فرنسا تصف تصريحات الأسد بشأن سياستها بـ«الاستفزازية»

باريس ترد سياسيا ومصادرها تركز على أهمية «شد أزر المعارضة»

TT

وصفت باريس تصريحات الرئيس السوري بشار الأسد التي اعتبر فيها فرنسا «دولة تابعة» لقطر تحت تأثير «البترودولار» وأنها تنفذ السياسة الأميركية بأنها «تصريحات استفزازية»، لكنها رفضت الرد عليها. وقال الناطق باسم الخارجية رومان نادال إن بلاده «لا تعلق على هذا النوع من الاستفزازات».

بيد أن الرد الفرنسي لم يتأخر لكنه جاء سياسيا ومزدوجا: فقد شدد الرئيس فرانسوا هولاند وبشكل قاطع، بمناسبة زيارته إلى لاهاي (هولندا)، على أمرين متلازمين: الأول، أن غرض مؤتمر «جنيف2» للسلام في سوريا: «لا يمكن أن يكون إلا من أجل تحقيق عملية الانتقال السياسي وليس أمرا آخر». والثاني، رفض الخضوع للأمر الواقع وقبول إيران على طاولة المؤتمر «إلا بشرط قبولها الكامل» لمضمون بيان «جنيف1» وتحديدا قيام حكومة انتقالية تعود إليها كافة الصلاحيات التنفيذية. وأضاف وزير الخارجية لوران فابيوس شرطا إضافيا بمطالبته بموقف إيراني «علني» بهذا الخصوص ما يعد ردا على أمين عام الأمم المتحدة الذي نقل ليل الأحد - الاثنين استعداد طهران «الكامل» للتعاون.

وترى مصادر دبلوماسية في باريس أن التشدد غرضه «شد أزر المعارضة السورية» من جهة وتلافي انهيار المؤتمر من جهة أخرى بسبب الرفض المطلق للائتلاف الجلوس على طاولة واحدة مع ممثلي إيران. وبنظر هذه المصادر، فإن المعارضة في «أمس الحاجة اليوم» لموقف حازم من قبل أصدقائها في «المجموعة الأساسية» لأصدقاء الشعب السوري حتى لا تشعر أنها وحيدة بينما النظام يريد تحويل غرض المؤتمر إلى «مكافحة الإرهاب».

ويعكس هذا الجدل، وفق مصادر دبلوماسية غربية تحدثت إليها «الشرق الأوسط» في باريس «الهوة السحيقة» بين الطرفين والفريقين الداعمين لهما و«الصعوبات الكبيرة» التي سيواجهها المؤتمر وراعياه والأطراف المعنية بصيرورته في إحداث اختراق ما بسبب أهداف الطرفين المتناقضة وتطورات الوضع الميداني.

لكن الأطراف الغربية والعربية الداعمة للائتلاف ولضرورة حضوره المؤتمر ترى أن انطلاقته «يمكن أن توفر دينامية دبلوماسية وسياسية بالغة الأهمية» تدفع باتجاه حل متفاوض عليه بناء على خريطة الطريق التي أقرها مؤتمر جنيف1 من جهة كما أنها، من جهة أخرى، ستضع النظام ومعه حلفاؤه أمام «اختبار الحقيقة» لجهة قبولهم فعلا الأساس الذي قامت عليه دعوة المؤتمر للانعقاد ولجديتهم في العمل لترجمتها إلى إجراءات وحلول.

وكشفت مصادر دبلوماسية في باريس بعض ما دار بين وزير الخارجية الأميركي جون كيري وقادة الائتلاف في باريس نهاية الأسبوع الماضي إذ نبه كيري إلى أن تأجيل المؤتمر «غير ممكن بتاتا» وأن عدم انعقاده في موعده «يعني دفنه نهائيا». فضلا عن ذلك، قال كيري إن رفض المعارضة المشاركة «سيسيء إلى صدقية الولايات المتحدة»، كما أنه «سيضعها في موقف صعب» إزاء روسيا، الشريك الآخر، لأنها التزمت بحث الائتلاف على القبول. والخلاصة أن كيري أبلغ المعارضة أنه «سيكون من الصعب عليه» الاستمرار في دعمها إذا «خذلته». وأبلغ كيري رئيس الائتلاف أحمد الجربا وبعض المسؤولين العرب الذين كانوا في باريس نهاية الأسبوع الماضي أنه «سيعمل على تلبية بعض طلبات المعارضة» من خلال الضغط على نظيره الروسي سيرغي لافروف بخصوص إيصال المواد الغذائية وتبادل المحتجزين والتوصل إلى هدنات «محلية» كما في حلب مثلا. ومن الأمور التي وعد بها موافقة واشنطن على أن تتولى قوة دولية تحت سلطة مجلس الأمن الدولي الإشراف على حسن تنفيذ اتفاق قد يجري التوصل إليه ميدانيا. وهذا الوعد يستجيب لأحد طلبات المعارضة التي كانت تتحجج بغياب أي آلية دولية ذات صدقية لضمان تنفيذ ما قد يجري التوافق عليه.

وتتوقع المصادر الدبلوماسية الغربية «مفاوضات بالغة الصعوبة» في حال لم يفترق المتفاوضون سريعا بسبب تباعد المواقف ولكونها «المرة الأولى» التي يجد فيها النظام والمعارضة نفسيهما وجها لوجه وعلى طاولة المفاوضات.