لبنان: خمسة قتلى وعشرات الجرحى بتفجير سيارة مفخخة في الهرمل

ترجيح فرضية وجود انتحاري.. والخبير العسكري قدر زنة العبوة بـ35 كيلوغراما

جانب من الدمار الذي خلفه تفجير سيارة مفخخة في مدينة الهرمل أمس (إ.ب.أ)
TT

استيقظت مدينة الهرمل، ذات الغالبية الشيعية، في منطقة البقاع الشمالي بشمال شرقي لبنان، على بعد نحو 10 كيلومترات من الحدود السورية، على دوي تفجير سيارة مفخخة رجحت معلومات أمنية أن انتحاريا كان بداخلها، في خرق هو الأول من نوعه في المنطقة منذ اندلاع أزمة سوريا.

وقع التفجير في شارع رئيس يكتظ بالمصارف والعيادات الطبية والدوائر الرسمية ويشهد زحمة في ساعات الصباح، مما أسفر عن مقتل 5 أشخاص، بينهم سوري وزوجته، وجرح أكثر من 40 آخرين، وذلك بينما كانت أنظار اللبنانيين شاخصة إلى مدينة لاهاي الهولندية، حيث انطلقت أعمال المحكمة الدولية الخاصة بلبنان.

التفجير أمس جاء أيضا غداة توقيف الجيش اللبناني جمال دفتردار، الذي وصف بأنه قيادي بارز في كتائب «عبد الله عزام»، التي تبنت تفجيرين انتحاريين استهدفا السفارة الإيرانية في بيروت في نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي. وتوعدت هذه المجموعة، المرتبطة بتنظيم «القاعدة» قبل يومين، بـ«تكثيف الهجمات ضد إيران وحزب الله وإسرائيل»، وذلك بعد أسبوعين من وفاة «أميرها» ماجد الماجد إبان توقيفه من قبل السلطات اللبنانية، نتيجة مضاعفات صحية.

مدينة الهرمل، التي تعد معقلا أساسيا لحزب الله في منطقة البقاع، اعتادت على تساقط صواريخ سورية المصدر، كان آخرها في 17 ديسمبر (كانون الأول) الماضي، بالتزامن مع استهداف سيارة مفخخة فجر اليوم ذاته نقطة أمنية تابعة للحزب في خراج بلدة صبوبا القريبة من مدينة بعلبك. وكانت هجمات عدة طالت خلال الأشهر الماضية مواكب تابعة لحزب الله من خلال تفجير عبوات ناسفة وضعت على جانب طرق فرعية ودولية.

وفي التفاصيل، أدى الانفجار الذي وقع في باحة سراي الهرمل، بحسب الصليب الأحمر اللبناني، إلى مقتل 5 أشخاص وإصابة أكثر من 40، إلى جانب وجود أشلاء بشرية يعتقد أنها تعود للانتحاري المفترض. وأعلنت قيادة الجيش اللبناني في بيانها أنه «نحو الساعة التاسعة إلا خمس دقائق صباحا، انفجرت سيارة مفخخة بكمية من المتفجرات أمام مبنى سرايا مدينة الهرمل». وأشار الجيش إلى أن وحداته وخبراء المتفجرات «باشروا الكشف على موقع الانفجار والأشلاء البشرية التي وجدت بالقرب من السيارة المستخدمة، وذلك تمهيدا لتحديد طبيعة الانفجار وظروف حصوله».

وفي العادة، يدخل مبنى السرايا الحكومي في الهرمل يوميا مئات الأشخاص لإجراء معاملاتهم الرسمية، ومنها في سجلات النفوس والدوائر العقارية. كذلك يضم المركز مقرين لقوى الأمن الداخلي والأمن العام الموكل بشؤون جوازات السفر والإقامات. وقال مدير مدرسة مهنية الهرمل علي شمص لوكالة الصحافة الفرنسية (أ.ف.ب) إن «التفجير كان ضخما.. الناس خائفون وغاضبون»، وتابع أنه وقع «حينما كان الناس في طريقهم إلى العمل ومزاولة نشاطاتهم اليومية وسط المدينة».

