البرلمان الليبي يرجئ مجددا بحث إقالة الحكومة.. وسرت تشهد أول عملية اغتيال لمسؤول

هدوء حذر في سبها.. والسلطات تعترف بمقتل وإصابة 100 شخص

بائع ليبي للفخاريات يعرض بضاعته في أحد طرقات العاصمة الليبية طرابلس (أ. ف. ب)
TT

بينما استمر الانقسام داخل المؤتمر الوطني العام (البرلمان) في ليبيا حول مصير رئيس الحكومة الانتقالية علي زيدان، الذي يواجه محاولات للإطاحة به من خصومه السياسيين، خرجت حكومة زيدان عن صمتها الذي دام ثلاثة أيام عن المعارك الطاحنة بين القبائل العربية وأقلية التبو العرقية في مدينة سبها بجنوب البلاد، واعترفت في بيان أمس بمقتل 27 شخصا وجرح 72 آخرين في سبها ومرزق ومنطقة الشاطئ، عقب التوتر الأمني الذي يسود مدينة سبها منذ الاعتداء على الحاكم العسكري لمنطقة الجنوب بمدينة تراغن.

وأرجأ المؤتمر الوطني، الذي يعتبر أعلى هيئة سياسية ودستورية في ليبيا، جلسة كانت مقررة أمس لمناقشة مذكرة مقدمة من 72 من أعضائه لسحب الثقة عن حكومة زيدان التي تشكلت في نوفمبر (تشرين الثاني) عام 2012.

وقال أعضاء في المؤتمر الوطني لـ«الشرق الأوسط» إن المشاورات والاجتماعات التي عقدتها مختلف الكتل والأحزاب السياسية داخل المؤتمر الوطني لم تسفر حتى الآن عن التوصل إلى حل بشأن الخلافات الراهنة لتمرير سحب الثقة من زيدان، ولفتوا إلى أن جلسة أمس تأجلت إلى أجل غير مسمى، ما يعني أن زيدان باق في منصبه.

كما نقلت وكالة الصحافة الفرنسية عن محمد كيلاني عضو المؤتمر أن الجلسة أرجئت، لأن الكتل السياسية لا تتوصل إلى تفاهم حول مذكرة بحجب الثقة.

وساد أمس هدوء حذر مدينة سبها في جنوب ليبيا بعد معارك طاحنة دامت يومين بين القبائل العربية والتبو، حيث انتشرت وحدات من الجيش في المدينة بينما حلقت طائرات تابعة لسلاح الجو الليبي في سماء المدينة.

وقال عبد الجليل سيف النصر عضو المؤتمر الوطني عن مدينة سبها لـ«الشرق الأوسط» إن «الوضع بات تحت سيطرة الجيش الوطني ممثلا في منطقة سبها العسكرية.. وتواصلنا مع الحكومة الليبية التي أرسلت تعزيزات من الشمال بالإضافة إلى قيام الطيران الليبي بطلعات جوية منذ فجر أمس».

وأضاف سيف النصر: «الوضع مستقر إلى حد ما.. هو ليس وليد أمس، إنما تراكمات بعد حرب التحرير حيث تشكلت ميلشيات مسلحة، جزء منها الثوار وجزء آخر منها ميليشيات دينية أو تجمعات قبلية وعرقية».

لكن وكالة الأنباء المحلية قالت في المقابل إنه على الرغم من الهدوء الذي يسود المدينة، فإن هناك أصواتا لإطلاق نار بالأسلحة الثقيلة والمتوسطة خلال عمليات التمشيط التي يقوم بها الجيش الليبي.

وأوضحت أن مدينة سبها تشهد انتشارا كثيفا للأمن الوطني بالشوارع والميادين مع توقف المصالح والمؤسسات الإدارية والمصارف ومحطات الوقود عن العمل، بالإضافة إلى إغلاق الكثير من المحلات التجارية أبوابها أمام الزبائن، كما أغلق مطار سبها وعلقت الحركة الجوية فيه حسب ما أفاد به مصدر ملاحي.

وقال شهود عيان من سكان مدينة سبها لـ«الشرق الأوسط» إن «الحياة الطبيعية شبه متوقفة تماما»، وأعربوا عن خشيتهم من تجدد الاشتباكات بين الأطراف المتناحرة في أي وقت.

