الجمهوريون ينتقدون تهديدات أوباما بنقض قرار لفرض عقوبات على إيران

خطاب حالة الاتحاد يزيد الخلاف بين البيت الأبيض والكونغرس

أوباما خلال جولته في مصنع للحديد بولاية بنسلفانيا أمس حيث تحدث عن الاقتصاد» (رويترز)
TT

هاجم الجمهوريون في الكونغرس ما جاء في خطاب الرئيس الأميركي باراك أوباما لـ«حالة الاتحاد» الليلة قبل الماضية وألقوا على إدارته اللوم في كافة المشاكل الاقتصادية التي تعاني منها الولايات المتحدة. وكان خطاب أوباما مركزا على الوضع الداخلي، مع التركيز على ملفي إيران وأفغانستان. وكان من المثير أن أوباما نطق كلمة «سوريا» ثلاث مرات فقط في جملتين مقتضبتين في خطاب استمر ساعة وخمس دقائق، مشيرا إلى دعم «المعارضة التي ترفض أجندة الشبكات الإرهابية» ومشيدا بـ«الدبلوماسية الأميركية، مع التهديد بالقوة، أدت إلى التخلص من أسلحة سوريا الكيماوية».

ولفت الدبلوماسي الأميركي السابق فريدريك هوف، وهو الآن باحث في معهد «المجلس الأطلسي» أن أوباما يعتبر سوريا «إلهاء ولذا فضل عدم الحديث عن المآسي داخل سوريا أو إمكانية الخروج بحل سياسي لها».

ولكن حرص أوباما على الحديث عن إيران في خطابه، وهدد الرئيس الأميركي أنه سيستخدم حق النقض (الفيتو) ضد أي مشروع قانون يتقدم به الكونغرس ويفرض عقوبات جديدة على إيران مشددا على ضرورة إعطاء الدبلوماسية فرصة لوقف طهران من الاستمرار في برنامجها النووي. وذكر أوباما كلمة «إيران» عشر مرات، معتبرا أن الاتفاق النووي نجاح لسياسته تجاه طهران. وقال: «كان للعقوبات التي فرضناها على إيران، الفضل في خلق هذه الفرصة ولكي أكون صريحا معكم فإذا أحيل إلى الكونغرس قانون يتضمن عقوبات جديدة على إيران فإنني سأقوم بنقضه».

وشدد أوباما أن الدبلوماسية هي التي أوقفت تقدم البرنامج النووي الإيراني، موضحا: «للمرة الأولى منذ عشر سنوات بدأت إيران القضاء على مخزونها من المستويات العالية من اليورانيوم المخصب وأوقفت تركيب أجهزة الطرد المركزي المتقدمة وتحققت عمليات التفتيش بشكل لم يسبق له مثيل». وأضاف: «نحن منخرطون في المفاوضات لنرى إذا كنا نستطيع تحقيق هدف بشكل سلمي نشترك فيه جمعيا وهو منع إيران من الحصول على سلاح نووي». واعترف أوباما بصعوبة المفاوضات وإمكانية فشلها مشيرا إلى دعم إيران لـ«المنظمات الإرهابية مثل حزب الله».

وانتقد الجمهوريون تهديدات أوباما باستخدام حق النقض «الفيتو» ضد أي تشريع لسن عقوبات ضد إيران إذا فشلت المفاوضات في التوصل إلى اتفاق شامل خلال الأشهر الاثني عشر. وهو مشروع يحظى بتأييد أكثر من 59 عضوا بمجلس الشيوخ الأميركي.

