بداية بطيئة للمفاوضات السورية.. والإبراهيمي يتوقع «مطبات»

وفدا الحكومة والمعارضة يجتمعان اليوم في جلستين.. والقضايا الإنسانية مطروحة للنقاش

المبعوث الدولي والعربي الأخضر الإبراهيمي في المؤتمر الصحافي بعد اليوم الأول من المفاوضات مع الوفد الحكومي السوري والمعارضة السورية (إ.ب.أ)
TT

انطلقت عملية التفاوض الشاقة بين الحكومة والمعارضة السورية في جنيف أمس، لتكون أولى نتائجها إعلان مبعوث الأمم المتحدة والجامعة العربية الأخضر الإبراهيمي موافقة الوفدين السوريين على الجلوس في قاعة واحدة لبحث أجندة محادثات السلام. وبعد أن اجتمع الإبراهيمي مع الوفدين السوريين كل على حدة أمس، أعلن المبعوث الدولي والعربي «سنلتقي مع وفدي الحكومة والمعارضة السورية في نفس القاعة» اليوم.

ومن المتوقع أن تكون هناك جلستان اليوم، الأولى في الواحدة صباحا، وأخرى في العصر، على أن تستمر المفاوضات غدا أيضا. وكانت بداية المفاوضات بطيئة، إذ إنها ترتكز في مرحلتها الأولى على آلية التفاوض نفسها، ووضع أجندة، قبل الدخول في التفاصيل السياسية. لكن مع ذلك، توقع الإبراهيمي حدوث «مطبات» خلال المرحلة المقبلة، بيد أنه شدد على أهمية استمرار العملية السياسية للخروج بحل للأزمة السورية بعد طول انتظار.

وشهد يوم أمس تقلبات في التوقعات من المحادثات، فبعد أن اتفق الإبراهيمي الليلة قبل الماضية مع ممثلي الحكومة السورية والمعارضة على اجتماع ثلاثي صباح أمس في الساعة الحادية عشرة صباحا، جرى إلغاء اللقاء ليصبح لقاء ثنائيا بين الإبراهيمي ووفد الحكومة السورية بقيادة وزير الخارجية وليد المعلم في الحادية عشرة صباحا، ثم التقى مع وفد المعارضة في الساعة الرابعة عصرا. وأفادت مصادر مطلعة على مجرى المفاوضات بأن اللقاء الثلاثي ألغي أمس بطلب من المعارضة السورية، إذ لم يكن وفدها مهيأ لبدء المفاوضات المباشرة.

وبعد مشاورات بين أعضاء بارزين من المعارضة السورية واتصالات مع دبلوماسيين من مجموعة الـ11 الأساسية، وافق وفد المعارضة على بدء التفاوض الثلاثي اليوم. وجرى تأكيد عدم ترأس رئيس الائتلاف السوري المعارض أحمد الجربا وفد المعارضة، وقال الإبراهيمي إن «الجربا أتى كرئيس لوفد المعارضة إلى اجتماع مونترو الوزاري، ولدى المعارضة رئيس (مختلف) للوفد المفاوض، وهذا الأمر لا يقلقنا».

وبعد أن تناقلت بعض وسائل الإعلام أنباء عن إمكانية انسحاب الجربا، حذر الإبراهيمي من المبالغة في تفسير تأخر المفاوضات الثلاثية ليوم واحد، قائلا في مؤتمر صحافي أمس «بعد أن التقى وزيرا الخارجية الأميركي جون كيري والروسي سيرغي لافروف في مايو (أيار) الماضي، بدأنا الحديث عن عملية السلام، ولم نتوقع أن تكون عملية سهلة، علمنا أنها ستكون صعبة ومعقدة». وأضاف «في عملنا (الدبلوماسي) هذا، اليقين نادر»، مشيرا إلى إمكانية إحداث تغييرات أخرى لاحقا.