ومن جهة ثانية، قال وزير الداخلية والبلديات في حكومة تصريف الأعمال مروان شربل إن العملية تبدو «وكأنها انتحارية»، متحدثا عن وجود أشلاء «داخل السيارة وخارجها». إلا أنه أكد أن الجزم بوقوع هجوم انتحاري «يحتاج إلى بعض الوقت»، في حين أوضح علي حسن خليل، زير الصحة في حكومة تصريف الأعمال اللبنانية، أن «الحصيلة شبه النهائية هي جثة لشهيد معروف الهوية، وأشلاء يرجح الأطباء أنها تعود لشخصين»، مشيرا إلى أنه «لم يتبين بعد إذا كانت إحدى الجثتين المجهولتين عائدة لانتحاري أم لا».

أما «الوكالة الوطنية للإعلام»، الوكالة الرسمية في لبنان، فذكرت أن «السيارة التي انفجرت قرب سرايا الهرمل هي من نوع (كيا سبورتاج)، سوداء اللون تحمل لوحة مسروقة من أنطلياس، وتعود لشخص يدعى نظاريت شاهينيان». في حين علمت «الشرق الأوسط» من مصادر قريبة من صاحب السيارة الرباعية الدفع المستخدمة في تفجير الهرمل أنها سرقت و3 سيارات أخرى من أحد أحياء منطقة أنطلياس، شمال بيروت، قبل نحو شهرين، وقد أبلغ مالكو السيارات المسروقة القوى الأمنية، من دون أن يتلقوا أي اتصالات من السارقين، على غرار ما يحصل للمفاوضة على دفع مبلغ من المال مقابل إعادة السيارة.

الخبير العسكري الذي عاين مكان الحادث قدّر زنة العبوة المستخدمة في التفجير بـ35 كيلوغراما من المواد المتفجرة. وتضاربت الأنباء حول فرضية وجود انتحاري داخل السيارة، بينما تريثت مصادر أمنية مواكبة للتحقيقات، لـ«الشرق الأوسط»، في حسم فرضية الانتحاري، مؤكدة أنها بانتظار صدور نتائج فحوص الحمض النووي الخاصة بالأشلاء.

وفي حين قال رئيس بلدية الهرمل صبحي صقر إن السيارة ركنت قبل نحو نصف ساعة أمام أحد المصارف، أبلغت مصادر محلية في الهرمل، «الشرق الأوسط»، بأن «امرأة تلاسنت مع سائق السيارة المفخخة وكان إلى جانبه شاب عشريني، بعدما اصطدمت سيارته بسيارتها المتوقفة خلفه لدى رجوعه إلى الوراء لركن السيارة في موقع التفجير». وأفادت المصادر ذاتها بأن السيدة ذاتها هي من حددت رقم لوحة سيارته ولونها، وقالت إن الشابين كانا «مُربكين تماما»، لافتة إلى أن أحدهما تمكن من الفرار قبل وقوع التفجير.

وربطت مصادر محلية بين التفجير الذي هز منطقة الهرمل والهجوم الذي شنته المعارضة السورية على منطقة القصير - جوسيه - تل الحنش - العبودية، حيث شهدت المنطقة معارك عنيفة تدخل فيها الطيران السوري.

وفي سياق متصل، نقل موقع «ناو» عن أوساط في حزب الله إشارتها إلى معلومات بوجود «غرفة عمليات في مدينة يبرود السورية القريبة من بلدة عرسال اللبنانية تتولى إعداد السيارات المفخخة والانتحاريين». وادعت أنه يوجد «قرار» بـ«إرسال السيارات المفخخة إلى المناطق ذات الغالبية الشيعية للضغط على حزب الله، وليس بالضرورة أن يتم استهداف مراكز حزبية أو مسؤولين حزبيين، مع العلم بأن هناك تخوفا من استهداف بعض المناطق المأهولة والمستشفيات، لكن الأجهزة المعنية حصلت على معلومات حول من يتولى إعداد السيارات ومن يرسلها، ولذلك تم اتخاذ الإجراءات الأمنية المكثفة».

