بدء إدخال المساعدات الإغاثية إلى «اليرموك» تطبيقا لاتفاق يقضي بتحييد المخيم

التسوية بين المعارضة والنظام تتسع جنوب دمشق.. والأولوية «للحالات الصعبة»

TT

دخل مخيم اليرموك للاجئين الفلسطينيين أمس، مرحلة التسوية بين المعارضة والنظام، بإدخال قافلة من المساعدات الغذائية وإخراج نحو 50 مصابا جراء النقص بالغذاء والمرض، على أن يبدأ اليوم تنفيذ الاتفاق بين جميع الأطراف، القاضي بتحييد المخيم، وتسليم إدارة شؤونه للجنة الأهلية الوطنية الفلسطينية.

ودخلت قافلة مساعدات غذائية تتضمن 900 حصة تموينية إلى مخيم اليرموك في جنوب دمشق أمس، غداة إعلان المرصد السوري لحقوق الإنسان ارتفاع عدد القتلى جوعا فيه إلى 85 شخصا، نتيجة للحصار الخانق الذي فرضته القوات النظامية منذ 200 يوم. وأعلن المتحدث باسم وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (الأونروا) كريس غونيس لوكالة الصحافة الفرنسية أن 900 حصة غذائية أدخلت أمس إلى اليرموك، مشيرا إلى أنه «وسط فوضى لا توصف، وزعت في الساعة الأولى من بعد الظهر 600 حصة».

وأفادت وكالة الأنباء الرسمية السورية (سانا) بـ«إدخال دفعة جديدة من المساعدات الغذائية إلى مخيم اليرموك في دمشق، تنفيذا للمبادرة السلمية الشعبية بدعم من الحكومة السورية للتخفيف من معاناة الأهالي المحاصرين في المخيم المختطفين من المجموعات الإرهابية المسلحة»، في إشارة إلى مقاتلي المعارضة الذين يسيطرون على غالبية أحياء المخيم.

وكانت «الأونروا» حمّلت السلطات المسؤولية عن منع قافلة الإمدادات التابعة لها من الوصول إلى المنطقة الأحد الماضي. وقبلها بأسبوعين عادت بعض قوافل الإغاثة من دون أن تتمكن من دخول المنطقة بعد تعرض القوة الحكومية المرافقة لإطلاق النار.

وأشار غونيس إلى أن هذه المساعدات تأتي بعد قافلة أولى دخلت المخيم في 21 يناير (كانون الثاني) الماضي، وتضمنت 139 حصة غذائية، مؤكدا أن هذا التوزيع «يشجعنا، أكان من المساعدات أو تعاون الأطراف على الأرض». وآمل أن «نتمكن من متابعة وزيادة مقدار المساعدات»، موضحا أن عدد الأشخاص المحتاجين لهذه المساعدات «يقدر بعشرات الآلاف، منهم 18 ألف فلسطيني بينهم نساء وأطفال».

ويستفيد من الحصص الغذائية التي دخلت إلى المخيم، 20 ألف فلسطيني من أصل 150 ألفا كانوا يسكنون المخيم قبل وصول المعارك العسكرية إليه في صيف 2012. ويفوق عدد السوريين المحاصرين في المخيم، عدد الفلسطينيين تقريبا، حيث يُرجح أن يكون عدد السوريين المحاصرين في الداخل، أكثر من 20 ألف سوري.

ولن تقتصر الإغاثة على هذه الدفعة من المواد الغذائية، إذ أكد أمين سر حركة فتح في لبنان فتحي أبو العردات لـ«الشرق الأوسط»، أن المواد التموينية «سيتواصل إدخالها إلى المخيم». ولفت إلى «التنسيق مع الأونروا والحكومة السورية لإدخال المزيد منها»، مشيرا إلى أن اللجان الفلسطينية «أعدت سيارات إسعاف لإجلاء 50 مريضا يعانون من مضاعفات نقص الغذاء»، لافتا إلى أن الحالات الصعبة «كان لها أولوية».

ويأتي إدخال المواد الإغاثية وإجلاء المصابين على دفعات من المخيم، تنفيذا لاتفاق عقد بين السلطات السورية والمعارضة والفصائل الفلسطينية لتحييد المخيم، يشبه إلى حد كبير الاتفاق الذي عقد بين المعارضة والنظام السوري في المعضمية (جنوب دمشق) وبرزة (شرق دمشق) خلال الشهرين الماضيين.

وقال أبو العردات إن الاتفاق «أنجز مع كل الأطراف، ويقضي بإدخال المواد التموينية إلى المخيم، فيما تتولى إدارة شؤونه لجنة أهلية وطنية تتألف من لجنة شعبية وفصائل فلسطينية ووجهاء المخيم»، مشيرا إلى أن الاتفاق يقضي أيضا «بتأمين خروج المسلحين الأجانب من المخيم، وتسوية أوضاع المسلحين السوريين بالاتفاق مع السلطات السورية، فيما يتولى المسلحون الفلسطينيون في أول مرحلة حراسة مداخل المخيم لمنع دخول مسلحين إليه».

ويجبر الاتفاق القوات الحكومية على تسهيل الإجراءات الأمنية على مداخل المخيم، وتسهيل حركة دخول وخروج السكان، وإتاحة المجال للقوات المولجة حماية مداخل المخيم، بتسهيل عبور المواد الغذائية.