ومن المتوقع أن تكون جلسات اليوم مركزة على آلية التفاوض ووضع إطار لها. وقال الإبراهيمي «أول جلسة لنضمن أننا نفهم ما نقوم به مما نأمل أن يسهل الأمور لاحقا»، مضيفا «نستخدم محادثات لتسهيل الأمور». وسعى الإبراهيمي إلى تقليل التوقعات حول سرعة أو سلاسة سير المفاوضات «آمل أنها بداية جيدة، وآمل أن نتواصل إلى نهاية الأسبوع المقبل»، متوقعا وقف المفاوضات لبضعة أيام بعدها «ليعود الناس إلى ديارهم» قبل استئنافها لاحقا.

ووصف الإبراهيمي اللقاءات الأولى مع وفدي النظام والمعارضة بأنها «مشجعة»، مؤكدا أن المفاوضات ستستمر خلال عطلة نهاية الأسبوع. وبينما بدأ الإبراهيمي مؤتمره الصحافي بالتأكيد على أن «العملية كلها مبنية على بيان (جنيف 1) ليوم 30 يونيو (حزيران) 2012، والطرفان يعلمان ذلك ويقبلان به». وأضاف «هذا أساس مشاوراتنا.. وسنطبق قرار مجلس الأمن 2118، والطرفان يقبلان ذلك». وردا على سؤال حول ما إذا كانت المعارضة السورية رفضت التفاوض مباشرة مع وفد الحكومة إلى حين إعلان قبولها مبدأ تنحي الرئيس بشار الأسد، قال الإبراهيمي إن الاجتماع في جنيف «من غير شروط مسبقة والأساس هو بيان 30 يونيو 2012».

بيد أنه عندما سأله صحافي بشأن ما إذا كان الطرفان قد أكدا بجملة واضحة ومفيدة الالتزام بـ«جنيف 1»، وكل ما يعنيه البيان، أي نقل السلطة إلى حكومة انتقالية، ابتسم الإبراهيمي وقال «إنه سؤال جيد». ويسعى الإبراهيمي إلى مواصلة المفاوضات مع الوفدين السوريين، وأن يجمعهما في غرفة واحدة، حتى وإن كان وفد الحكومة السورية يمتنع عن الإعلان عن موافقته على نقل السلطة إلى حكومة انتقالية متفق عليها من الطرفين. وصرح نائب وزير الخارجية السوري فيصل مقداد للصحافيين قبل لقائه الإبراهيمي مع الوفد السوري صباح أمس «نوافق على (جنيف 1)، وإلا لم نكن لنأت إلى هنا»، ولكن عند سؤاله عما إذا كان يعني ذلك تخلي الرئيس الأسد عن السلطة قال إن هذه «أحلام»، وإن الأمر مرفوض من قبل الحكومة السورية.

ويبدو أن الإبراهيمي لا يريد أن يدخل في تفاصيل ما يعنيه بيان «جنيف 1» لكل طرف، مشددا على أهمية مواصلة التفاوض بين الطرفين، وقال «لن يكون الأمر سهلا، الطرفان يعلمان أهمية ما يحدث، مستقبل بلدهم في المحك، الوضع يزداد سوءا يوميا».

وردا على سؤال من أحد الصحافيين في قناة «سما» القريبة من الحكومة السورية عن محاصرين في بلدة عدرا من قبل جماعات مسلحة، قال الإبراهيمي «هناك محاصرون في عدرا، ومحاصرون في أماكن كثيرة أخرى في سوريا، وأمين عام الأمم المتحدة (بان كي مون) نادى كثيرا برفع الحصار عن هؤلاء الناس». ولفت إلى أن رفع الحصار «من الأمور التي سنتكلم فيها هنا أنه ليس جوهر المفاوضات ولكنه جزء أساسي، فعندما يلتقي سوريون لا يمكن إلا التكلم في الشأن الإنساني».

وبعد أن وردت أنباء حول إمكانية استعداد الحكومة السورية إطلاق الآلاف من المعتقلين لدعم المفاوضات، امتنع الإبراهيمي عن تأكيد الخبر. واكتفى بالقول «نأمل أن الطرفين يقدمان تنازلات تساعد المفاوضات».

