جهاديا مدينة تولوز القاصران في أيدي الأجهزة الأمنية والبحث جار عن شبكات

مدير ثانويتهما لـ «الشرق الأوسط»: كلاهما ضحية ومستعدون لاستقبالهما مجددا

TT

قصتهما أحدثت صدمة في فرنسا. لم يفهم أحد كيف أن شابين في مطلع العمر لم يزد سن الأول على 16 سنة والآخر 15 سنة، يقرران هجر عائلتيهما وترك مقاعد الدراسة في إحدى مدارس مدينة تولوز «جنوب فرنسا» حيث كانا في السنة الثانوية الثانية ويتوجهان إلى تركيا سعيا للانتقال منها إلى داخل سوريا من أجل القتال في صفوف «المجاهدين»؟ ما هو المسار الذي سلكه هذان الشابان المتحدران من عائلتين مسلمتين مجهولتين لم يعرف عنهما إثارة المشاكل أو التعصب؟ من مارس تأثيره عليهما؟ من مولهما؟ وما هي الجهة التي كانا ينويان الالتحاق بها في سوريا؟ أي فصيل؟ وعبر أي وسيط؟

الأسئلة كثيرة وكثيرة جدا. «مشوارهما» الجهادي لم يدم طويلا. انطلقا من مدينة تولوز في 6 الشهر الجاري وعادا إليها بعد 20 يوما (يومي الأحد والاثنين الماضيين). أحدهما عاد مع والده الذي ذهب إلى إسطنبول لاستعادته والآخر عاد لوحده. أعلى السلطات الفرنسية دخلت الحلبة بعد أن أطلقت عائلة أحدهما صرخة الاستغاثة عقب الظنون التي انتابتها من أن ابنها موجود في تركيا وينوي الدخول إلى سوريا. الرئيس الفرنسي نفسه شكر نظيره التركي عبد الله غل للمساعدة التي قدمتها الأجهزة التركية للعثور على الشابين داعيا لمزيد من التنسيق بين أجهزة البلدين لمنع توسع الشبكات الجهادية. وأكد الرئيس هولاند أثناء وجوده في تركيا أنه «يتعين حماية الشبيبة الفرنسية» من هذه التأثيرات الجهادية. وأضاف هولاند: «واجبنا أن نقوم بكل ما هو متاح حتى لا يجر أي شاب في حرب ليست جديرة بقيم الجمهورية الفرنسية. واجبنا أن نحمي أبناءنا».

منذ أن وطأت أقدام الشابين الأرض الفرنسية وتحديدا منذ عودتهما إلى تولوز، وضعت أجهزة الأمن اليد عليهما لاستجوابهما. تريد أن تعثر على إجابات للأسئلة التي تدور في أذهان الجميع خصوصا أن حالتهما ليست معزولة. فوزير الداخلية أعلن قبل ثلاثة أيام أن ما بين 600 إلى 700 فرنسي أو مقيم على الأراضي الفرنسية ضالع في الحرب في سوريا بشكل أو بآخر ومن بين هؤلاء هناك ما يقارب الـ12 يافعا من عمر هذين الشابين وأنه حتى الآن سقط منهم نحو عشرين قتيلا.

يقول وزير الداخلية مانويل فالس إن مكمن الخطر بالنسبة لفرنسا ولمصالحها هو في عودة هؤلاء إلى الأراضي الفرنسية. هو يصفها بأنها «بالغة الحساسية» وتشكل «الخطر الأكبر الذي علينا مواجهته في السنوات القادمة». ويعترف الوزير أن الأجهزة الفرنسية والأوروبية يمكن أن «تتجاوزها» هذه الظاهرة المتنامية حيث المخاوف كبيرة من أن يلجأ العائدون الذين يتقنون استخدام السلاح والمتفجرات إلى العنف والإرهاب. ويسارع الوزير الفرنسي إلى الرد على الذين يسارعون إلى توجيه أصابع الاتهام إلى المساجد والأئمة في فرنسا ليحملوهم مسؤولية التأثير السلبي على الشبان ودفعهم إلى «طريق الجهاد» حيث يؤكد أن المسؤولية الأولى تقع «غالبا» على عاتق الإنترنت والمواقع الجهادية التي يتواصلون معها والتي تجد السلطات صعوبات بالغة في وقفها أو منع الاطلاع عليها.