وإثر وقوع الانفجار أمس، سطّر مفوض الحكومة لدى المحكمة العسكري القاضي صقر صقر استنابة قضائية إلى مديرية المخابرات في الجيش اللبناني والشرطة العسكرية والأدلة الجنائية، لإجراء الكشف والتحقيق الأولي. كما انتقل المعاون القاضي كمال نصار إلى منطقة الهرمل لإجراء معاينة ميدانية في موقع التفجير، بتكليف من صقر، الذي كلف الطبيب الشرعي بإجراء فحص الحمض النووي على الأشلاء.

* التفجير الخامس في مناطق نفوذ حزب الله بعد إقراره بالقتال في سوريا

* يعد تفجير الهرمل، في شمال شرقي لبنان، التفجير الخامس الذي يستهدف مناطق سكنية خاضعة لنفوذ حزب الله منذ إقراره بتدخل عناصره في القتال إلى جانب القوات النظامية في سوريا وتوعّد أمينه العام السيد حسن نصر الله في إطلالة له خلال شهر أغسطس (آب) الماضي، بأنه «إذا احتاجت المعركة مع هؤلاء الإرهابيين أن أذهب أنا وكل حزب الله إلى سوريا فسنذهب إلى سوريا، من أجل سوريا وشعبها، ومن أجل لبنان وشعبه، ومن أجل كل اللبنانيين ومن أجل فلسطين والقدس».

معروف أن حزب الله كان أساسا قد برر تدخله بالقتال في سوريا، بأنه يأتي تحت راية الدفاع عن مقام السيدة زينب قرب دمشق، وأكدت تقارير عدة مشاركة المئات من عناصره في سوريا. وبدت هذه المشاركة أكثر وضوحا وعلانية في معارك بلدة القصير في ريف حمص، بوصفها منطقة حدودية تتداخل فيها قرى لبنانية ذات غالبية شيعية بقرى سورية، ثم شارك بعد ذلك في معارك القلمون الاستراتيجية، على حدود لبنان الشرقية، دعما للنظام السوري من أجل الحفاظ على الطريق الدولي الذي يربط دمشق بالساحل السوري.

وكان التفجير الأخير بسيارة مفخخة استهدف الشارع العريض بمنطقة حارة حريك، في الضاحية الجنوبية لبيروت، في الثاني من الشهر الحالي، على مسافة مائتي متر من مقر المجلس السياسي التابع للحزب. وأدى التفجير إلى مقتل 4 أشخاص، وجرح أكثر من خمسة وسبعين آخرين، على الأقل.

وفي التاسع عشر من شهر نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، شهدت منطقة بئر حسن، المتاخمة لمنطقة نفوذ حزب الله في الضاحية الجنوبية، تفجيرين انتحاريين استهدفا السفارة الإيرانية، وتبنتهما جماعة «كتائب عبد الله عزام» المرتبطة بتنظيم القاعدة، وهددت بمواصلة عملياتها حتى انسحاب عناصر حزب الله من سوريا. وذكر لاحقا أن «الانتحاريين»، أحدهما لبناني والثاني فلسطيني، من المقرّبين من مجموعة الشيخ السلفي المطلوب للعدالة أحمد الأسير. ولقد أسفر التفجيران عن سقوط 23 قتيلا، أبرزهم المستشار الثقافي بالسفارة، وأحد قادة حزب الله الأمنيين، إضافة إلى 150 جريحا.

وقبل ذلك، تعرضت منطقة الضاحية الجنوبية لتفجيرين بسيارات مفخخة، استهدف الأول منطقة بئر العبد في شهر يوليو (تموز) الماضي، داخل موقف للسيارات، وأدى إلى إصابة أكثر من 50 جريحا، في حين أدى تفجير سيارة مفخخة في منطقة الرويس في 15 أغسطس الماضي إلى مقتل نحو 30 شخصا وإصابة أكثر من 300 آخرين. وتبنت التفجير مجموعة مجهولة باسم «سرايا عائشة أم المؤمنين». وقالت: إن التفجير «رسالة إلى حزب الله بسبب قتاله إلى جانب النظام السوري في المعارك ضد مقاتلي المعارضة». وردّ نصر الله في موقف له بعد الانفجار بالقول إن «أحد ردودنا على أي تفجير من هذا النوع أنه إذا كان لدينا ألف مقاتل في سوريا فسيصبحون ألفين، وإذا كان لدينا خمسة آلاف مقاتل في سوريا فسيصبحون عشرة آلاف».