيرات». ويشاطره الرأي الخبير في الشؤون الإسلامية رومان كاييه من المعهد الفرنسي للشرق الأوسط بقوله إنه «لا يمكن للدولة الإسلامية في العراق والشام أن تنتصر وحدها أمام ائتلاف يضم كل هذه القوى من المعارضة المسلحة»، مشيرا إلى أن غايته «شق الاتحاد المقدس ضده».

وعلى الرغم من انحسار حدة القتال مع القوات النظامية لانشغال المقاتلين باقتتال دام في ما بينهم، لم تتوقف التفجيرات أمس، حيث انفجرت سيارة مفخخة في بلدة خاضعة لسيطرة القوات النظامية في ريف حماه وسط سوريا. وقال المرصد السوري إن 18 شخصا قتلوا على الأقل، بينهم نساء وأطفال، مرجحا ارتفاع عدد القتلى لخطورة حالات المصابين. وعرضت قناة «الإخبارية» السورية مشاهد تظهر الدمار بعد وقوع الانفجار.