مخاض المفاوضات في جنيف غدا.. واجتماع مونترو ينتهي من دون رؤية واضحة

الزعبي يؤكد بقاء الأسد.. والمعارضة تطالب باحترام «جنيف1»

رئيس الائتلاف السوري المعارض أحمد الجربا يتحدث.. والأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون والمبعوث الدولي إلى سوريا الأخضر الإبراهيمي يتوسطان الوفدين الأميركي والروسي.. ووزير الخارجية السوري وليد المعلم يستمع لكلمة في الجلسة الافتتاحية لمؤتمر مونترو الممهد لـ«جنيف 2» (إ.ب.أ)
TT

يواجه وفدا الحكومة والمعارضة السورية غدا معضلة المفاوضات التي تنطلق من جنيف بعد اجتماع مونترو الوزاري، الذي اختتم أعماله عصر أمس بتشديد دولي على ضرورة التوصل إلى حل سياسي للأزمة السورية. وبرعاية الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون، اجتمعت 39 دولة وثلاث منظمات دولية أمس مع وفدي الحكومة والمعارضة السورية لدعم عملية التفاوض التي سيشرف عليها مبعوث الأمم المتحدة والجامعة العربية الأخضر الإبراهيمي وفريقه.

وعلى الرغم من أن عقد اجتماع «جنيف2» بحد ذاته أمس يعتبر إنجازا بعد أن مر أكثر من عام ونصف العام من دون اتفاق دولي على الاجتماع لبدء عملية سياسية لحل الأزمة السورية، إلا أن الاجتماع لم يخرج برؤية واضحة حول كيفية إجراء المفاوضات بين الطرفين السوريين أو آلية تطبيق بيان «جنيف1» الذي ينص على ضرورة تشكيل حكومة انتقالية سورية، بناء على التوافق بين الحكومة السورية والمعارضة. ولكن وفد الحكومة السورية سعى إلى جعل النقاش حول «مكافحة الإرهاب»، وهو أمر رفضه وزير الخارجية الأميركي جون كيري بشدة قائلا: «صواريخ سكود التي تضرب المدنيين ليست من الإرهابيين»، في إشارة إلى تورط الحكومة السورية في استهداف المدنيين.

ودعا الأمين العام للأمم المتحدة أن يكون عقد المؤتمر «انطلاقة جديدة لسوريا»، مشددا على أن «العالم يريد نهاية سريعة للنزاع وحلا سياسيا»، مضيفا أن المفاوضات لن تكون «سهلة ولكننا ملتزمون بدعم السوريين للتوصل إلى حل». وتابع: «الوقت قد حان للتفاوض، وعلى السوريين حماية بلادهم وتأمين مستقبل أطفالهم»، مؤكدا: «الهدف واضح، التطبيق الكلي لبيان (جنيف1)، المدعوم بقرار مجلس الأمن 2118، مما يشمل نقل السلطة لآلية حكم انتقالية».

وافتتح بان المؤتمر بكلمة مقتضبة قال فيها: «نعرف جميعا أن هذا المسار كان صعبا ومضنيا»، معترفا أن «العالم منقسم حول النزاع».

ومن المتوقع أن تبقى وفود دبلوماسية من الدول المعنية بالملف السوري في جنيف خلال الأيام المقبلة للتشاور مع وفد الحكومة السورية والمعارضة على هامش المفاوضات التي تنطلق غدا. ويذكر أن الأمم المتحدة أصرت على عدم مشاركة أي طرف آخر في المفاوضات بشكل مباشر، ولكن سيكون لتلك الدول نفوذ من خلال المشاورات الجانبية.