ودعا السيناتور الجمهوري مارك كيرك - الذي شارك في وضع القانون بسن عقوبات جديدة ضد إيران - مجلس الشيوخ إلى الرد الفوري على الرئيس الأميركي وقال: «ينبغي أن يتحرك مجلس الشيوخ فالغالبية الساحقة من الشعب الأميركي من الجمهوريين والديمقراطيين تريد أن تضع إيران قيد المحاسبة». ووصف كيرك مشروع القانون لسن عقوبات ضد إيران بأنه «بوليصة تأمين» للكونغرس، موضحا: «في الوقت الذي يهدد الرئيس باستخدام حق النقض ضد أي تشريع جديد لفرض عقوبات على إيران، فإن الإيرانيين صوتوا بالفعل بالاعتراض على أي تفكيك للبنية التحتية النووية». وأشار إلى استطلاعات الرأي التي توضح شكوك الأميركيين في طريقة تعامل الإدارة الأميركية مع قضايا السياسة الخارجية خاصة فيما يتعلق بإيران حيث تظهر الاستطلاعات شكوكا عميقة لدى الأميركيين ودعما أكبر لفرض مزيد من العقوبات.

فيما اعتبر جيمس جيفري الدبلوماسي السابق والخبير بمعهد «واشنطن لسياسات الشرق الأدنى» تهديدات أوباما باستخدام حق النقض أنه حرص على ألا يهدد استمرار المفاوضات مع إيران، وقال: «رغم تأكيداته القوية على ضمان أمن إسرائيل وتشديده المتكرر على إنهاء حروب الولايات المتحدة فإنه مع ذلك لم يوضح مدى استعداده لاستخدام كافة الخيارات بما فيها الخيار العسكري أمام إيران المتمردة».

ويشير الخبراء إلى أن إيران خلال العشر سنوات الماضية نجحت في تنمية برنامجها النووي دون عوائق فعالة تعوقه ولديها من اليورانيوم المخصب ما يكفي لإنتاج ما بين خمسة إلى ستة رؤوس نووية في غضون عدة أشهر. وتزايدت أعداد أجهزة الطرد المركزي لتخصيب اليورانيوم لديها من 163 جهازا عام 2003 إلى أكثر من 20 ألف جهاز في 2013 وبعض تلك الأجهزة أعلى كفاءة بأربعة أجيال من الأجيال القديمة من أجهزة الطرد المركزي إضافة إلى البنية التحتية الإيرانية ومصنع إنتاج الماء الثقيل الذي يوفر مسارا إضافيا لإنتاج قنابل نووية.

وتطرق أوباما خلال خطابة إلى تزايد نفوذ تنظيم القاعدة قائلا: «ينبغي أن نواصل التعاون مع شركائنا في اليمن والصومال والعراق ومالي من أجل تفكيك الشبكات الإرهابية العاملة في تلك البلدان وتعطيلها» مشيرا إلى أن الولايات المتحدة نجحت في وضع قيادة «القاعدة» على طريق الهزيمة. واعترف بالمخاطر المتزايدة لتهديدات تنظيم القاعدة وغيرها من الجماعات المتطرقة التي تترسخ في أجزاء مختلفة من العالم.

وشدد أوباما على أن الولايات المتحدة أكثر أمنا مما كانت عليه عندما تولى منصبه بعد عودة كل القوات الأميركية من العراق وإنهاء أطول حرب خاضتها أميركا في أفغانستان بنهاية العام الجاري. ودعا الرئيس الأميركي الكونغرس لمساعدته في إنهاء الحروب في أفغانستان وأن يكون عام 2014 هو العام الذي يشهد إغلاق معتقل غوانتانامو. وتطرق إلى جهود وزير الخارجية الأميركي جون كيري في تحقيق السلام بين الإسرائيليين والفلسطينيين مشيرا إلى أنه يعمل على «إنهاء الصراع هناك وتحقيق الكرامة وإقامة دولة مستقلة للفلسطينيين والسلام والأمن الدائم لدولة إسرائيل».

وأشار أوباما إلى إسرائيل باعتبارها «دولة يهودية» في إشارة غير مباشرة لرئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو أن محادثات السلام التي تهدف لإقامة دولة فلسطينية ستتضمن الاعتراف بإسرائيل كدولة يهودية.

