«الادعاء» في المحكمة الدولية للبنان: أبو عدس «كبش محرقة».. وعياش تفقد الموقع عشية اغتيال الحريري

ذكر أن بدر الدين خبير استراتيجي تولى الاتصالات المغلقة وترأس المجموعة

TT

استكمل فريق الادعاء في المحكمة الدولية الخاصة بلبنان، التي تنظر بقضية اغتيال رئيس الوزراء اللبناني الأسبق رفيق الحريري ورفاقه، اليوم الثاني من جلساته أمس، عارضا المزيد من الأدلة والوثائق، التي ارتكز أبرزها على بيانات الاتصالات التي أجراها المتهمون الأربعة من حزب الله.

وبينت أبرز النقاط التي عرضها الادعاء أمس، على لسان القاضي غرايم كاميرون، أن مراقبة الحريري، تمت على مدى خمسين يوما «بمستوى عال من الالتزام»، مشيرا إلى أن المتهم سليم عياش، قصد منطقة مجلس النواب ومسرح الجريمة ليل 13 فبراير (شباط) 2005 لمدة 30 دقيقة، أي عشية الاغتيال. وأوضح أن مجموعة ملتزمة نفذت الجريمة وكانت تثق ببعضها البعض وتجمع بين أفرادها علاقات مصاهرة وهم من طائفة واحدة، وكان على رأس المجموعة المتهم مصطفى بدر الدين الذي وصف «بالشبح»، نظرا لأنه لم يترك له أثرا في لبنان.

وأشار الادعاء إلى أن مجمل الوقائع أثبتت أن العملية أنجزت بحرفية عالية وتنسيق لافت وتمويل كبير، عارضا أيضا لكيفية إيجادهم «أبو عدس» وجعله كبش محرقة لتضليل التحقيق.

وكانت جلسة محاكمة المتهمين مصطفى بدر الدين وسليم عياش وأسد صبرا وحسين عنيسي غيابيا، افتتحت عند العاشرة والنصف من قبل ظهر أمس برئاسة رئيس غرفة الدرجة الأولى ديفيد ري وعضوية القاضيتين جانيت نوسوورثي، وميشلين برَيدي والقاضي اللبناني وليد عاكوم بصفة قاضٍ رديف، وفي حضور فريقي الادعاء والدفاع، وممثلي المتضررين، وعدد من المتضرّرين والشخصيات السياسية أبرزها رئيس الحكومة الأسبق سعد الحريري، ونائب رئيس مجلس النواب فريد مكاري، والنائبان مروان حماده وسامي الجميل، والنائبان السابقان باسم السبع وغطاس خوري، ومدير مكتب الحريري نادر الحريري إضافة إلى الإعلاميتين مي شدياق وجيزال خوري. كما حضر عن عائلات الشهداء، توفيق أنطوان غانم، زاهر وليد عيدو، والد الرائد وسام عيد، نبيل حاوي، وزوجة اللواء وسام الحسن.

واستكمل وكيل الادعاء القاضي غرايم كاميرون أمس تقديم أدلته حول تورط المتهمين الأربعة وتحضيرهم للعملية قبل أشهر من عملية الاغتيال مستعينا بأدلة شبكة الاتصالات. وقال إن «المرحلة الثالثة من المؤامرة بدأت في 21 ديسمبر (كانون الأول) 2004 حتى 13 يناير (كانون الثاني) 2005 وكانت مهمة جدا في التحضير وفي وضع أسس لمؤامرة الاعتداء»، مشيرا إلى أن «الاتصالات بين صبرا وعنيسي كانت متقطعة وتحدثا للمرة الثانية في 30 ديسمبر 2004 عبر هواتفهم الارجوانية وفي 7 يناير 2005 شغلت هواتف جديدة في جوار المسجد الذي يتردد إليه أبو عدس وكان صبرا الأكثر نشاطا هناك، حيث اتصل مرات عدة بعنيسي الذي ظهر بين 30 ديسمبر و6 يناير في جوار المسجد».

وأشار كاميرون إلى أنه «في 11 يناير استخدم المتهم عياش هاتفه للاتصال ببدر الدين من محيط معرض سيارات في طرابلس وأجرى في الأيام اللاحقة اتصالات عدة من محيطه وازدادت في هذه الفترة أعمال مراقبة الحريري وتمت الاستعانة بشبكات الاتصال وتفعيلها كما توسعت الشبكة الزرقاء وبدأ العمل بالهواتف الحمراء».

