مصريون في الظل يطمحون إلى الترشح لرئاسة الدولة

من بينهم حفيد الزعيم أحمد عرابي

TT

يطل وجه طارق إمام علام، حفيد الزعيم المصري أحمد عرابي (1841 - 1911)، بوجهه من بين عدة وجوه تعتزم الترشح لانتخابات الرئاسة المصرية قبل منتصف هذا العام. وغالبية هؤلاء شخصيات تبدو قادمة من الظل مقارنة بالأسماء الرنانة التي خاضت أول انتخابات من نوعها للرئاسة في عامي 2005، التي فاز فيها الرئيس الأسبق حسني مبارك، و2012 التي فاز فيها الرئيس السابق محمد مرسي.

وقبل ثلاث سنوات لم يكن من السهل خوض المنافسة، لكن الدكتور حسن نافعة، أستاذ العلوم السياسية بجامعة القاهرة، يقول لـ«الشرق الأوسط»، إنه «في الوقت الحالي لا تستطيع أن تمنع أي شخص من الترشح إذ توافرت فيه الشروط». وتوقع أن يعلن عدد كبير من المغمورين والمغامرين، نيتهم للترشح هذه السنة كما حدث العام قبل الماضي، وهو العام الذي فوجئ فيه المصريون بلافتات ومقابلات لمن يعتزمون الترشح لموقع رئيس الدولة وكان من بينهم «ميكانيكي (يصلح السيارات)»، و«تربي (عمله دفن الموتى بالمقابر)»، و«متهرب من أداء الخدمة العسكرية» و«مطرب شعبي»، وغيرهم.

وحاز هذا النوع من المرشحين، وغيرهم من الجادين المفتقرين للإمكانيات المادية والسياسية، على اهتمام قطاع من المصريين من باب «العلم بالشيء» وأطلق البعض تعليقات التندر والتحسر على أيام مبارك حين نافسه في انتخابات 2005 شخصيات كان لها وزنها السياسي في ذلك الوقت، مثل أيمن نور عن حزب الغد، ونعمان جمعة عن حزب الوفد. لكن الكثير من «معتزمي الترشح» في 2012 لم يتمكنوا من استكمال شروط خوض المنافسة، واقتصرت القائمة في نهاية المطاف على 13 اسما كان من بينهم مرسي والفريق أحمد شفيق، وعمرو موسى وعبد المنعم أبو الفتوح وحمدين صباحي.

ومن جديد بدأ يطفو على السطح هذه الأيام خليط من الراغبين في خوض غمار السباق على الكرسي الرئاسي، رغم أنه لم يتقرر بعد ما إذا كانت الانتخابات البرلمانية ستجري أولا أم الرئاسية. ويستغل بعض «معتزمي الترشح» الزخم السياسي الحالي في البلاد بشأن الاقتراع على التعديلات الدستورية المقرر لها اليوم (الثلاثاء) ويوم غد (الأربعاء) للترويج لأنفسهم، وسط تكهنات بأن يتقدم للترشح شخصيات كبيرة على رأسها قائد الجيش الفريق أول عبد الفتاح السيسي.

وتحمل توجهات معظم المرشحين القادمين من القاع شعارات عامة ومتشابه يعتقد أنها تستهوي المصريين، خصوصا في الأجواء الثورية الراهنة، مثل «الوسطية والاعتدال» و«رعاية الفقراء» و«الكرامة الإنسانية». كما تجمع هؤلاء سمة عامة هي تواضع القدرة على الإنفاق المالي الذي تتطلبه الحملات الدعائية الضخمة للترشح للرئاسة.

ومن مدينة الإسكندرية، شمال غرب مصر، يقول ياسر فراويلة، الذي لم يكمل إجراءات الترشح لانتخابات الرئاسة في 2012: «أفكر في الترشح مجددا حتى لو ترشح الفريق أول السيسي». ويتحدث فراويلة بثقة عن قدرته على المنافسة. ويوضح لـ«الشرق الأوسط» قائلا إنه «يعبر عن تيار الإسلامي القومي». ويضيف «يوجد غضب في وسط الإسلام السياسي، وكثير من قيادات هذا التيار، خصوصا جماعة الإخوان، لن يتمكنوا من الترشح»، في إشارة إلى الإجراءات المشددة التي اتخذتها السلطات ضد قيادات بعض من التيارات الإسلامية.

