المحكمة الخاصة في لبنان تبدأ أعمالها بقرار اتهامي يتهم «عناصر» من «حزب الله» في جريمة اغتيال الحريري

حمادة لـ «الشرق الأوسط» : دقة الادعاء تعطيه كل التبرير للوقت الذي استغرقه

لقطة من الجلسة الافتتاحية للمحكمة الخاصة بلبنان (رويترز)
TT

انطلقت أعمال المحكمة الدولية الخاصة بلبنان في لاهاي بهولندا، أمس، بتوجيه الاتهام العلني لأربعة أعضاء في حزب الله، اثنان منهما يشغلان مواقع في القيادة العسكرية للحزب، اتهمتهما، مع آخرين لم تفصح عنهما، بالإعداد للتفجير الذي استهدف رئيس الحكومة الراحل رفيق الحريري، وتنفيذه، كاشفة أن هناك «جهات داخلية وخارجية خططت لاغتيال الحريري».

وافتتحت جلسات المحكمة، أمس، في مبنى المحكمة في إحدى ضواحي لاهاي، بعد تسع سنوات على اغتيال الحريري، حيث يحاكم غيابيا الأعضاء في حزب الله، سليم جميل عياش ومصطفى أمين بدر الدين وحسين حسن عنيسي وأسد حسن صبرا، وجميعهم هاربون. وتستكمل جلسات المحكمة اليوم والاثنين، على أن يقدم الشهود شهاداتهم، علنيا، الأربعاء المقبل.

وحسم الادعاء، أمس، الجدل حول طريقة التنفيذ، إذ كشف أن حجم العبوة «بلغ طنين من مادة RDX»، وهي مادة شديدة الانفجار تستخدم لأغراض عسكرية، مؤكدا أن تفجيرها جرى «بواسطة جهاز محمول على سيارة (فان) تحمل كميات من المتفجرات فجرها انتحاري مجهول الهوية»، مما يدحض المزاعم بأن الانتحاري الذي ظهر في شريط مصور بعد ساعتين من الهجوم، وتبنى العملية، أحمد أبو عدس، هو المنفذ. وكان أبو عدس ظهر في شريط فيديو بثته قناة «الجزيرة» الفضائية بعد ساعتين من وقوع التفجير، أعلن فيه تبنيه العملية. لكن فحوص الحمض النووي التي خضعت لها أمه وشقيقته، لم تتطابق مع عينات لهوية الانتحاري وجدت في موقع التفجير. ويحاكم صبرا وعنيسي بتهمة «التواطؤ»، وكانت وجهت إليهما تهما بإعداد وتسليم شريط الفيديو الذي ظهر فيه أبو عدس، يعلن فيه زورا المسؤولية عن جريمة الاغتيال، بهدف توجيه التحقيق إلى أشخاص لا علاقة لهم بالاعتداء، وذلك حماية للمتآمرين من الملاحقة القضائية.

وعرض رئيس المحكمة الدولية الخاصة بلبنان ديفيد باراغوانت، في الجلسة الافتتاحية، المراحل التي ستتخللها جلسات المحاكمة، مؤكدا أن المحكمة «ستطبق حقوق المتهمين بالحصول على محاكمة عادلة»، مشيرا إلى أن الشهود «بإمكانهم عرض الأدلة أمام المحكمة».

وأعلن رئيس غرفة الدرجة الأولى في المحكمة الدولية القاضي الأسترالي ديفيد ري عن «بدء الاستماع إلى الشهود في قضية اغتيال رئيس الحكومة الأسبق رفيق الحريري الأربعاء المقبل»، موضحا أن «الادعاء ينوي استدعاء مئات الشهود». وقال القاضي ري: «نحن هنا للاستماع للتصريح التمهيدي للمدعي»، مضيفا أنه «يعود للمدعي إثبات جرم المتهمين»، مؤكدا أن المحاكمة ستجري «كما وكأن المتهمين قد حضروا ودفعوا ببراءتهم».

وترك انطلاق جلسات المحكمة انطباعا إيجابيا لدى عائلات الضحايا، كما عند الناجين من التفجيرات التي استهدفت سياسيين. وقال النائب مروان حمادة الذي نجا من محاولة اغتيال في أكتوبر (تشرين الأول) 2004، لـ«الشرق الأوسط»، إن خيوط التفجير الذي استهدف الحريري «بدأت اليوم (أمس) تتكشف تباعا بشكل دقيق، مما يعطيها، وللادعاء أيضا، كل التبريرات للوقت الذي استغرقته لإطلاق المحاكمات». وكانت المحكمة الدولية أنشئت في 1 مارس (آذار) 2009، وبدأت بتحضير القرارات الاتهامية التي هيأت للمحاكمة.

