لاجئون سوريون فجروا توترا بين الجزائر والرباط

المغرب احتج لدى السلطات الجزائرية بسبب ترحيلهم إلى أراضيه

TT

أبلغ المغرب مساء أول من أمس السلطات الجزائرية احتجاجه الرسمي على عمليات ترحيل اللاجئين السوريين إلى أراضيه، خلال الأيام القليلة الماضية، واستدعت الخارجية المغربية سفير الجزائر لدى الرباط، وأبلغته «استياء المغرب الشديد».

وتمكن نحو 101 مواطن سوري من العبور نحو التراب المغربي عبر الحدود مع الجزائر، عبر دفعات، وذلك في ظروف إنسانية صعبة، أغلبهم من إدلب وحمص وحماه. وتتكفل جمعيات محلية في مدينة وجدة (شرق البلاد) بإيواء هؤلاء إلى حين التحاقهم بأقارب لهم مقيمين في عدة مدن مغربية. وذكر بيان للخارجية المغربية أن مباركة بوعيدة، الوزيرة المنتدبة في الخارجية، استدعت سفير الجزائر لدى الرباط لإبلاغه الاستياء الشديد للمملكة المغربية، إثر ترحيل السلطات الجزائرية نحو التراب المغربي، ما بين الأحد والثلاثاء الماضيين، أكثر من 70 مواطنا سوريا.

وأضاف البيان أن «المغرب، إذ يطالب الجزائر بتحمل مسؤولياتها بالشكل الكامل، يعرب عن أسفه العميق لهذا التصرف اللاإنساني، لا سيما أن الأمر يتعلق بنساء وأطفال في وضعية بالغة الهشاشة».

وأفاد المصدر ذاته بأن «السلطات المغربية قدمت فورا المساعدة المطلوبة والعلاجات الضرورية للمواطنين السوريين في المنطقة الحدودية مع الجزائر».

من جهتها، أوضحت وزارة الداخلية المغربية أن السلطات المغربية سجلت، أخيرا، تكرار عمليات ترحيل اللاجئين السوريين (كما كان الشأن في السابق بالنسبة للمنحدرين من أفريقيا جنوب الصحراء) من قبل السلطات الجزائرية نحو التراب المغربي عبر الحدود الشرقية للمملكة.

وأضافت أنه بالنسبة للفترة الممتدة من 26 إلى 28 يناير (كانون الثاني) الحالي، رحلت السلطات الجزائرية 77 مواطنا سوريا، من بينهم 18 امرأة و43 طفلا (بعضهم تقل أعمارهم عن شهرين).

وأفاد بيان صدر مساء أول من أمس عن وزارة الداخلية بأن المغرب أعرب عن احتجاجه الرسمي لدى السلطات الجزائرية على عمليات الترحيل المتكررة للاجئين السوريين إلى التراب الوطني، وذلك «خلافا لقواعد حسن الجوار التي ما فتئت تدعو إليها المملكة»، معبرة في الوقت نفسه عن أسفها «للوضعية المزرية لهؤلاء المهاجرين».

وفي هذا السياق، قال حسن العماري، الناشط الحقوقي والمهتم بقضايا اللجوء والهجرة بمدينة وجدة (شرق البلاد)، لـ«الشرق الأوسط» إنه منذ الأحد إلى غاية الثلاثاء الماضيين تمكن نحو 101 مواطن سوري من العبور نحو التراب المغربي عبر الحدود مع الجزائر، عبر ثلاث دفعات، وذلك في ظروف إنسانية صعبة، لا سيما في ظل برودة أحوال الطقس، وتساقط الأمطار في المنطقة، مشيرا إلى أنهم يتكونون من رجال ونساء وأطفال بينهم رضع.

وقال العماري إنه فور وصولهم قدمت لهم المساعدات والعلاجات الضرورية من قبل السلطات المحلية وعدد من الجمعيات، أبرزها «جمعية الوفاء للتنمية الاجتماعية» التي آوت الكثير منهم، إلى جانب جمعية دولية تعمل في المنطقة.

وأوضح العماري أنه من خلال لقائه بعدد من هؤلاء اللاجئين السوريين صرحوا بأنهم عبروا للسلطات الجزائرية عن رغبتهم في القدوم إلى المغرب، للالتحاق بأقارب لهم كانوا قد قدموا في وقت سابق هربا من الحرب، إما جوا وإما عن طريق البر، واستقروا في عدة مدن، منها أغادير ومراكش والدار البيضاء والرباط ووجدة، مشيرا إلى أن السلطات الجزائرية سهلت لهم عملية العبور ونقلتهم إلى الحدود المغربية.

وردا على سؤال حول عدد اللاجئين السوريين الذين وصلوا إلى المغرب منذ اندلاع الحرب الأهلية في البلاد، قال العماري إن الإحصائيات تشير إلى أن أعدادهم تتراوح ما بين 2500 و2700 لاجئ.

