«النهضة» التونسية.. والخروج «الآمن» من الحكومة

المعارضة اتهمتها بالفشل في إدارة البلاد والسيطرة على التيارات المتشددة

نيران أضرمها تونسيون في مدينة القصرين التونسية احتجاجا على الأوضاع الاجتماعية المتردية أول من أمس (رويترز)
TT

بعد سنتين من تجربة حكم الإسلام السياسي في تونس، تستعد حركة النهضة لمغادرة سدة الحكم والنزول إلى واقع الممارسة السياسية العادية بعيدا عن السلطة. وأدركت قياداتها بعد هذه التجربة الأولى في تاريخ تونس الحديث، أن مواصلة التجربة قد تقضي على وجودها السياسي خلال الفترة المقبلة. ويبدو أن الحركة استفادت جيدا من الدرس المصري وراوغت وتحايلت على خصومها كثيرا خلال فترة وجودها على رأس السلطة من أجل الخروج بأخف الأضرار. وعملت المعارضة، بشقيها اليساري والليبرالي، على المزيد من توريطها في ممارسة الحكم وتحميلها كل «مصائب إدارة البلاد والفشل في تحقيق انتظارات التونسيين المتعطشين لواقع سياسي واجتماعي واقتصادي مغاير». ولم تكن الحركة التي تأسست نهاية عقد الستينات من القرن الماضي، تحلم بالحصول على مجرد الترخيص القانوني لممارسة النشاط السياسي، وعانت طوال أكثر من 40 سنة من التضييق السياسي والسجون والمنافي، وحصلت بعد الثورة على «هدية» حكم تونس في ظل انقسام المعارضة وتشتتها التاريخي وضعف ثقلها الاجتماعي.

وتتباين الآراء بشأن تجربة حكم حركة النهضة من ديسمبر (كانون الأول) 2011 إلى حد الآن، فقياداتها السياسية من الصفوف الأولى، تسوق لفترة إدارة ناجحة في ظل واقع مليء بالمصاعب، في حين أن المعارضة تلصق بالحركة كل أنواع الفشل من تنامي مظاهر الإرهاب (قتل عسكريين وأمنيين واغتيالات سياسية) وعدم تحقيق أهداف الثورة من رفاه اجتماعي وتنمية المناطق المحرومة التي أججت الثورة التونسية. وفي مجمل الأمر، يرى محللون سياسيون أن «النهضة» طبقت سياسة «الكأس التي نصفها فارغ والنصف الآخر ملآن»، فالمتفائلون يثبتون نظرهم على النصف الملآن ويشيدون بما أنجزته بعد الثورة من استقرار سياسي مقارنة ببقية دول الربيع العربي، والمتشائمون لا ينتبهون إلا إلى النصف الفارغ ويركزون انتباههم على مختلف الهنات التي طبعت الواقع السياسي بعد الثورة.

ورغم إقدامها على قرار الخروج من السلطة، فإن حركة النهضة حافظت، على ما يبدو، على جزء كبير من قاعدتها الانتخابية وتستعد للمشاركة السياسية منذ الآن في الانتخابات الرئاسية والبرلمانية المقبلة. وتقرأ الساحة السياسية جيدا وتوجه انتباهها إلى خصومها التقليديين، وهي تستقرئ التحالفات السياسية الممكنة بين أحزاب اليسار («الجبهة الشعبية» و«المسار الديمقراطي الاجتماعي» على وجه الخصوص) وترى أنها جبهة سياسية قابلة للتحالف ولكن أرضيتها الانتخابية نخبوية ومحدودة العدد.

وتضع عينا أخرى على الأحزاب ذات المرجعية الدستورية («الحركة الدستورية» وحركة «نداء تونس»)، وهذان الحزبان قد يمثلان الخطر الأكبر على حركة النهضة إذا ما سعيا إلى التحالف السياسي. وفي صورة تحالفهما، فإن «النهضة» ستجد نفسها مجددا في مواجهة جزء كبير من أعداء الأمس (قيادات حزب التجمع المنحل المشاركة في عمليات النفي والسجن للآلاف من أنصارها طوال فترة حكمي الرئيسين السابقين منذ استقلال تونس الحبيب بورقيبة وزين العابدين بن علي).

ولم تبد النهضة أي موقف من ظهور «الحركة الدستورية» التي يقودها حامد القروي رئيس الوزراء في نظام بن علي لمدة عشر سنوات (من 1989 إلى 1999) ولم تنبش في ماضي الرجل وتسعى إلى تطبيق قانون تحصين الثورة كما سارعت عند ظهور حركة «نداء تونس» بقيادة الباجي قائد السبسي. ولكنها اتخذت هذه المرة موقفا محايدا في انتظار ما ستؤول إليه العلاقة بين الطرفين («الحركة الدستورية» وحركة «نداء تونس») بعد ادعاء كليهما أن مرجعيته دستورية، وهو يستقي مبادئه من الإرث البورقيبي.

وفي مواجهة حركة النهضة، لم يجد خصومها طريقة خلال الثلاث سنوات الماضية في محاصرتها وجرها إلى معارك سياسية وعقائدية، خرجت منها بسلام في معظم الحالات، إن لم تكن رابحة في بعض الحالات على غرار معركة الهوية في الدستور وتراجع الحركة عن التمسك بالشريعة كمصدر وحيد للتشريع.

وتتكتم الحركة على استقالات أعضائها في معركتها مع خصومها السياسيين، وتجد لها الكثير من المبررات على غرار الاختلاف في الرأي وديمقراطية الهياكل المنتخبة في حركة النهضة. ونجحت حركة النهضة في تفادي السيناريو المصري بخروجها من الحكم، وتجاوزت فترات عصيبة في امتحان عسير إبان حكمها تونس طوال سنتين. وكان اغتيال القيادي اليساري شكري بلعيد والبرلماني القومي محمد البراهمي بمثابة «القادح» الذي اعتمدته المعارضة لإسقاط حكومات النهضة ومن ثم إخراجها من الحكم بعد اتهامها صراحة بالفشل في إدارة البلاد والسيطرة على التيارات المشددة.

ففي حادثة اغتيال بلعيد، برز اسم حمادي الجبالي، الأمين العام للحركة، بخروجه عن صف الحركة والاختلاف مع قياداتها في تشخيص الوضع السياسي ومن ثم الدعوة إلى حكومة كفاءات وطنية، عوضا عن الحكومة التي تقودها حركة النهضة المكونة من ائتلاف ثلاثي تتهم بكونها «مهيمنة على القرار داخله».