وكان المخيم تحول إلى ساحة حرب، وانتقل إليه العديد من السوريين الذين حملوا السلاح ضد القوات النظامية. وشارك مسلحون فلسطينيون في القتال، بعضهم إلى جانب المعارضين، وآخرون إلى جانب القوات النظامية، لا سيما منهم عناصر الفصائل الموالية للنظام، أبرزها الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين - القيادة العامة.

وتشبه هذا التسوية، إلى حد بعيد، الاتفاقات التي توصل إليه المعارضون والنظام السوري في منطقة المعضمية القريبة من مخيم اليرموك، والتي حيدت إلى حد كبير من المعارك العسكرية بعد تنفيذ الاتفاق. غير أن التسوية في اليرموك، لها وجه آخر، وسط إصرار الفصائل الفلسطينية على «تحييد المخيم عن الصراعات القائمة في البلاد»، كما قال أبو العردات: «إننا لمسنا خلال التواصل مع المسؤولين الفلسطينيين في اليرموك، ارتياحا لدى السكان، وإرادة على تحييد المخيم، لأن الناس ترغب في أن تمارس الحياة المدنية بعيدا عن الحصار والجوع».

وكان عضو اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية، زكريا الآغا ترأس في نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، وفدا التقى في سوريا نائب وزير الخارجية السوري فيصل المقداد، ومسؤول الأجهزة الأمنية اللواء علي مملوك، وحاز موافقة النظام السوري على «فتح ممر آمن للسكان لإدخال ما يحتاجه المخيم من مواد غذائية وأدوية بصفة عاجلة»، إضافة إلى «وضع آلية لتنفيذ مبادرة فلسطينية بخصوص إخلاء المخيم من السلاح والمسلحين تمهيدا لعودة النازحين إليه وإعماره».

وتسعى السلطات السورية، من خلال الحصار الذي تفرضه على المناطق المحيطة بدمشق، إلى الضغط على المعارضة لإبعاد المعارك عن محيط العاصمة. ونجحت دمشق في تحييد جنوب دمشق إلى حد كبير عن القتال، بعد توصلها إلى اتفاق مع المعارضة في المعضمية على إخراج المقاتلين منها، وإكمال محاصرتها لمنطقة داريا وبساتينها، ومواصلة قصفها بالبراميل المتفجرة، علما أن مصادر معارضة بارزة في داريا، أبلغت «الشرق الأوسط» أن فعاليات المدينة ترفض التوصل إلى اتفاق مع النظام، شبيه باتفاق المعضمية.

وتستكمل القوات الحكومية تصعيدها العسكري في أحياء القدم والتضامن وأطراف الحجر الأسود في جنوب دمشق، بموازاة حصارها، بهدف تأمين جنوب العاصمة من القصف، في حين تسعى لتنفيذ السيناريو نفسه في شرق العاصمة في الغوطة الشرقية، حيث استطاعت أن تتوصل إلى اتفاق مع المعارضة في حي برزة، يشيه اتفاق المعضمية، فيما تواصل حصارها لحي القابون، وتصعد عملياتها الحربية في جوبر الواقعة على الخط نفسه في محيط دمشق من الشمال.

وفي سياق أبرز التطورات الميدانية أمس، دارت اشتباكات عنيفة بين مقاتلي الدولة الإسلامية في العراق والشام ومقاتلي الكتائب الإسلامية والمقاتلة في محيط بلدة كفر حمرة بمدينة حلب شمال سوريا، في محاولة من الكتائب المناوئة لـ«داعش» للسيطرة على البلدة. وأفاد المرصد السوري لحقوق الإنسان بأن سيارة مفخخة انفجرت منتصف الليلة قبل الماضية في حي بستان القصر بمدينة حلب، مما أدى لسقوط جرحى، بالتزامن مع قصف. وتجدد أمس القصف على الأحياء السكنية الخاضعة لسيطرة المعارضة من قبل الجيش النظامي باستخدام البراميل المتفجرة، وذلك استمرارا لحملة البراميل المتفجرة العنيفة التي بدأها الجيش النظامي منذ نحو شهر. وأودى القصف على ساحة حي قاضي عسكر بحياة 16 شخصا بينهم امرأة، إضافة إلى إصابة 30 آخرين بجروح متفاوتة، وفق ما ذكر مكتب «أخبار سوريا». وقُتل 10 أشخاص في حي طريق الباب إثر استهدافه بأحد البراميل، فضلا عن حدوث دمارٍ كبيرٍ في الأبنية السكنية والمحلات التجارية في المنطقتين. وطال القصف أمس كلا من حيي القاطرجي وكرم الطراب وطريق المطار الدولي.

وفي دير الزور، شنّ الطيران النظامي غارات جويّة استهدفت إحداها المناطق الخاضعة لسيطرة المعارضة المسلّحة في المدينة، فيما استهدفت الغارتان الباقيتان ريف المدينة الشرقي. وتعرّضت كل من أحياء الحميدية والعرضي والشيخ ياسين إلى قصفٍ عنيف، بالتزامن مع اندلاع معارك عنيفة بين كتائب المعارضة والقوّات النظامية في حي الجبيلة. وأفاد مكتب «أخبار سوريا» عن تمكّن مقاتلي المعارضة من تفجير أربعة مقرّات نظامية في الحي، واستهداف مطار دير الزور العسكري بعدّة قذائف هاون.