وتمحورت المرحلة الرابعة، وفق كاميرون، حول «تفعيل الخطوات التنفيذية ومراحل تنسيق الاعتداء الأخيرة وبدأت في 14 ديسمبر وانتهت في 5 يناير»، لافتا إلى أنه «بدأ العمل بالشبكة الزرقاء التي راقبت تحركات الحريري وبعد توقف استخدام الهواتف الصفراء واصل عياش عمله في مراقبة الحريري بواسطة هواتفه. وكان تشغيل هواتف الشبكة الحمراء وشحنها من طرابلس التي تم اختيارها لأن معظم سكانها من السنة وكان هناك رغبة لترك خيط خاطئ في حال تم اكتشاف المؤامرة». وأشار إلى «اتصالات أخرى رصدت في مناطق فاريا وفقرا وقريطم ومجلس النواب وكانت الأكثر نشاطا في مراقبة الحريري ولم ترصد في الجنوب إلا عندما لحقوا بالحريري إلى هناك».

وفيما يتعلق بالأدلة حول أبو عدس، وهو الشخص الذي تبنى في شريط مسجل اغتيال الحريري، قال كاميرون إن «مرعي شارك ووجه صبرا وعنيسي في إيجاد وتلفيق أبو عدس وشريطه ويمكن أن نستنتج أن لقاء حصل بين هؤلاء». وقال إن شخصا يدعى محمد (يشتبه إنه عنيسي) اتصل بمنزل أبو عدس في 15 يناير، ليغادر الأخير في اليوم الثاني معه من دون أن يعود. وتزامن ذلك مع رصد اتصالات بين المتهمين الأربعة بوتيرة مرتفعة.

ثم شرح كاميرون كيفية شراء شاحنة «الميتسوبيشي» المستخدمة في التفجير من معرض للسيارات في مدينة طرابلس، شمال لبنان، عارضا رصد مجموعة من الاتصالات بوتيرة مرتفعة من محيط المعرض ومن الحدود السورية التي قصدها مرعي، سبقت شراء الشاحنة من قبل شخصين بعد 9 أيام على اختفاء أبو عدس. ووصف كاميرون الأخير بأنه «كبش محرقة»، مستنتجا أن «أبو عدس» تم تحضيره بحلول 7 يناير.

بعد ذلك، انتقل كاميرون إلى تفصيل المرحلة الخامسة والأخيرة، فأشار إلى أن 6 رجال كانوا مولجين مراقبة الحريري، ما عدا اليوم الذي سبق اغتياله، وكانوا يلاحقونه، ومنهم عياش، من مجلس النواب إلى قريطم وفي كل تحركاته. وأشاروا إلى أن الحريري ذهب لتقديم واجب العزاء في منطقة بدارو، قرب بيروت، ووجد المتآمرون قربها وبقوا حتى مغادرته ومنهم عياش الذي اتصل ببدر الدين. وبعد انتقاله إلى قريطم، حيث دارته، لحقه عياش إلى هناك.

وفي اليوم الذي سبق الاغتيال، كانت الاتصالات محدودة ولم تجر أعمال مراقبة واضحة بين المتآمرين، لكن نشطت الاتصالات ليلا حتى فجر 14 فبراير، نهار الاغتيال، وكانت خارجة عن المألوف بوتيرتها وتوقيتها. وليلا قصد عياش منطقة مجلس النواب وموقع الجريمة، وأجرى بعدها اتصالات بثمانية أشخاص. وفي وسط هذه الاتصالات دار اتصال بارز بين بدر الدين وعياش في الحادية عشرة ليلا.

وفي إطار تفصيله لساعات الحريري الأخيرة، قال كاميرون إنه عند خروج الحريري من قريطم كان في محيط قصره 3 أشخاص وتبين ذلك من الاتصالات، ليصل عياش بعدها إلى محيط مجلس النواب ويجري اتصالات بأشخاص في محيط قريطم وعلى الطريق الساحلية. وأوضح أن الاتصالات القصيرة التي جرت تدل على توزيع مهمات بين المتآمرين. ومع خروج الحريري من مجلس النواب، بوسط بيروت، تواترت حركة اتصالات جديدة بين المتآمرين.

وفي موازاة عرض كاميرون لسلسلة اتصالات هاتفية بين المتآمرين الأربعة وأشخاص آخرين من أجل رصد حركة الحريري وتنقلاته ثم استدعاء الشاحنة إلى موقع التفجير لانتظار ساعة الصفر، أفاد بأنه بعد الاغتيال دارت 4 اتصالات من هواتف عمومية مع وكالة «رويترز» وقناة «الجزيرة» وجرى كل اتصال عبر بطاقة مدفوعة سلفا من هاتف عمومي، من مواقع متنوعة، لتبث بعدها «الجزيرة» تصريح أبو عدس. ونقل أبو عدس عن شقيقته قولها إنه «بسيط وساذج ولا يجيد قيادة السيارات ما يدل أن هناك قصة خيالية جبانة ابتدعت لمصلحة المتآمرين الذين يتشاركون خصائص عدة ما عدا بدر الدين». وقال: «شاحنة الفان كانت مسطحة وسائقها إلى اليمين وتطلب نقلها إلى الموقع الكثير من الثقة والمهارة، وأبو عدس لا يعرف أن يقودها».

