حراك سياسي لتدارك الوضع المتوتر في طرابلس.. والمسلحون يهددون بالأسوأ

الجيش يسمي المتورطين بإطلاق النار على مراكزه وجرح ثمانية من عناصره توفي أحدهم لاحقا

TT

تكثفت المساعي السياسية، أمس، لتدارك الوضع الأمني المتوتر في مدينة طرابلس، شمال لبنان، بعد مرور خمس من المعارك الضارية في الضاحية الشمالية للمدينة بين جبل محسن (غالبية علوية) وباب التبانة (غالبية سنية)، غابت عنها الاجتماعات السياسية ومحاولات التهدئة.

وأتى الاجتماع الذي ترأسه رئيس حكومة تصريف الأعمال، نجيب ميقاتي، في منزله ظهر أمس بحضور قادة أمنيين ومشايخ طرابلس وفعالياتها وعدد من نوابها ووزرائها، بعد ليلة من الاشتباكات العنيفة انتهت صباح أمس بأكثر من هجوم على الجيش اللبناني، ما استدعى ردا عنيفا، ترددت أصداؤه في كل أنحاء المدينة، بالتزامن مع مغادرة التلامذة إلى المدرسة. وأسفر التوتر الصباحي عن تعليق الدروس مجددا في المؤسسات التي كانت تنوي استئناف الدراسة. وخرج ميقاتي من الاجتماع ليعلن أن «التجييش كبير، وعلينا وضع حد له وإعادة الثقة بين الأهالي والجيش»، لافتا إلى أن «الآراء متفقة على أن الحرب الدائرة عبثية ولن توصل إلى أي نتيجة، وعلينا أن نعمل لبناء الثقة بين الأهالي والقوى الأمنية كافة». وأوضح أن هناك «إدانة كبيرة من كل فعاليات المدينة ومشايخها للتعرض للجيش اللبناني، مع التأكيد أن التعاون مع الجيش سيكون مثمرا». وأشار إلى الاتفاق «على سلسلة إجراءات تعيد إلى المدينة حياتها الطبيعية، انطلاقا من التفاهمات الحاصلة والكلام الإيجابي الذي نسمعه من كل الفئات».

وقال الشيخ رائد حليحل، عضو «هيئة العلماء المسلمين»، الذي حضر الاجتماع لـ«الشرق الأوسط»: «ركزنا على التهدئة واتخاذ خطوات عملية لتثبيت الهدنة. ونحن منذ البدء كان هذا مطلبنا. وما شددنا عليه هو ضبط الخروقات التي نعتقد أن طرفا ثالثا قد يكون هو المتورط بها».

وكانت قيادة الجيش اللبناني، وبعد إصابة 8 عسكريين بإطلاق نار صباح أمس على آلياتهم من مسلحين من باب التبانة، أعلنت «تعرض ناقلة جند تابعة للجيش في محلة الملولة لسقوط قذيفة صاروخية مصدرها محلة التبانة - حي البازار من مسلحين بإمرة المدعو طلال عيسى، نتج عنه جرح ثلاثة عسكريين إصابة اثنين منهم خطرة». وتابعت في بيان أصدرته: «كما تعرضت آلية مماثلة عند مستديرة أبو علي لإطلاق نار مصدره المحلة نفسها، ما أدى إلى إصابة أحد العسكريين بجروح، كذلك أقدم مسلحون متمركزون في المحلة المذكورة - سوق الخضار، ينتمون إلى مجموعة المدعوين محمود الحلاق (الملقب أبو خليل) ومحمد ومصطفى النحيلي، على إطلاق قذيفة صاروخية باتجاه دورية تابعة للجيش أسفر عن إصابة أربعة عسكريين بجروح». ومساء أمس، نعت قيادة الجيش المجند حسين حمد سعد الدين وقالت: إنه توفي عصرا متأثرا بجراح أصيب بها خلال تنفيذ مهمة أمن في طرابلس.

وفي حين ردت قوى الجيش على «مصادر النار بالمثل وتعقبت مطلقي النار لتوقيفهم وإحالتهم إلى القضاء المختص»، نفى الشيخ حليحل أن «يكون مطلقو النار على الجيش معروفين، واتهم طرفا ثالثا بأنه يؤجج الفتنة بين الطرفين».

ويبدو أن قرار الجيش في تعقب من أصابوا 8 عسكريين لم يعجب عددا من المسلحين في باب التبانة، الذين وزعوا رسالة عبر صفحات موقع «فيس بوك» وخدمة «واتسآب»، برغم دعوات التهدئة التي صدرت من فعاليات في باب التبانة ومن اجتماع الرئيس ميقاتي، طالبوا فيها السكان بإخلاء منازلهم القريبة والمواجهة لجبل محسن. وقالوا في رسالتهم: «الليلة (الأربعاء - الخميس) ستكون عنيفة غير الليالي التي مضت وسوف تكون التبانة والريفا والمنكوبين والبقار ومشروع الحريري جاهزين للضرب بعنف ويرجى من العائلات المواجهة لجبل محسن الابتعاد حرصا من رد فعل أعدائنا».

وبذلت محاولات من فعاليات التبانة لتهدئة النفوس بعد ظهر أمس، إلا أن المجتمعين لم يصلوا إلى نتيجة، وتقرر عقد اجتماع، في مسجد حربا في باب التبانة بعد العشاء لتدارس الوضع، مما ترك الساحة مفتوحة لكل الاحتمالات حتى ساعات الليل، خصوصا أن أهل الجبهة الواحدة باتوا منقسمين على أنفسهم. ولم تتردد عائلات كثيرة في النزوح باتجاه منطقة الضنية الجبلية، تحسبا لليلة قد تكون كما هدد المسلحون أسوأ من سابقاتها.

وأعرب عدد من المسلحين الذين رفضوا التهدئة، خشيتهم من سحب الغطاء عنهم، بعد الحديث التلفزيوني الذي أدلى به رئيس الوزراء الأسبق سعد الحريري، معتبرا أن من يطلق الرصاص في طرابلس، يتوجب على الجيش التعامل معه.

ووزع مسلحون مجهولون تسجيلا مصورا، تناقلته مواقع التواصل الاجتماعي، ظهر فيه ملثمون يهددون بإعلان يوم غضب يهاجمون خلاله مكاتب «تيار المستقبل» في طرابلس وإحراقها في حال تم التعرض لمن وصفوهم «أبناء طرابلس الذين استهدفهم انفجارا السلام والتقوى».

وتعد جولة الاقتتال هذه التاسعة عشرة التي تندلع بين جبل محسن وباب التبانة منذ عام 2008. من دون أن يتمكن المسؤولون اللبنانيون في الحكومات المتعاقبة منذ ذلك التاريخ، من وضع حد لها. وكانت الجولة الحالية قد اندلعت مساء الجمعة الماضي، بعد اعتداء على شابين من جبل محسن، أودى بحياة أحدهما. وتعيش طرابلس حالة من الشلل شبه التام بسبب المعارك الحالية، وتتوقف الدراسة في الجامعات والمدارس، في حين وصل عدد القتلى إلى 9 والجرحى إلى 80 شخصا، وتحصد المعارك يوميا بيوت الآمنين ومحلاتهم التجارية التي تأكلها النيران.