وفور انتهاء خطابه مساء الثلاثاء توالت تصريحات الجمهوريين المنتقدة لما جاء بالخطاب، وأبدى الكثير منهم الغضب من الاستعلاء الذي أبداه أوباما ورغبته في العمل سواء بالتعاون مع الكونغرس أو من دونه. وتركزت معظم الانتقادات على سعي الرئيس أوباما لتجاهل الكونغرس والعمل وفقا لصلاحياته التنفيذية، ودفاعه عن برنامج الرعاية الصحية وسياساته لدفع الاقتصاد. وأشار الجمهوريون أنه أضاع فرصة جيدة ليقدم طريقا للتعاون بين البيت الأبيض والجمهوريين لصياغة اتفاقات بشأن إنتاج الطاقة وعجز الموازنة الاتحادية.

وقال جون بينر رئيس مجلس النواب الأميركي: «بعد خمس سنوات يبدو الرئيس أوباما ليس لديه أي أفكار، الأميركيون استمعوا لرئيس بدا أكثر اهتماما بتعزيز آيديولوجية أكثر من الاهتمام بحل مشاكل الناس العاديين الذي يتحدث عنهم وبدلا من ذلك ركز أوباما على الأمور التي تفرق بيننا (بين إدارة أوباما والجمهوريين)». وأضاف: «وفقا للدستور فإن الكونغرس مهمته سن القوانين ومهمة الرئيس تنفيذها وإذا كان يحاول تجاهل ذلك فإنه سوف يصل إلى طريق مسدود» وحذر رئيس مجلس النواب الأميركي من تهديدات أوباما باستخدام سلطاته لتحقيق أهدافه السياسية.

وجاء الرد من الحزب الجمهوري بشكل رسمي من النائبة كاتي ماكموريس رودجرز عبر رسالة تلفزيونية مسجلة مدتها عشر دقائق تداولتها وسائل الإعلام الأميركية فور انتهاء خطاب أوباما هاجمت خلاله برنامج الرعاية الصحية وقالت: «إن سياسات أوباما جعلت حياة الناس أكثر صعوبة ويجب الاعتراف أن قانون الرئيس للرعاية الصحية لا يعمل» وأشارت النائبة الجمهورية إلى تجربتها الشخصية في رعاية أسرتها كأم لثلاثة أبناء، ومعاناتها مع ابنها الأكبر الذي يعاني من مرض التوحد.

وانتقدت النائبة حديث أوباما حول المساواة في الأجور بين الرجال والنساء وقالت: «الرئيس يتحدث كثيرا عن عدم المساواة في الدخل لكن الفجوة الحقيقية التي نواجهها اليوم هي اللامساواة في الفرص والجمهوريون لديهم خطط لسد هذه الفجوة وتركز الخطط على خلق الوظائف دون مزيد من الإنفاق والخضوع للروتين» وأكدت رودجرز أن لدى الجمهوريين سياسات وخططا لإصلاح سياسات الهجرة وأن رؤية الحزب الجمهوري أكثر تفاؤلا.

كان الرئيس أوباما قد ركز بشكل كبير على استخدام صلاحياته التنفيذية لتعزيز الاقتصاد مشيرا إلى أنه سيستغل أي فرصة ممكنة للتحرك لتسريع الاقتصاد وخلق فرص عمل دون أن ينتظر الكونغرس وأبدى أوباما في خطابه الذي عمل شعار «عام من العمل» تحديا كبيرا لرسم مسار يعتمد فيه على سلطاته التنفيذية مع أو من دون الكونغرس. وظهر جليا في خطابه عزمه على تجاهل المشرعين داخل الكونغرس وإظهار حزبه بأنه الطرف الأكثر تصميما على حل المشاكل الاقتصادية في البلاد.

ودعا أوباما الكونغرس إلى تقديم أفكار ملموسة ومقترحات عملية لتسريع النمو وتعزيز الطبقة المتوسطة وقال: «أنا حريص على العمل معكم جميعا لكن أينما ومتى يمكنني اتخاذ خطوات دون تشريع لزيادة الفرص لمزيد من العائلات الأميركية فأنا ذاهب للقيام بذلك».

وانتقد أوباما الخلافات بين الحزبين الديمقراطي والجمهوري حول حجم الحكومة الفيدرالية واعتبرها تهدد مصداقية الولايات المتحدة، وشدد على ضرورة تعزيز الطبقة المتوسطة وزيادة فرص خلق الوظائف ورفع الحد الأدنى للأجور.