وأكد «إن اغتيال الحريري عملية مخططة بدقة واستندت إلى الفان المحمل بالمتفجرات لتسليمه في الوقت والموقع المحددين لمرور الحريري في موقع الانفجار». وأضاف كاميرون: «يتطلب الاغتيال توزيع المسؤوليات ونظن أن بدر الدين كان رأس الهرم وهو وجه عياش ومرعي فيما وجه الأخير صبرا وعنيسي. وكان بدر الدين بصفته الخبير الاستراتيجي الوحيد، مسؤولا عن خلق شبكات الاتصال المغلقة. واختار أشخاصا عاديين لا يشك بهم أحد لاستعمال الهواتف السرية. وكان أفراد المجموعة يثقون ببعضهم، ولم يبلغ أحد عن الجريمة المروعة التي كانت تحضر، وهم من طائفة معينة وعلى تواصل دائم ويسكنون قرب بعضهم البعض. ورغم أن بدر الدين كان يملك هوية مختلفة، فإنه كان أيضا يتصرف بسرية، وكان شبحا لم يترك أثرا له في لبنان». وقبيل رفع الجلسة، تلا القاضي راي قرار الموافقة على إضافة شاهد جديد إلى لائحة الشهود. وقال: «هذا الشاهد قضى قريبه في الانفجار وهو ذو صلة وقيمة قانونية مفيدة للمحكمة وشهادته تندرج في مصلحة العدالة».

ثم رفع رئيس غرفة الدرجة الأولى في المحكمة الدولية القاضي دايفد راي، الجلسة إلى الأربعاء المقبل، لعرض الأدلة واستدعاء الشهود.

* محامو الدفاع عن المتهمين: الادعاء لم يقدم جديدا والمحكمة ترتكز على أدلة ظرفية

* رأى المحامي أنطوان قرقماز، وكيل مصطفى بدر الدين المتهم باغتيال رئيس الوزراء اللبناني الأسبق رفيق الحريري، أنه «لا شيء جديدا في مداخلة المدعي العام التي قدمها في بداية المحاكمة»، مشيرا إلى أن الأخير «صرح شفهيا بالأشياء التي كان كتبها سابقا».

وقال، في مؤتمر صحافي لمحامي الدفاع عن المتهمين بدر الدين وحسن عنيسي وسليم عياش: «ليس لدينا أي شيء يدل على محتويات الأحاديث التي يقول المدعي العام إنها تمت بين المتهمين، ولا شيء حسيا يثبت ما يقوله المدعي العام»، موضحا: «إننا لم نعرف بعد السبب وراء قتل رفيق الحريري». وأشار قرقماز إلى «أننا لسنا مسؤولين عن برهنة براءة المتهمين، فعبء الإثبات يقع على المدعي العام، أما الدوافع فقد تكون إجرامية إرهابية أو بالنسبة إلى الفرضية السياسية ربما يكون المتضررون من تقارب الحريري وحزب الله ولسنا المسؤولين عن التحري عن ذلك، ولعل الجريمة إرهابية». وتابع: «نحن نعمل وفقا لما قدمه الادعاء من قرار اتهامي، وواجبنا التحقق من مزاعم الادعاء والإثباتات التي قدمها، ويمكن أن نلفت نظر المحكمة إلى بعض الأمور التي تستدعي انتباها أكثر».

بدوره، قال محام ثان عن المتهمين إن «الأدلة التي يقدمها المدعي العام هي نظرية، ولم نر أي جديد، وليس هناك أي محكمة يمكنها أن تصدر إدانات بالاستناد إلى فرضيات». وقال المحامي ياسر حسن، وكيل عنيسي: «إذا كانت المسألة متعلقة بالاتصالات، فألفت النظر إلى أن أدلة الاتصالات تستخدم للمرة الأولى في الوطن العربي، والمحكمة تطبق الأدلة الظرفية وهي غير الأدلة الفنية المتعارف عليها في الدول العربية، والأدلة الظرفية قابلة لإثبات العكس». ورأى أنه «في ما يتعلق باغتيال الحريري فإننا نضعه في سياق تاريخي، فهو اغتيل عام 2005 ولكن ماذا حصل عام 2001؟ إذن الغاية تغيير نظام، فمن يريد اغتيال شخص لا يستخدم كل هذه المتفجرات، من هو صاحب المصلحة في تغيير النظام في لبنان؟ وهذا سؤال كبير». وأشار إلى أن «هذا الدفاع ليس موجها ضد المحكمة، بل هو وفق استراتيجية دفاعية بالاستناد إلى ملف أعده المدعي العام».