نزاعات أميركية لاتينية بالجملة أمام «لاهاي»

«العدل الدولية» تصدر غدا قرارها حول النزاع البحري بين تشيلي وبيرو

علم بيروفي يرفرف فوق سفارة بيرو في مدينة أريكا بشمال تشيلي قرب الحدود مع بيرو أمس (إ.ب.أ)
TT

باتت الخلافات الحدودية بين دول أميركا اللاتينية، التي يعدها البعض قضية وطنية والبعض الآخر مسألة مبدأ، مطروحة بكثافة أمام محكمة العدل الدولية في لاهاي. وفي أعقاب إجراءات استمرت ستة أعوام، ستصدر محكمة العدل الدولية، وهي أعلى هيئة قضائية للأمم المتحدة، غدا (الاثنين)، قرارها حول النزاع المتعلق بالحدود البحرية بين تشيلي وبيرو في المحيط الهادي.

وكانت ليما لجأت إلى محكمة العدل الدولية في يناير (كانون الثاني) 2008، للمطالبة بالسيادة على منطقة بحرية تبلغ مساحتها 95 ألف كلم مربع وغنية بالثروة السمكية التي تسيطر عليها تشيلي. وبينما تقول بيرو إن هذه الحدود البحرية لم ترسم أبدا، تؤكد سانتياغو أن معاهدتي 1952 و1954 رسمتا الحدود الحالية.

وقد ورث البلدان هذه الحدود من حرب المحيط الهادئ (1879 - 1883) التي تسمى أيضا «حرب الملح الصخري»، التي خرجت منها تشيلي منتصرة وخسرت بيرو خلالها 25 في المائة من أراضيها، فيما حرمت بيرو من منفذها على البحر.

بدورها، رفعت بوليفيا في أبريل (نيسان) الماضي شكوى إلى لاهاي حتى تعلن محكمة العدل الدولية أن «من واجب تشيلي أن تجري مفاوضات بحسن نية من أجل التوصل إلى اتفاق سريع وفعال يمنح بوليفيا منفذا يتمتع بالسيادة الكاملة للوصول إلى المحيط الهادي».

وهذا البلد الأمازوني الواقع في جبال الأنديز محصور منذ أكثر من 130 عاما بعدما خسر 120 ألف كلم متر مربع من أراضيه منها شريط ساحلي يبلغ طوله 400 كلم. وقد أثرت هذه العزلة تأثيرا كبيرا على بوليفيا التي تعد اليوم واحدا من أفقر بلدان أميركا الجنوبية. وباتت «العودة إلى البحر» أيضا منذ نحو قرن، رهانا أساسيا أدرج في دستور بوليفيا، ومطلبا دائما للرئيس الاشتراكي ايفو موراليس. وأعلن الرئيس البوليفي أن ما حفزه على القيام بمسعاه محاولات الحوار غير المجدية التي استمرت عشر سنوات. وفي مارس (آذار) الماضي، ذكر نظيره التشيلي سيباستيان بينيرا بأن بلاده ستدافع «بكل قوة الوحدة الوطنية والتاريخ والحقيقة، عن أرضها وبحرها وسمائها وسيادتها أيضا».

ولا تتوافر لمحكمة العدل الدولية، أعلى هيئة قضائية للأمم المتحدة، الوسائل الإلزامية لفرض تطبيق قراراتها، لكن الاتفاق المبدئي بين الأطراف غالبا ما يؤدي إلى احترام هذه القرارات. ونقلت وكالة الصحافة الفرنسية في تقرير لها حول الملف عن الخبير في القانون الدولي أوليفيه ريبلينك من مؤسسة «أسر في لاهاي»، قوله: «يجب أن نقرن هذه الدعاوى الأميركية - اللاتينية أمام محكمة العدل الدولية بالواقع الذي يفيد بأن هذه البلدان تراها أداة مفيدة لحل النزاعات». وأضاف أنها «مسألة نفوذ وهيبة في نظر عدد كبير من هذه البلدان».

وفضلا عن الملفات التشيلية والبيروفية والبوليفية الشائكة، فسيواصل قضاة محكمة العدل الدولية بذل جهود لتسوية النزاع القائم بين كولومبيا ونيكاراغوا حول منطقة بحرية تبلغ مساحتها 70 ألف كلم مربع. ففي أواخر نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، لجأت نيكاراغوا مجددا إلى محكمة العدل الدولية للتنديد بعدم احترام حكم سابق يرسم حدودها البحرية مع كولومبيا، وتسمم هذه المسألة العلاقات بين البلدين منذ سنة.

وتسبب باندلاع هذه التوترات، الحكم الذي صدر في لاهاي في 2012 ومنح نيكاراغوا منطقة بحرية كانت تحت سيطرة كولومبيا وتبلغ مساحتها 70 ألف كلم مربع. وتقول بوغوتا إن هذا القرار غير قابل للتطبيق، إذ لا تتوافر ضمانات لسكان الجزر الكولومبية كأرخبيل سان أندرس، المحاطة بمياه باتت لنيكاراغوا. وفي أعقاب الحكم، انتقدت السلطات الكولومبية ميثاق بوغوتا وهو معاهدة ترقى إلى 1948 وتنص على الاعتراف بصلاحية محكمة العدل الدولية لحل النزاعات الحدودية.

وتخوض نيكاراغوا أيضا منذ 2010 نزاعا حدوديا مع كوستاريكا حول جزيرة صغيرة تبلغ مساحتها ثلاثة كيلومترات مربعة وواقعة على مصب نهر سان خوان. وكان جيش نيكاراغوا احتل في 2010 هذه الجزيرة التي تسميها كوستاريكا ايسلا بورتيلوس ونيكاراغوا هاربور هييد، فرفعت سان خوسيه شكوى إلى محكمة العدل الدولية التي ما زالت تدرس الملف.

ويتنازع هذان البلدان في أميركا الوسطى أيضا أمام محكمة العدل الدولية السيادة على منطقة غواناكاستي الواقعة شمال كوستاريكا.