وأوضح الأخضر الإبراهيمي في مؤتمر صحافي مساء أمس أن «الفكرة الأولية كانت تحدد الوفود المفاوضة في ديسمبر (كانون الأول) الماضي للتعرف على طريقة تفكيرهم ولكن مع الأسف لم يحدث ذلك». وأضاف: «لذلك سألتقي بهما على حدة، هل ندخل في المفاوضات المباشرة فورا يوم الجمعة أم أتفاوض مع الطرفين كل على حدة». وأوضحت مصادر غربية لـ«الشرق الأوسط» أنه من المرجح أن تكون المفاوضات في قاعتين منفصلتين، واحدة لوفد الحكومة السورية مع الإبراهيمي والثانية للمعارضة السورية مع الإبراهيمي بهدف تقريب وجهات النظر قبل جمع الطرفين بغرفة واحدة. وأضافت المصادر أن انعدام الثقة الكلي بين الطرفين يجعل من الصعب جمع الوفدين مباشرة. وأوضح الإبراهيمي: «نحن مدركون إدراكا كاملا أنه لا يوجد أمر سهل.. ولكن خطوة مهمة أن الطرفين جاءا إلى المؤتمر وجلسا في قاعة واحد طول النهار».

وقبل بدء رؤساء الوفود الـ39 المشاركة في اجتماع أمس، أتاح بان كي مون فرصة للوفدين السوريين لإلقاء كلمة توضح موقفيهما. وخصص وزير الخارجية السوري وليد المعلم خطابه للحديث عن «مكافحة الإرهاب»، من دون الاعتراف بوجود معارضة داخلية أو حتى نقل السلطة في البلاد.

وفي تصريح مثير، أعلن وزير الإعلام السوري عمران الزعبي أمس أن «الأسد لن يرحل، الأسد لن يرحل» أمام الصحافيين في المركز الإعلامي لمؤتمر مونترو.

وفي خطابه أمام المؤتمر، قال المعلم: «مشاركون هنا أيديهم ملطخة بالدم»، قبل أن يحاول أن يقلل من فعالية المعارضة التي اتهمها بأنها «منقسمة وتوحدها إسرائيل»، قبل أن يبدأ بمهاجمة دول في المنطقة ويعتبر أن «إرهابيين ومقاتلين» أجانب من «83 دولة» هم الذين يقاتلون ضد النظام.

وكان من اللافت أن المعلم خاطب كيري مباشرة في المؤتمر، قائلا له: «لا أحد في العالم - سيد كيري - يملك إضفاء الشرعية أو منعها لرئيس أو حكومة أو دولة»، قبل أن يعلن أن «أي أمر يتم الاتفاق عليه سيوضع أمام استفتاء للشعب السوري».

وشهدت الجلسة الافتتاحية للمؤتمر مشادة بين المعلم، الذي ترأس الوفد السوري، والأمين العام للأمم المتحدة بعد أن رفض المعلم تكرارا مطلب بان بالالتزام بعشر دقائق فقط للخطاب السوري. ولكن المعلم استمر لمدة عشرين دقيقة، وطرق بان جرسه مرتين لتذكير المعلم بالوقت، ولكنه تجاهل بان كي مون وواصل خطابه. وعلى الرغم من دق الجرس ثلاث مرات لإعلام المعلم أنه زاد عن الوقت المحدد لخطابه، استمر المعلم، الذي قاطعه مون طالبا منه احترام الوقت بعد مرور عشرين دقيقة. وقال المعلم «أنت تسكن في نيويورك، أنا أسكن في سوريا، من حقي الحديث، لقد استغرقت رحلتي هنا 20 ساعة». وعندما طلب بان من المعلم الاختصار مجددا، قال الوزير السوري: «دقيقة واحدة»، فرد الأمين العام «أرجو الالتزام بوعدك بدقيقة»، قال المعلم: «سوريا دائما تفي بوعودها»، ليستمر في خطابه لثلاثة دقائق إضافية.