وأشار حمادة، الذي ضم ملف استهدافه إلى المحكمة الدولية، إلى أن «الجلسة أعادت الذاكرة إلى حدث مؤلم جدا، لكن تطرح تساؤلات كبرى حول مستقبل لبنان، ومستقبل العلاقات اللبنانية انطلاقا من حجم المؤامرة التي طالت الحريري ودقة التنظيم والتحضير لها، وضخامة الإمكانات التي وضعت لتنفيذها، فضلا عن الخلفية السياسية التي دفعت هؤلاء لتنفيذ الاغتيال». وأضاف: «قلما أتيح لي أو لأحد حضور مثل هذه المحاكمة برونقها الحضاري، حيث حقوق الجميع محفوظة، ادعاء ودفاعا، ولعل في ذلك عبرة للقضاء العربي واللبناني على وجه التحديد». وطرح حمادة أسئلة حول «هذه المجموعة التي اعتمدت الإلغاء الجسدي سبيلا للهيمنة السياسية على لبنان»، متسائلا: «كيف تنتظم علاقات في المستقبل مع المجموعة التي اغتالت الحريري (في إشارة إلى حزب الله) قبل عودتها إلى كنف القانون، وحظيرة الدولة، من مغامرتها في سوريا؟».

إلى ذلك، أحدث اغتيال الحريري، والقرار الاتهامي الذي توجهت فيه أصابع الاتهام إلى حزب الله، شرخا سياسيا حادا في لبنان، أدى إلى انقسام بالرأي، ودفع الأطراف إلى توجيه اتهامات متبادلة، هزت الاستقرار الأمني في بعض المحطات. وكانت جلسات المحكمة انطلقت صباحا، واستكملت بعد الظهر في مقر المحكمة في لاهاي. وأشار المدعي العام للمحكمة الدولية الخاصة بلبنان نورمان فاريل إلى أنه «على الرغم من جهود المرتكبين لإخفاء تورطهم في هذه الجريمة فإن الحقيقة لا تحتجب»، موضحا أن «المتهمين عياش وبدر الدين مع آخرين أعدوا ونفذوا هذا التفجير»، مشيرا إلى أن «هناك جهات داخلية وخارجية خططت لاغتيال الحريري». وأوضح فاريل أن «الحريري وضع تحت مراقبة المجرمين قبل اغتياله بثلاثة أشهر». وتابع: «يمكن تقدير الوقت المحدد للانفجار بين ثلاث وخمس ثوان. والسائق كان انتحاريا. والعبوة فجرت يدويا، وما من أدلة عن تفجيرها عن بعد، ولا سيما أن سيارات الحريري كانت مزودة بجهاز تشويش للتفجير عن بعد وكان يعمل. ووجدت آثار حمض نووي تعود إلى جثة مجهولة تحولت إلى أشلاء تشبه أشلاء السيارة الأخيرة التابعة لموكب الحريري، ويمكن أن تكون جثة رجل انتحاري».

من جهة أخرى، جاء في مطالعة قدمها القاضي كاميرون أن السيارة التي ظهرت في الكاميرات هي شاحنة «ميتسوبيشي» خفيفة هي التي نفذت التفجير، مشددا على أن «المقارنة بين الحمض النووي لأبي عدس والأشلاء لم تكن متطابقة». وقدم عرضا حول أجزاء من الأدلة ضد المتهمين، مشيرا إلى أن «حيلة مُحكمة حيكت قبل أسابيع من التفجير لتحويل الانتباه من خلال الفيديو الذي جرى عرضه لأبي عدس والذي كان لتشويه الحقائق وخداع المواطنين»، مشيرا إلى أنه «مزور».

وورد في المطالعة أن أبو عدس، الذي اختفى في 22 يناير (كانون الثاني)، «تعرف على شخص اسمه محمد في أحد مساجد بيروت، ومن خلال نشاط الاتصالات التي أجراها عنيسي من هاتفه الأرجواني تبين للادعاء أن العنيسي كان نفسه محمد»، مشيرا إلى أن عنيسي استعمل هاتفه من منطقة طريق الجديدة أي من المنطقة نفسها التي كان يوجد فيها أبو عدس. وإذ لفت إلى أن «عملية إعداد تبني الاعتداء زورا حصلت من خلال الشبكة الأرجوانية»، نفى رصد أي اتصال بين صبرا وعنيسي من خلال هذه الشبكة. ويستند جزء أساسي من الاتهام إلى بيانات الاتصالات النقالة. وأوضح كاميرون أن هناك «أربعة أنواع من مجموعات الهواتف النقالة المستخدمة هي التتابعية والشخصية والمعروفة بلونها والمهمة»، مؤكدا أن «الهواتف المهمة تشكل أدلة قاطعة استخدمت كأدوات عملية في الاعتداء»، معلنا أن «الادعاء سيبرهن أن الهواتف اشتراها المنفذون لإدارتها كمجموعة واحدة». وعرض القاضي ثلاث صور ترتبط بالهاتف الأخضر، مشيرا إلى أن «الوثائق المقدمة للحصول على عقود شركات الهواتف كانت مزورة وقد استخدمت للحؤول دون التعرف على مستخدمي هذه الهواتف». وعرض أدلة عن طبيعة الهواتف النقالة وكيفية استخدامها، مشيرا إلى أن «شخصا واحدا كان يسدد فواتيرها»، مؤكدا أن هذه الشبكة من الهواتف الـ18 تعد أدلة دامغة استخدمت لأغراض غير شرعية تجلت باغتيال الحريري، وقد دفعت مبالغ طائلة للحصول عليها كشبكة هاتفية مغلقة للتنسيق قبل الانفجار وجرى توقيفها بعد الانفجار.