من جهتها، قالت صبيحة بصراوي، رئيسة «جمعية الوفاء للتنمية الاجتماعية» في وجدة التي آوت عددا من اللاجئين السورين، في اتصال هاتفي مع «الشرق الأوسط» إن الجمعية استقبلت ثلاث مجموعات من اللاجئين في الأيام الماضية، المجموعة الأولى كانت تتكون من 27 فردا، بينهم 12 طفلا و10 نساء وخمسة رجال استقبلتهم الجمعية في 21 يناير الماضي، وبعد إقامة لمدة ثلاثة أيام، غادروا الجمعية للالتحاق بأقاربهم في عدد من المدن المغربية، من بينها الرباط والدار البيضاء والناظور، ومنهم من ظل في مدينة وجدة، وأوضحت أن هؤلاء اللاجئين كانوا قد أمدوا الجمعية بأرقام هواتف أقاربهم فجرى الاتصال بهم للتنسيق معم من أجل استقبالهم.

وأوضحت بصراوي أن معظم اللاجئين الذين يصلون إلى المغرب لديهم أقارب في مدن مغربية، والجمعية تقدم لهم مساعدات اجتماعية ونفسية إلى حين الالتحاق بأقاربهم.

من جهتها، قالت تركية حسن، لاجئة سورية من مدينة حماه، مقيمة في الجمعية، في اتصال هاتفي مع «الشرق الأوسط» إنها قدمت إلى المغرب عن طريق لبنان ومنه سافرت برفقة زوجها وأطفالها الخمسة جوا إلى الجزائر، وعندما نزلوا في مطار العاصمة لا أحد اهتم بهم ولا سأل عنهم، لذلك قدموا إلى وجدة حيث استقبلوا استقبالا جيدا من قبل السلطات، ثم آوتهم «جمعية الوفاء»، وأضافت: «نحن عاجزون عن شكرهم»، وقالت تركية: «إن الوضع في سوريا سيئ للغاية، وأنتم تشاهدون ذلك من خلال الفضائيات»، وأضافت بمرارة: «صحيح أننا غادرنا البلد، لكنا كنا مضطرين إلى ذلك، فلا أحد يرتاح سوى في بلده».

من جانبه، قال زوجها عماد، وعمره 37 سنة، إنه يعتزم الالتحاق بأقارب له في مدينة طنجة (شمال البلاد)، إذ سبق أن اتصل بهم عندما كان في لبنان وهم من شجعوه على المجيء إلى المغرب، وأضاف: «نحن لا نشعر أبدا أننا غرباء في هذا البلد، بل بين ذوينا وأهلنا».

وفي الجزائر، استدعت وزارة الخارجية الجزائرية أمس سفير المملكة المغربية لإبلاغه «رفض الجزائر التام للادعاءات التي لا أساس لها من الصحة، التي تذرع بها المغرب بشأن الطرد المزعوم من قبل السلطات الجزائرية لرعايا سوريين نحو التراب المغربي».

ونقلت وكالة الأنباء الجزائرية عن المتحدث باسم الخارجية عمار بلاني قوله إن أمين عام الوزارة استقبل السفير المغربي عبد الله بلقزيز، «وجرى لفت انتباهه إلى أن الجزائر تستنكر بشدة هذا الاستفزاز الجديد ذا الخلفية السياسية، وتأسف كثيرا لهذه المحاولة الجديدة غير المبررة لزيادة التوتر لعلاقة سبق وأن تضررت كثيرا في الأول من نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي خلال الاعتداء على القنصلية الجزائرية بالدار البيضاء»، في إشارة إلى إنزال علم الجزائر من مبنى قنصليتها من طرف أشخاص، على خلفية خطاب للرئيس عبد العزيز بوتفليقة في نيجيريا، بشأن نزاع الصحراء، أثار حفيظة الرباط.

وقال بلاني إن الجزائر «تضطلع بمسؤولياتها على أكمل وجه في إطار حسن الجوار، رغم العبء الكبير الذي تتحمله منذ سنوات بسبب العدد المتزايد للمهاجرين القادمين من الدول الواقعة جنوب الصحراء، والذين تقوم السلطات المغربية بطردهم باتجاه التراب الجزائري». وأضاف: «جرى إعلام السفير أن الجزائر ليست على الإطلاق في حاجة إلى من يلقنها دروسا، عندما يتعلق الأمر بالتعبير عن العناية والاهتمام الكبير اللذين تخص بهما الرعايا السوريين الموجودين على ترابها، كضيوف للشعب الجزائري الذي استقبلهم تلقائيا بسخائه وحسن ضيافته المعهودين».

ومن جهته، ذكر العميد الطاهر عثماني، مسؤول قيادة الدرك في غرب الجزائر، أمس في مؤتمر صحافي في وهران (450 كلم غرب العاصمة)، أن حرس الحدود «لم يمنع دخول لاجئين أجانب إلى التراب الجزائري، أما بخصوص ما يدعيه المغاربة فالأمر يتعلق بأشخاص هربوا بمجرد أن لاحظوا دورية الدرك ولم يحاولوا أبدا الدخول إلى بلادنا، كما أننا لا نعرف جنسياتهم».