وبعد خطاب المعلم، طلب بان كي مون من رئيس الائتلاف الوطني السوري أحمد الجربا بأن «يقدم مثالا مختلفا» وأن «يقود من خلال النموذج الأفضل، وأن تبني على جو بناء بدلا من الاتهامات»، في إشارة إلى المعلم. وهذا ما فعله الجربا في خطاب مقتضب، قال فيه إن «السوريين يعرفون الإرهابيين جيدا»، في إشارة إلى إرهاب الدولة. وتساءل: «كم سنة على السوريين أن يصبروا؟ لقد تحولنا إلى شعب من الشهداء يشيعون شهداء». وتحدث الجربا عن التقارير وصور التعذيب ليحمل صورة فيها مثال على التعذيب، ولكنه أوضح: «إننا جئنا لننجز حلا سياسيا، لا وقت لدينا أن نضيعه، القرار الأممي 2118 الذي أسس لمؤتمر جنيف قرارا تاريخيا وفرصة حقيقية لإنجاز قرار سياسي ينجي سوريا من شلالات من الدم». وتحدث عن «مرتزقة» النظام السوري ووجه اتهامات لحزب الله.

وطالب الجربا من المجتمعين بالضغط على النظام السوري للإقرار ببيان «جنيف1» ولكن لم يحدث ذلك خلال المؤتمر. وصرح الجربا: «إننا نوافق بشكل كامل على مقررات (جنيف1) ونريد أن نتأكد إذا لدينا شريك سوري (في إشارة إلى وفد النظام) وأدعوه إلى توقيع (جنيف1) بشكل فوري الآن أمامكم - نريد شريكا سوريا، وفد سوري وليس وفد بشار الأسد».

وأقر جميع المجتمعين أن بيان «جنيف1» هو أساس الاجتماع، ما عدا وزير الخارجية السوري. وكان وزير الخارجية الأميركي جون كيري موضحا في خطابه، قائلا بأن «لا مكان للأسد في مستقبل سوريا». وأضاف: «لا يمكن للرجل واحد أن يبقي البلاد أو المنطقة رهينة لبقائه». وأوضح: «نرى خيارا واحدا فقط وهو تشكيل حكومة انتقالية مبنية على التوافق المتبادل.. يعني أن تلك الحكومة لا يمكن أن تشكل إذا رفض طرف أو آخر أحد الأعضاء - ذلك يعني أن بشار الأسد لا يمكن أن يكون جزءا من الحكومة».

من جهته، قال وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف إن «القرار يجب أن يكون قرار السوريين»، مشددا على دور المجتمع الدولي في دعم العملية السياسية ولكن لابد أن يكون القرار سوريا. وأضاف: «لا يمكن أن يكون بيان (جنيف1) مفتوحا لتفسيرات، القضية واضحة فيجب التوصل إلى اتفاق مبني على الاجتماع المتبادل». وحرص لافروف على الإشارة إلى إيران مباشرة واعتبار أنه من الأفضل إشراك طهران في العملية السياسية.

أما ممثلة الاتحاد الأوروبي للشؤون الخارجية كاثرين أشتون اعتبرت ما تمر به سوريا «فريدا من نوعه»، موضحة أن «في مصلحة جميع السوريين حل هذه الأزمة».

ولفت وزير الخارجية العراقي هوشيار زيباري في تصريحات لـ«الشرق الأوسط» إلى أن عقد المؤتمر بهذه المشاركة الدولية الواسعة نجاح للعملية السياسية ولكن هناك قضايا أساسية يجب الاتفاق عليها للتقدم». وأضاف: «الطرفان الآن يخاطبان الرأي العام الخاص بمؤيديهم، لذلك نرى وتيرة المواقف متشددة، ولكن ربما في غرف التفاوض ستكون مختلفة». وتابع أن ذلك «سيستغرق وقتا» ولكن بدء العملية السياسية أمس كانت علامة مهمة.

ورأت المعارضة السورية بهية مارديني أن المعارضة أخذت دعما مهما في الاجتماع. وقالت لـ«الشرق الأوسط»: «النظام أظهر أنه غير جاء في السعي إلى حل سياسي.. ومؤتمر (جنيف 2) أثبت أهمية العمل على تأسيس هيئة حكومة انتقالية، ولا يمكن تأجيل الأمر، فالنظام السوري يعيش الآن في غيبوبة». وانتقدت مارديني خطاب المعلم، التي اعتبرت أنه «نقل تشبيح الشارع لتشبيح الأروقة الدبلوماسية».