وعما إذا كانت محاولات الدخول للسباق الرئاسي من الشخصيات المغمورة مجرد بحث عن الشهرة كما يقول البعض، أوضح فراويلة قائلا: «ربما كان هذا صحيحا في أول انتخابات بعد ثورة يناير، لكن أعتقد أنه في هذه السنة الوضع أصبح أكثر جدية».

ويشكو فراويلة ومعظم المرشحين المغمورين من مشكلة توثيق بطاقات تزكية الناخبين لهم، في مكاتب التوثيق، وهي أحد شروط الترشح. وينص الدستور لقبول أوراق الترشح جمع ما لا يقل عن تأييد 25 ألف ناخب في 15 محافظة، وبحد أدنى ألف مؤيد من كل محافظة منها. ويقول إن «المرشحين الكبار لانتخابات الرئاسة الأخيرة هيمنوا على مكاتب توثيق بطاقات التأييد، وتسببوا في زيادة سعر البطاقة في السوق السوداء إلى نحو 700 جنيه (نحو 100 دولار)». ومن المفترض أن البطاقات تتاح مجانا. ويضيف: «كان من الصعب جمع بطاقات التأييد بالأموال من السوق السوداء».

وبين شارع وآخر في جنوب القاهرة يمكن أن ترى لافتات تأييد الدستور الجديد موقع عليها بأسماء غير معروفة تعلن عن عزمها الترشح للرئاسة، من بينهم «موظف إعلانات في شركة طباعة صغيرة»، و«تاجر دواجن»، و«شاعر وناقد» و«بطل في كمال الأجسام».

«السياسة لا ينفع فيها دفع فلوس، لأن من تشتريه بالفلوس اليوم يبيعك غدا». هكذا يقول طارق إمام علام، وكيل مؤسسي حزب «الحرية»، وهو يروي تجربته التي لم تكتمل لخوض انتخابات الرئاسة مرتين في السابق. ويتحدث أيضا عن مشكلة جمع بطاقات التأييد وتوثيقها في مكاتب الشهر العقاري. ويفخر الرجل باللقب الذي أطلقته عليه بعض وسائل الإعلام المحلية بأنه «حفيد عرابي»، الذي كان وزيرا للجيش وقاد ثورة ضد الخديو توفيق عام 1881، لكنه يوضح لـ«الشرق الأوسط» قائلا: «عرابي في مقام جدي لجدتي ولست حفيدا من صلبه».

وعن توجهه السياسي يقول علام، الذي ترجع أصوله إلى محافظة الشرقية بدلتا مصر، إنه «وسطي ومعتدل.. يهمني الفقراء ومن يحتاجون للرعاية الطبية والصحية ويهمني كرامة الإنسان». ثم يستطرد: «يهمني أيضا الرأسمالي الوطني الذي يفتح أبواب عمل للعاطلين». ويدافع علام عن جدارته في الترشح، قائلا إنه «منخرط في السياسة منذ 40 سنة، وميسور ماليا».

ويؤكد علام أنه إذا ترشح الفريق أول السيسي «سيكون كل المرشحين الآخرين مجرد ديكور»، في إشارة إلى شغف غالبية المصريين بقائد الجيش ودعوتهم له بالترشح للرئاسة. ويضيف: «أنا أعمل على أساس أنه لن يخوض الانتخابات. وإذا ترشح سأستمر لأقول للناس إنني موجود».

وجرت أول انتخابات رئاسية عامة بين متنافسين في 2005 وفقا لتعديل دستوري أجراه مبارك. لكن الدكتور نافعة يقول إن «تلك الانتخابات كانت شكلية، وأنه قبل 25 يناير 2011 لم يكن مسموحا لأي أحد أن يفكر في الترشح للرئاسة بالطريقة الموجودة هذه الأيام، بل لم تكن هناك انتخابات رئاسية أصلا، وكان مجلس الشعب (البرلمان) هو الذي يرشح شخصا واحدا يستفتى عليه».

وفي الوقت الحالي، كما يوضح نافعة، لا يمكن أن تمنع أي شخص من الترشح إذا توافرت فيه الشروط، مثل أن يكون من أبوين مصريين، وأن يجمع عددا محددا من بطاقات التأييد، مشيرا إلى أن الضوابط الموجودة في الدستور لخوض انتخابات الرئاسة تضمن الجدية، لكن ستجد من بين من يعلنون أنهم سيترشحون، الكثير من المغامرين ومحبي الشهرة والأضواء.