رئيس الحكومة المغربية يقر بصعوبة التصدي للرشوة بسبب الإحجام عن التبليغ عنها

ابن كيران اتهم أحزابا بحماية بعض الفاسدين المنتسبين إليها

عبد الإله ابن كيران رئيس الحكومة المغربية في حديث مع رشيد ركبان رئيس الفريق النيابي لحزب التقدم والاشتراكية وعبد الله بوانو رئيس فريق «العدالة والتنمية» بينما يستمع اليهم الوزير محمد الوفا (تصوير: مصطفى حبيس)
TT

أقر عبد الإله ابن كيران، رئيس الحكومة المغربية، بأن حكومته لا يمكنها وحدها القضاء على الرشوة المتفشية في البلاد، بل لا بد من تعاون مختلف الأطراف بما فيها الأحزاب السياسية. وقال إن هناك أحزابا لم يسمها تدافع عن بعض الفاسدين المنتمين إليها، مذكرا بأن حزبه طرد أحد المنتسبين إليه بعد أن ثبت تورطه في تسلم الرشوة.

واستعرض ابن كيران الذي كان يتحدث أمس في الجلسة الشهرية المخصصة لتقييم السياسات العامة في مجلس النواب (الغرفة الأولى في البرلمان)، عددا من الإجراءات التي اتخذتها حكومته في مجال مكافحة الفساد واختلاس المال العام واستغلال النفوذ، من بينها تقوية التشريعات القانونية المتعلقة بمكافحة الفساد، وتحسين الخدمات الإدارية عن طريق تبسيط الإجراءات الأكثر تداولا وتطوير الإدارة الإلكترونية.

وأقر ابن كيران كذلك بأنه على الرغم من الإجراءات المتخذة، فإن غياب استراتيجية شاملة لمكافحة الفساد، لا يساعد على مواجهة هذه الآفة بفعالية. لذلك، فإن حكومته تنكب حاليا على إعدادها مما سيمكن من وضع أهداف واضحة وقابلة للقياس، ووسائل مادية وبشرية، وآجال محددة للتنفيذ، مع تحديد المسؤوليات ومؤشرات لقياس النتائج.

وأوضح ابن كيران، أن «مجهود محاربة الرشوة تواجهه إكراهات تتعلق بالثقافة السائدة وصعوبة إثبات الممارسات المتعلقة بالتعاطي للرشوة ما لم يجر التبليغ عنها، وهو سلوك ليس منتشرا بعد بما يكفي، رغم أن المغرب أصبح يتوفر على إطار قانوني يحمي الشهود في هذا المجال». وكشف رئيس الحكومة المغربية عن أن وزارة العدل تعتزم وضع خط هاتفي سيمكن المواطنين من التبليغ عن حالات الرشوة مع ضمان سرية المكالمات.

وكانت الجلسة قد بدأت في جو مشحون بعد أن تدخل عبد العزيز مضيان، رئيس الفريق النيابي لحزب الاستقلال المعارض قبل انطلاقها منبها إلى وجوب احترام أهداف الجلسة المنصوص عليها في الدستور لأنها أصبحت برأيه «تزيغ» عن الأدوار المنوطة بها، مذكرا بالاتهامات التي وجهها ابن كيران إلى قيادات حزبه في الجلسة الشهرية السابقة بعد أن اتهمهم ضمنيا بتهريب الأموال، الأمر الذي دفع كريم غلاب رئيس مجلس النواب إلى التذكير بضرورة احترام الفصل 100 من الدستور الذي نص على تخصيص الجلسة للإجابة عن الأسئلة المتعلقة بالسياسة العامة التي يطرحها النواب، بيد أن ابن كيران تدخل في إطار نقطة نظام محتجا على كلام غلاب، وقال إن دوره يتعلق بضمان السير العادي للجلسة، وإنه لا سلطة له بشأن ما يقوله رئيس الحكومة لأنه يقول «ما هو مقتنع به وما يراه صوابا».