وفي محاولة لطمأنة الرأي العام المحلي، قالت الحكومة في بيان لها أمس، وتلاه محمد بن سعود وزير الإعلام الليبي، إنها شكلت لجنة وزارية لمتابعة هذه التطورات، مشيرة إلى أن وزارة الدفاع أعطت تعليماتها لسلاح الجو الليبي بالقيام بعملية استطلاع للمنطقة على مدار الساعة، كما نشرت وحدات من الجيش المتمركزة بمدينة سبها لتأمين المرافق الحيوية والمناطق السكنية التي شهدت تبادلا لإطلاق النار وأرسلت وحدات إضافية لتعزيز قوات الجيش الموجودة هناك.

وقالت وزارة الصحة الليبية في بيان لها إن المصادر الطبية الرسمية من مدينة سبها أفادت بأن حالات الوفيات وصلت إلى 31 و65 جريحا إصاباتهم متفاوتة، ما زال منها أربعة تحت العناية المركزة وسيجري إحالتهم إلى أحد مستشفيات طرابلس.

وقال حزب العدالة والبناء الذراع السياسية لجماعة الإخوان المسلمين في بيان له أمس إنه «يحمل حكومة زيدان المسؤولية الكاملة عن هذا الانفلات الأمني في ليبيا عموما والجنوب خصوصا في غياب أي خطوات جادة لوضع حد لما يجري».

واندلعت المواجهات إثر مقتل زعيم ميليشيا تابعة لقبيلة أولاد سليمان العربية واتهمت هذه القبيلة أفرادا من قبيلة التبو بقتله.

واعتبرت هذه المعارك الأعنف بين القبيلتين منذ وقف إطلاق النار بينهما في مارس (آذار) عام 2012 الذي وضع حدا لمعارك أوقعت نحو 150 قتيلا و400 جريح.

وتقع مناطق انتشار التبو على الحدود بين ليبيا وتشاد والنيجر، وغالبا ما يتهمون من بقية القبائل بتجنيد مقاتلين أجانب معهم، خصوصا من تشاد المجاورة.

وتتهم قبيلة التبو السلطات الليبية بتهميشها ومحاباة القبائل العربية على حسابها، في حين أن القبائل العربية تتهم السلطات الليبية بعدم الوقوف إلى جانبها بمواجهة «الاحتلال الأجنبي».

ويمكن أن تهدد المعارك في سبها الإنتاج النفطي في هذه المنطقة الصحراوية، في الوقت الذي تعاني فيه البلاد من أزمة نفطية بسبب توقف العمل في الكثير من الآبار النفطية شرق البلاد منذ يوليو (تموز) الماضي.

إلى ذلك، وفي أول عملية اغتيال لأحد أعضاء الحكومة الانتقالية منذ سقوط نظام العقيد الراحل معمر القذافي، اغتيل أول من أمس الدكتور حسن الدروعي وكيل وزارة الصناعة وعضو المجلس الوطني الانتقالي السابق في مدينة سرت، بعدما أطلق مجهولون عدة أعيرة نارية عليه وهو في طريقه إلى منزله في المنطقة السكنية الثانية بالمدينة.

وتعهدت السلطات الليبية التي استنكرت ما وصفته بهذا «العمل الإجرامي» بملاحقة الجناة وتقديمهم للعدالة.

وكان الدروعي عضوا في المجلس الوطني الانتقالي، الذراع السياسية للتمرد الذي أطاح بنظام القذافي، حيث عينه رئيس الحكومة السابق عبد الرحيم الكيب وكيلا لوزارة الصناعة (نائب الوزير) وحافظ على منصبه في عهد خلفه زيدان.

وألقى مسؤولون أمنيون باللوم على إسلاميين متشددين في قتل الدروعي، حيث قال مسؤول أمني كبير طلب ذكر نشر اسمه: «أطلقوا النار عليه من سيارة أخرى أثناء قيادته سيارته، وعثر على متفجرات مثبتة بسيارته.. النظرية هي أنهم أطلقوا النار عليه بعدما لم تنفجر القنبلة».

واتهم المسؤول إسلاميين متشددين يسعون لبسط نفوذهم على سرت التي تقع على بعد نحو 460 كلم شرق العاصمة طرابلس، على الرغم من أن سرت تنعم باستقرار أكثر من العاصمة ومدينة بنغازي الشرقية، بينما لقي شقيق مسؤول البحث الجنائي بمدينة بنغازي مصرعه متأثرا بجراحه التي أصيب بها إثر تعرضه لرصاص مسلحين مجهولين هاجموه بمنطقة بوهديمة.

وتقاتل القوات المسلحة في بنغازي لكبح نفوذ جماعة أنصار الشريعة المتشددة التي وصفتها واشنطن الأسبوع الماضي بأنها منظمة إرهابية.