وعد المبعوث السويدي المنسق مع المعارضة السورية يان تيسليف أن إجراء المحادثات الأولية أمر مهم لوضع أساس سليم للمفاوضات. وقال إن اجتماع مونترو الوزاري «سار بطريقة أفضل مما توقعناها»، مشيرا في تصريحات لـ«الشرق الأوسط» إلى أن «العمل الآن هو لتحديد القضايا التي سيجري بحثها وفي أي تسلسل، وكيف يجري ذلك. إنها مسألة دقيقة في تحديد كيف تعالج القضايا». وأضاف «إنها مقدمة للمفاوضات»، ممتنعا عن إبداء رأي في الطريقة المثلى للتفاوض، قائلا «المهم أن نتوصل إلى آلية تناسب الطرفين، بدلا من أن تبعدهما.. عندما يتحدث الطرفان، هناك أمل».

ومن جهته، عد عضو المجلس السوري الحر برهان غليون، وهو أحد أعضاء مجموعة المعارضين الذين يقدمون المشورة والقيادة السياسية لوفد المعارضة، اجتماع جنيف «هدفا سياسيا»، معتقدا أنه سيظهر «عدم جدية نظام الأسد» في التفاوض. واستبعد غليون، في تصريحات لـ«الشرق الأوسط»، أن توافق الحكومة السورية على إزالة الأسد من السلطة، قائلا إنه «خلال شهر أو شهرين من المفاوضات سيظهر تشدد النظام وستزداد عزلته». وأضاف أنه «من الضروري كشف حقيقة النظام»، مشيرا إلى أن ذلك سيجعل الروس يبحثون عن خيارات أخرى. ولكن في حال جرى الاتفاق على ذلك، شدد على أن المعارضة حريصة على إشراك كل السوريين في الحكومة. وأوضح «المركب الأمني - العسكري التابع للأسد الحاكم للدولة الآن مرفوض.. نحن نسعى لاستعادة الدولة من هذا المركب». لكنه لفت إلى وجود «أعضاء في الحكومة السورية يمكن التفكير بقبولهم»، لكنه امتنع عن تحديد أسمائهم. وكان من المتوقع أن يجتمع وفد المعارضة مع دبلوماسيين من مجموعة دول الـ11 الأساسية لأصدقاء سوريا، بينما تشاور وفد الحكومة مع دبلوماسيين روس في جنيف، ضمن المشاورات لتحديد موقفيهما قبل بدء مفاوضات اليوم.

وهناك خشية من أنه عندما تبدأ المفاوضات يظل تطبيقها ليس مضمونا، إذ يبقى رهينا لأطراف كثيرة غير حاضرة في جنيف، سواء كانت الجماعات المسلحة أو إيران أو غيرهما.

وردا على سؤال حول إذا كانت مجموعات مثل «الدولة الإسلامية في العراق والشام» و«جبهة النصرة» الرافضة للمفاوضات ستسمح بتطبيق أي اتفاق تخرج به مفاوضات جنيف، قال الإبراهيمي «ندرك أن هناك جهات داخل سوريا لا تؤيد هذا المسار، هذا أمر معروف ليس سرا. يجب أن نجد طريقة للتعامل مع هذا الوضع». وشدد المبعوث السويدي تيسليف، الذي عمل خلال العامين الماضيين مع المعارضة السورية ونسق معها ومع مجموعة أصدقاء سوريا، على أهمية ضمان تأييد جماعات مؤثرة في سوريا، قائلا «أي أمر يجري الاتفاق عليه هنا بحاجة إلى مصادقة من الكثير من الأطراف غير الحاضرة هنا، بما فيها المجموعات المسلحة ودول من المنطقة».

ومن المتوقع أن يواصل وفد المعارضة المشاورات مع معارضين من مجموعات مختلفة بهدف إقناعهم بالانضمام إلى العملية السياسية، لكن إمكانية جلب دعم من مجموعات أخرى أمس غير المعلوم، إذ إن العملية نفسها هشة ومعالمها لم تتضح بعد.