وحتى لا تتحول الجلسة إلى تبادل للاتهامات وتراشق كلامي قال ابن كيران بعد استماعه إلى مداخلات فرق المعارضة تعقيبا على عرضه المتعلق بالإصلاح المالي إنه قرر أن «لا يستجيب للاستفزازات حتى وإن جرى الاتفاق عليها ليلا»، في إشارة إلى اجتماع أحزاب المعارضة مساء أول من أمس.

وخصصت جلسة أمس لعدة محاور، فبينما اختارت فرق الغالبية موحدة مساءلة ابن كيران عن «إصلاح وتأهيل القطاع المالي»، فضلت فرق المعارضة متفرقة أن تسائل رئيس الحكومة حول أربعة مواضيع مختلفة، هي مدى «تراجع المغرب في ترتيب منظمة الشفافية العالمية في مجال مكافحة الرشوة»، و«السياسة العامة المتبعة بخصوص إشكالية تنمية المدن»، و«السياسة العامة التي تنتهجها الحكومة في تعاطيها مع المديونية»، ثم دور «صندوق الحسن الثاني للتنمية الاقتصادية والاجتماعية».

وفي هذا السياق، دافع ابن كيران عن الإصلاحات التي أنجزتها حكومته في القطاع المالي، وفي مجال تدبير المديونية، محذرا من «المغالطات السياسية» التي تؤثر على صورة البلد في الخارج.

وردا على انتقادات المعارضة التي رأت أنه «لا شيء تحقق» في مجال الإصلاح المالي، قال ابن كيران إن حكومته جعلت من تأهيل القطاع المالي إحدى أولوياتها، وذلك بهدف تطوير أدائه ومساهمته في التنمية الاقتصادية وتدعيم استقرار، مشيرا إلى أن الحكومة عملت على تسريع وتيرة تنزيل إصلاحات نوعية تهم القطاع المالي بمكوناته الثلاثة، وهي سوق الرساميل والقطاع المصرفي، وقطاع التأمينات. واستعرض ابن كيران مجموعة من التشريعات القانونية التي جرت مراجعتها، وذلك من أجل تعزيز الرقابة على أنشطة المؤسسات المالية والوقاية من الأزمات المالية وفق معايير دولية.

وأوضح ابن كيران أن موارد الاستدانة تخصص لتمويل الاستثمار في البنيات التحتية والأوراش الإصلاحية وليس في تغطية نفقات الاستهلاك.

وأشار إلى أن حكومته تحرص على ألا تتجاوز نسبة المديونية من الناتج الداخلي الخام، سقفا معينا، حتى تبقى الدولة قادرة على الوفاء بالدين وتحافظ على ثقة الدائنين والمؤسسات المالية الدولية بصفة عامة.

وأضاف رئيس الحكومة أن من بين العوامل التي أدت إلى ارتفاع مؤشر المديونية خلال السنوات الثلاث الأخيرة، تزايد حاجيات التمويل نتيجة ارتفاع عجز الموازنة بفعل التزامات الحكومة للاستجابة للمطالب الاجتماعية وبفعل آثار ارتفاع أسعار المحروقات.

وطمأن ابن كيران معارضي سياسته في هذا المجال، بالقول إن ارتفاع مؤشر المديونية الخارجية للخزينة خلال السنوات الثلاث الأخيرة، يبقى «متحكما فيه» وبعيدا عن مستوياته المسجلة خلال فترة التقويم الهيكلي، حيث وصل معدل المديونية الخارجية إلى 51.4 في المائة من الناتج الداخلي الخام خلال سنوات عقد الثمانينات من القرن الماضي. وأوضح أن المغرب يحظى بثقة الدائنين والمؤسسات المالية الدولية، ورغم ذلك، يضيف ابن كيران أنه يتعين تقليص منحى تطور هذه المديونية بالتحكم في عجز الميزانية وعجز الحساب الحالي لميزان الأداءات، وهو ما تقوم به الحكومة.