اندلاع جولة الاشتباكات الـ19 في طرابلس.. والحصيلة الأولية سبعة قتلى و39 جريحا

علوش: السلاح غير الشرعي يسمح بتوجيه الرسائل الدموية

لبناني على ظهر دراجته يمر بنقطة تفتيش أقامها الجيش عند المدخل الشمالي لمدينة طرابلس أمس (أ.ف.ب)
TT

دخلت الاشتباكات في الضاحية الشمالية لمدينة طرابلس يومها الثالث، أمس، موقعة المزيد من القتلى والجرحى، على وقع تصعيد الخطابات السياسية والاتهامات المتبادلة بين طرفي النزاع في باب التبانة (غالبية سنية) وجبل محسن (غالبية علوية). وارتفع عدد القتلى إلى 7 على الأقل، بينهم الطفل محمد دندن الذي أصيب في رأسه، في حين وصل عدد الجرحى إلى أكثر من 39، من دون أن يبدو أن ثمة اتفاقا ما يتبلور، يساعد في وقف المعارك.

وقرر الجيش اللبناني، وفي محاولة للتخفيف من حدة الاشتباكات التي تتوتر ليلا، انتشار عناصره، بدءا من السادسة من مساء أمس في مناطق القبة والبقار والريفا وجبل محسن، على أن يستكمل انتشاره صباح اليوم في التبانة وشارع سوريا والمناطق المحيطة، في حال نجاح المرحلة الأولى.

وشهد شمال المدينة معارك ضارية ليل الأحد حتى فجر أمس، ورد الجيش على المسلحين من الجهتين بقسوة، وكانت أصوات مضاداته التي يسهل تمييزها تدوي طوال الليل في سماء طرابلس. وقطعت الطريق الدولية التي تمر بمحاذاة باب التبانة بسبب كثافة رصاص القنص، كما أقفلت المدارس والجامعات أبوابها لعدم إمكانية التنقل.

ودارت المعارك الأكثر حدة على محاور الحريري والأميركان والبقار، بينما بقيت الحركة خجولة في مدينة طرابلس نظرا لخوف السكان من وصول الرصاص الطائش إلى خارج مناطق الاشتباكات، وقد طال بالفعل منطقة الزهرية وأحياء منطقة القبة الداخلية.

وعقد رجال دين في مقر «الجماعة الإسلامية»، في طرابلس، اجتماعا، ليل الأحد، لتدارس الأوضاع الأمنية المتردية، وطلب المجتمعون من «جميع قادة المجموعات المسلحة، وقف إطلاق النار فورا»، عادين هذه المعركة «معركة عبثية لا تخدم سوى النظام السوري وحلفائه في لبنان».

وصباح أمس، عقدت «هيئة العلماء المسلمين» اجتماعا أعلن على أثره الشيخ سالم الرافعي أن «الدولة تغطي على عيد وابنه رفعت (زعيما جبل محسن) للاستمرار في قصف المدينة، لأنهما يعلمان ألا رادع لهما». وطالب بـ«اعتقال المجرمين ومحاسبتهم»، محملا المسؤولية للدولة والجيش.

وبعد المؤتمر الصحافي مباشرة، توترت الأجواء بشكل ملحوظ وتعرضت دورية للجيش اللبناني لإطلاق رصاص كثيف في منطقة الملولة، أصيب خلاله أحد العسكريين بجروح. لكن الشيخ نبيل رحيم من هيئة العلماء المسلمين، الذي حضر الاجتماع، خفف من وتيرة تصريح الرافعي، وقال لـ«الشرق الأوسط» أمس: «هذه معركة عبثية ليست لصالح المدينة، ولا أهلها. لذلك، مطلوب من كل المسؤولين العمل على وقف إطلاق النار، وعدم ربط طرابلس بالخلافات السياسية الداخلية أو الخارجية».

وتابع رئيس حكومة تصريف الأعمال اللبنانية، نجيب ميقاتي، الوضع الأمني في طرابلس من خلال سلسلة اجتماعات واتصالات أجراها مع قائد الجيش العماد جان قهوجي وقادة الأجهزة الأمنية، داعيا إلى «ضرورة التشدد في التعاطي مع المخلين بالأمن وتوقيفهم ومنع التعرض للمواطنين الآمنين». وقال ميقاتي: «لقد تعبت طرابلس وأبناؤها من الأحداث العبثية التي يدفع ثمنها الأبرياء وتضرب اقتصاد المدينة ومقوماتها البنيوية، وينبغي الإسراع في تشكيل الحكومة لتمضي قدما في المعالجات الجذرية التي بدأناها لحل الأزمة المستعصية في طرابلس وإجراء المصالحات اللازمة».

