المؤامرات تهيمن مجددا على الجدل السياسي في تركيا

إردوغان يتهم جمعية فتح الله غولن بالتخطيط ضده

جانب من مظاهرة لأنصار رئيس الوزراء التركي رجب طيب إردوغان يهتفون له ولحزبه خلال تجمع انتخابي في أنقرة أمس (رويترز)
TT

استحضر الصراع الحاد بين رئيس الوزراء الإسلامي التركي رجب طيب إردوغان والمنظمة الدينية التي يتهمها بالسعي إلى تسريع سقوطه، كل نظريات المؤامرة التي تعد من تراث الحياة السياسية في تركيا. فمنذ شهر، يصف رئيس الحكومة حركة الداعية الإسلامي فتح الله غولن بأنها «دولة في الدولة» و«منظمة إجرامية» و«عصابة». ويتهم هذه الحركة القوية جدا والغامضة بالتسلل إلى أجهزة الشرطة والقضاء للتسبب في سقوطه عبر تحقيق واسع حول مكافحة الفساد. وفي كل خطاباته، يحرص إردوغان على الكشف عن «طموحات ورغبات هذه المنظمة» أو عن «إمبراطورية الخوف» التي تسعى إلى إقامتها.

ووقف جميع أعضاء الحكومة وقفة رجل واحد خلف رئيس الوزراء مكررين مقولة «مؤامرة 17 ديسمبر (كانون الأول) الماضي» التي حيكت «في داخل وخارج» تركيا، حسبما نقلت وكالة الصحافة الفرنسية. وتدلي الصحافة القريبة من النظام بدلوها في هذا الأمر، وتنشر على صفحاتها «الأدلة» عن المؤامرة. وحرصت صحيفة «صباح» على نشر «تفاصيل مذهلة» لتسجيلات عن محادثات هاتفية بين غولن وبعض من كبار الشخصيات في البلاد. وتزداد التكهنات في تركيا. فالتحقيقات الجارية التي تستهدف عشرات من المقربين من النظام، تتمحور حول مبيعات غير قانونية من الذهب إلى إيران أو عن رشى دفعت خلال صفقات عامة.

وقال أستاذ العلوم السياسية جنكيز اكتر من جامعة صبنجي الخاصة في إسطنبول إن «نظريات المؤامرة تلقى رواجا كبيرا في تركيا»، مشيرا إلى أنه «في كل المجتمعات المغلقة، تحل الشائعات حيث هناك نقص في المعلومات».

وفي يونيو (حزيران) الماضي، قال رئيس الوزراء إن المتظاهرين الذين كانوا يطالبون باستقالته، يحركهم «تحالف مصالح» يعارض التقدم الذي تحرزه البلاد. لكن كلامه لم يقنع أحدا. لكن صورة خصمه تعطي هذه المرة على ما يبدو مزيدا من الأهمية لاتهاماته.

وقال الباحث نهاد علي أوزجان (من جامعة الاقتصاد والتكنولوجيا الخاصة) إن «إردوغان رئيس حزب سياسي. وهو معروف ويتمتع بالشرعية، أما حركة غولن فليست شفافة وحدود تنظيمها غامضة جدا». ويذكر أن غولن (73 سنة) أقام من مقر قيادته في الولايات المتحدة شبكة واسعة من المدارس والمؤسسات ووسائل الإعلام التي تبث الثقافة التركية في العالم أجمع. وتعلن حركته أن عدد أنصارها يبلغ الملايين، مشيرة إلى امتداد نفوذها إلى أوساط رجال الأعمال والشرطة والقضاء. ويقول المتحدثون الرسميون باسمها، إن الحركة لا سعي إلى أي منصب سياسي. ومن هؤلاء نائب رئيس نقابة الصحافيين والكتاب جمال أوساك الذي قال «ما زلنا نرفض إصدار أي تعليمات سياسية».

لكن الحرب بين الإخوة التي تمزق الأكثرية الإسلامية المحافظة في البلاد، يمكن أن تغير المشهد عشية الانتخابات البلدية في مارس (آذار) والرئاسية في أغسطس (آب) المقبلين. ويرى بيرم بلجي (مؤسسة كارنيغي) إن «الحركة تدعي منذ سنوات أنها لا تبالي بالسياسة ولا تهتم إلا بالسلام والحوار بين الأديان لكننا نرى اليوم أنها نشطة جدا في صفوف الشرطة والقضاء». وأضاف أن «هذا الجانب الغامض سيسيء إلى سمعة الحركة». كذلك يعرب جيم فيليبس المتخصص في شؤون الشرق الأوسط في مؤسسة هيريتدج فاونديشن الأميركية المحافظة عن رأي مخالف، ويقول «أعتقد أن الحركة لا تشكل تهديدا كبيرا لتركيا... وإردوغان يبالغ فقط لحرف اهتمام الرأي العام عن الفضيحة التي تستهدف حكومته».

وحقا يسخر منتقدو إردوغان في تركيا من هذا الخطاب «التآمري» ويعتبرون كلامه ذرا للرماد في العيون. لكن البعض يعرب عن قلقه أيضا منهم الصحافي الشهير حسن جمال الذي يقول «على غرار الاتهامات بـ(الشيوعية) خلال الحرب الباردة و(الإسلامية) خلال الانقلاب العسكري في 1997، فإن الاتهامات الموجهة إلى غولن تعرض للخطر الديمقراطية في تركيا».

من جانب آخر، وعلى صلة بالموضوع، واصلت الحكومة التركية أول من أمس عملية التطهير التي تقوم بها في أجهزة الشرطة فأقالت أو فصلت أكثر من 160 من عناصرها في مدينة بورصا (شمال غرب البلاد) بعد شهر من كشف فضيحة فساد شملت مقربين من النظام. وتأتي عملية التطهير هذه غداة عملية أخرى استهدفت نحو 600 شرطي في المدن الكبرى الثلاث أنقرة وإسطنبول وأزمير، ونحو مائة من كبار القضاة والمدعين في كل أنحاء البلاد.

ويتبين من إحصاء للصحافة التركية أن نحو 2500 شرطي قد عوقبوا منذ منتصف ديسمبر (كانون الأول) مع كشف فضيحة فساد شوهت سمعة إردوغان. وبعد الاعتقالات التي شنتها الشرطة في 17 ديسمبر، وجه القضاء التركي التهمة أو أمر بسجن عشرات الشخصيات القريبة من السلطة للاشتباه بقيامها بعمليات فساد وتزوير وتبييض أموال. وأدت هذه العملية إلى استقالة ثلاثة وزراء وإلى تعديل حكومي واسع. منذ ذلك الحين دأب إردوغان على اتهام حلفائه السابقين في جمعية غولن بالتلاعب بهذه التحقيقات في إطار «مؤامرة» ترمي إلى التسبب بسقوطه عشية الانتخابات البلدية والرئاسية. ومن أجل استعادة السيطرة على القضاء، أودعت الحكومة البرلمان أيضا إصلاحا مثيرا للجدل يناقش في الوقت الراهن على أن يجري التصويت عليه الجمعة من حيث المبدأ.