تمثل مدينة تولوز التي تسكنها جالية مغاربية كبرى موقعا خاصا في موضوع الجهاديين. فمنها انطلق جهاديان أخوان غير شقيقين الأول عمره ثلاثون سنة والثاني 22 سنة اعتنقا الديانة الإسلامية وتوجها إلى سوريا لـ«الجهاد» وكلاهما قتل. اسم الأول نيكولا بون قتل في عملية انتحارية بالقرب من حلب في شهر ديسمبر (كانون الأول) الماضي. وقبله قتل أخوه في معركة في أغسطس (آب) من العام نفسه. وجاء اختفاء الشابين ليعيد إلى الأذهان شبح الإرهاب إلى مدينة تولوز التي عرفت في عام 2012 أحداثا أليمة عندما اغتال محمد مراح، وهو إسلامي متطرف يحمل الجنسيتين الجزائرية والفرنسية، ولقبه «قاتل الدراجة النارية» سبعة أشخاص ثلاثة من أفراد الفرقة الأجنبية وأربعة يهود بينهم ثلاثة أطفال. وعندما سئل وزير الداخلية عن وجود شبكة تجنيد إرهابيين في تولوز، لم ينف ذلك. لكن حتى الآن، لم تنجح الأجهزة الأمنية في إخراجها إلى العلن.

ما يقوله فالس، أكده والد أحد الشابين وهو من أصل تونسي وصاحب مخبز في محلة قريبة من مدينة تولوز إذ قال: «ابني لم يكن يرتاد المساجد وهو لا يجيد قراءة العربية ولا كتابتها ولم يكن له أبدا علاقات مشكوك بأمرها بل على العكس من ذلك، كان تلميذا مثاليا ومجتهدا ولم نسمع عنه أي شكوى من المدرسة». وأضاف أن مواقع الإنترنت التي كان يتصفحها «أخضعته لعملية غسل دماغ» في شهر ديسمبر (كانون الأول) الماضي. ولم يستبعد هذا الوالد وجود «شبكات» مهمتها التأثير على الشبان والتغرير بهم وإرسالهم إلى مواقع جهادية للقتال فيها. ولفت هذا الرجل الانتباه إلى أن أبناء الآخرين ليسوا في منأى مما حصل لابنه.

اسم هذا الشاب «حكيم» وهو الذي استخدم البطاقة المصرفية العائدة لوالده لشراء بطاقات السفر. ونقلت القناة الثالثة في التلفزة الفرنسية عن مدعي عام تولوز ميشال فاليه أن رفاق صفه «سجلوا تغيرا في تصرفاته منذ شهر نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي حيث أصبح منغلقا على نفسه وما ينطق به من كلام ينم عن كره للأميركيين واليهود كما أنه كان يستمع باستمرار للأناشيد الدينية واقتصرت علاقاته على الشاب الآخر» الذي ترك المدرسة معه. وبحسب فاليه، فإن رفاق الصف أبدوا دهشتهم عندما علموا بخبر سفره إلى سوريا. لكن مدير ثانوية «ليزارين» في تولوز دوني دومرسيمان أبدى استعداده، رغم ما حصل، لاستقبال التلميذين مجددا في مدرسته. وقال لـ«الشرق الأوسط» التي اتصلت به أمس إن هذين الشابين هما «الضحية وليسا مجرمين» وإن «واجب المدرسة أن تفتح ذراعيها لهما». ولم يفد مدير الثانوية عن «مشاكل خاصة» تعرفها المؤسسة التي يديرها أو عن توتر لافت بين التلامذة بسبب الخلافات السياسية أو الانتماءات العرقية وما شابهها. ولم يكن بمقدور دوني دومرسيمان أن يعطي تاريخا محددا لعودة هذين الشابين إلى المدرسة معتبرا أن الأمر بيد الأجهزة الأمنية التي تمسك بيدها القرار.

وتتزايد لدى هذه الأجهزة الشكوك حول وجود «طرف ثالث» مسؤول عن مغامرة الشابين خصوصا أن شخصا مجهول الهوية حتى الآن اتصل بالمدرسة لطمأنتها بشأن غيابهما بغرض إبعاد الظنون وإفساح المجال لهما بالهرب. ولذا، فإن مهمة الإدارة المركزية للمخابرات الداخلية الفرنسية المكلفة بمحاربة الإرهاب على الأراضي الفرنسية هي من يتولى استجواب الشابين لمعرفة كافة التفاصيل حول المواقع الجهادية على شبكة الإنترنت وحول وجود أطراف خارجية وربما خلايا هدفها تجنيد «طلاب الجهاد» في سوريا. وجدير بالذكر أن أحد الفرنسيين قتل في منطقة حلب أثناء تنفيذه عملية انتحارية. وبما أن الشابين لم يبلغا بعد سن الرشد القانونية، فإن توقيفهما لا يمكن أن يتجاوز اليومين.

يقول والد حكيم إن ما حصل لابنه «مسألة حياة أو موت ويمكن أن تطال أي عائلة. إنها ظاهرة سرطانية. الجهاديون يلطخون صورة الإسلام. إنني أكرههم ولن أغفر لهم أبدا». وبالفعل، فإن الروايات التي يفصح عنها أهالي المغرر بهم من الشبان تكشف ملامح من المأساة التي يعيشها هؤلاء وانعدام الوسائل التي بحوزتهم لتفادي وقوعها.