وقال مصدر مطلع في باب التبانة، رافضا الكشف عن اسمه، لـ«الشرق الأوسط»، إن «المعارك اليوم لا تخدم أحدا وهي نتيجة صراع سياسي وأمني مرتبط بالحكومة التي يجري تشكيلها والمحكمة، وكلها رسائل دموية ليس لطرابلس فيها ناقة ولا جمل. لكن، مؤسف أن دماء الطرابلسيين وحدها هي الرخيصة في لبنان». وأضاف المصدر: «هناك انقسامات داخل باب التبانة نفسها. الجميع يريد التهدئة، لكن هناك خلافات حول من سيتحمل المسؤولية».

من ناحيته، قال عضو المكتب السياسي في «تيار المستقبل»، النائب السابق مصطفى علوش، لـ«الشرق الأوسط»، إن «السبب العام لاستمرار الأحداث الدامية التي تعيشها طرابلس هو السلاح غير الشرعي، الموجود مع مختلف الأطراف، الذي بات يستخدم في أي مناسبة لتوجيه الرسائل». ورأى أن «رد فعل الحكومة المستقيلة وقادة المحاور المرتبطين بها، يظهر مرارة تجاه الموقف الإيجابي الذي اتخذه الرئيس سعد الحريري، لتشكيل حكومة جديدة». وأضاف علوش شارحا: «أقول إن هذا من الممكن أن يكون سبب اندلاع المعارك، إذ ليس عندي إثباتات على ذلك، ولا عناصر مخابرات لأعرف تماما ما يدور على الأرض».

وكانت «باب التبانة»، المحسوبة بشكل أساسي على «تيار المستقبل»، قد شهدت تململا إثر إعلان رئيس الحكومة الأسبق، رئيس «تيار المستقبل»، سعد الحريري، قبوله تشكيل حكومة يشارك بها فريق «8 آذار». وأعلن عربي عكاوي، وهو ابن خليل عكاري، قيادي «تاريخي» بباب التبانة في سبعينات القرن الماضي، عرف باسم أبو عربي، وقاوم الجيش السوري في لبنان واغتيل عام 1985، أعلن في صفحته على «فيس بوك» انشقاقه عن فريق «14 آذار». وقال عربي عكاوي لـ«الشرق الأوسط» أمس: «لو صرفت الأموال التي دفعت للمنطقتين (جبل محسن والتبانة) ثمنا للرصاص والقذائف في التنمية وتعليم الناس وتشغيلهم، لكانت باب التبانة الآن، أفضل من دبي»، مشيرا إلى «تشكيل حركة سياسية جديدة، وحولي أناس هم أكثر عددا مما كنت أتوقع، ليست موجهة ضد أحد، ولكنها رد فعل واعتراض على قبول كل ما كانت قد رفضته (14 آذار) من قبل». وتساءل: «لماذا دفع أهل باب التبانة دماءهم طوال ثلاث سنوات، وهم يسمعون مقولات لم يطبق شيء منها؟»، موضحا في الوقت ذاته أنه يتحدث بصفته «عضوا في (المجلس البلدي)، وليس قائد مجموعة مسلحة، ولا علاقة له بالسلاح»، مؤكدا كذلك أن «انشقاقه عن (14 آذار) لا يعني على الإطلاق أنه انضم لفريق (8 آذار)».

ويرى علوش أن ما أعلنه عكاوي «رد فعل طبيعي ومنطقي، فالمواطن لا يستطيع أن يعرف بمفرده ما الذي يدور في الكواليس الدولية، والقاعدة الشعبية لـ(تيار المستقبل) بحاجة إلى تفسير الخطوة التي تمت، ولا بد من توضيح الخيارات أمام الرأي العام والتواصل مع القاعدة الشعبية». وعما إذا كانت لديه معلومات حول كيف ستتطور الأوضاع الميدانية في طرابلس، أجاب علوش: «لا نعرف ما هو أفق المعارك، ومن ثم من الصعب التنبؤ بما ستكون عليه الأوضاع على الأرض في الساعات المقبلة».