وقال النائب الجمهوري ستيف ستيفرز بأنه يشعر بخيبة أمل بأن أوباما لم يتحدث عن المقترحات التي يمكن أن نعمل معا عليها وأشعر بخيبة أمل لأن الشعب الأميركي كان يطلب ويتوقع أفضل من ذلك.

وهاجم النائب الجمهوري بوب لاتا دفاع أوباما عن مشروع الرعاية الصحية المعروف باسم أوباما كير وقال: «كنت آمل أن يستغل الفرصة ويتحمل المسؤولية عن فشل قانون الرعاية الصحية وأن يقدم رؤية كيف يمكن خلق فرص عمل وإعادة الاقتصاد الأميركي إلى المسار الصحيح وبدلا من ذلك سمعنا نفس الكلام والوعود الفارغة التي أصبحنا معتادين عليها».

كما جاء رد فعل أعضاء تيار حركة الشاي أكثر حدة وهاجم السيناتور مايك لي خطاب أوباما مشيرا إلى أنه قدم وعودا شفاهية لكنه يبدو غير مهتم بمواجهة أو تصحيح أي أزمات. وهاجم كل من النائبة ميشيل باكمان وهيرمان كين وبول راند في بيان خطاب أوباما وألقوا بأصابع اللوم إلى الحكومة باعتبارها السبب في المشاكل الاقتصادية.

وتظهر التصريحات الغاضبة من أعضاء الحزب الجمهوري بوضوح الانقسامات التي لا تزال قائمة داخل الكونغرس مع الحزب الديمقراطي مما سيكون له تأثير كبير على المعارك الانتخابية بين الحزبين قبيل عقد انتخابات التجديد النصفي في نوفمبر (تشرين الثاني) القادم. ويشير المحللون أنه رغم تلك الانقسامات فإن هناك أرضية مشتركة بين الحزبين تتعلق بالتركيز على تعافي الاقتصاد الأميركي.

وقال السيناتور الجمهوري جون ماكين: «أتمنى لو كنا نتحدث بصوت واحد، أن الشعب الأميركي بحاجة إلى رسالة واحدة من الحزب الجمهوري». ويوضح ويليام غالستون المحلل السياسي في معهد «بروكننز» بواشنطن أن أوباما تعمد اتباع سياسة شعبوية في حديثه عن عدم المساواة وخلق فرص للجميع وتعزيز الطبقة الوسطى والملايين من الأميركيين العاملين الذين يكافحون للحصول على أجر عادل، بما يعيد قضايا خلافية حول إعادة توزيع الدخل وأوضاع الأغنياء مقابل الفقراء بدلا من التركيز على توحيد الجهود وتقديم أفكار لتسريع النمو الاقتصادي. وقال: «بدلا من الاستجابة لهذه التحديات فإنه ضرب القاعدة التشريعية التقليدية وهدد باتخاذ إجراءات تنفيذية حتى دون موافقة الكونغرس». وأضاف: «بالتأكيد فإنه خطاب يهدف إلى حشد أنصار حزبه وهو ينظر إلى انتخابات نصفية صعبة للغاية وقدرات حزبه للسيطرة على مجلس الشيوخ على المحك». وأضاف الباحث السياسي المتخصص في دراسات الحكم «خلال الخطاب أعلن أوباما أكثر من عشرين أمرا تنفيذيا بما في ذلك زيادة الحد الأدنى للأجور وإنشاء أربعة مصاف جديدة وسبعة إجراءات تتعلق بالطاقة والبيئة وتطوير الغاز الصخري بشكل جاء تقليديا في اللهجة والمضمون وكانت لغته تحمل الكثير من الاستفزاز الحزبي ودعا إلى تحقيق المساواة الاقتصادية للنساء مكررا اتهامات مستترة يوجهها الديمقراطيون للجمهوريين بأنهم يشنون حربا ضد النساء. وفي النهاية فهو يعتقد أن سياساته لعلاج مشاكل البلاد ستكون كافية لرفع الأجور وخلق الفرص للجميع وحتى الآن فإن نتائج استراتيجية أوباما بعيدة عن كلمة كافية».