التحقيق مع 34 إعلاميا مصريا وأجنبيا بتهم التحريض ضد الدولة

بينهم 20 في قضية «الجزيرة» و16 من شبكتي «رصد» و«يقين»

TT

وسط مخاوف غربية من التضييق على الحريات العامة في البلاد، بدأت السلطات القضائية المصرية أمس التحقيق مع 34 من الصحافيين المحليين والأجانب المتهمين بتطويع العمل الإعلامي، الذي يقومون به انطلاقا من القاهرة، لصالح جماعة الإخوان المسلمين التي تصنفها الحكومة منذ شهرين كـ«منظمة إرهابية». ويعمل 20 من الصحافيين المعينين في قناة «الجزيرة»، و16 في موقعين إخباريين آخرين على الإنترنت هما «يقين» و«رصد».

وقالت المصادر القضائية إن المقبوض عليهم يواجهون العديد من التهم، من بينها الإضرار بالمصالح العليا للدولة من خلال بث «أخبار مصطنعة» عن الأحداث في البلاد.

وبينما يجري الحديث في أوساط النشطاء عن احتمال تزايد التضييق على حرية التعبير، خاصة على مواقع التواصل الاجتماعي التي تضم حسابات لنحو 16 مليون مصري، قال الكاتب بلال فضل أمس إنه منع من نشر مقاله المعتاد في صحيفة «الشروق» الخاصة، بسبب ما عده تدخلا من محسوبين على السلطات الجديدة في الدولة، لكن الأنباء عن عودة برنامج الإعلامي الساخر باسم يوسف للبث على إحدى القنوات الفضائية المصرية قريبا، قللت من اليقين في أن يكون استهداف الإعلام في حد ذاته أمرا مقصودا من الدولة في ثوبها الجديد.

وقال الخبير الإعلامي، الدكتور ياسر عبد العزيز، لـ«الشرق الأوسط» عن هذه التطورات المربكة في العلاقة بين الحكام الجدد والإعلام، إنه يوجد لدى البعض تصور زائف مفاده أن شخصا محددا، أو سلطة بعينها، ترتب القرارات والإجراءات المتصلة بكافة الشؤون العامة في مصر، وأضاف أن هذا التصور «متهافت وساذج»، مشيرا إلى أن «مصر دولة كبيرة، وفي الوقت الراهن لا توجد سلطة محددة قادرة على أن تضبط الإيقاع وفق تشخيصها لمصالحها في كل النواحي».

وسلمت النيابة العامة بمصر أمس لمحكمة استئناف القاهرة، ملف قضية صحافيي «الجزيرة» المعروفة باسم «خلية ماريوت» بسبب القبض على عناصرها في الفندق المطل على النيل والمعروف بهذا الاسم، الشهر الماضي. ويواجه 20 شخصا في هذه القضية، بينهم أجانب، تهما بتأسيس شبكة إعلامية، يتزعمها مصري (كندي الجنسية) ومنتمٍ لجماعة الإخوان، تصطنع مشاهد مصورة لتشويه صورة مصر والقوات المسلحة أمام الرأي العام الأجنبي، عن طريق بث تلك المشاهد عبر قناة «الجزيرة» الفضائية وشبكة «سي إن إن» الأميركية، وفقا لمحاضر التحقيقات. وينفي المتهمون التهم المنسوبة إليهم.

وبالتزامن مع قرب إحالة المتهمين للمحكمة، أعرب الاتحاد الأوروبي عن قلقه حيال ما سماه «الضغوط التي تمارس على وسائل الإعلام» في مصر، وأضاف أن الاحتجاز والتهم العشوائية تعرقل بشكل جدي الحريات الأساسية للتعبير والصحافة، والتي يجب أن تصان في جميع الأوقات كعنصر حيوي للديمقراطية. لكن كبار المسؤولين في الدولة يؤكدون عكس ذلك، ومن بينهم الرئيس المؤقت عدلي منصور، الذي شدد أثناء استقباله لوفد من البرلمان البريطاني في مقر الرئاسة بالقاهرة يوم أول من أمس على حرية التعبير والإعلام، وفقا للدستور الجديد.

ومن جانبها بدأت نيابة قصر النيل بوسط القاهرة أمس التحقيق مع 14 مصورا ومحررا صحافيا من الشبكتين الإخباريتين على الإنترنت «رصد» و«يقين»، ومن بين التهم الموجهة للموقوفين «إذاعة وبث أخبار كاذبة تضر بالأمن القومي والسلم العام والعمل من دون ترخيص»، بالإضافة إلى «تبني توجهات جماعة الإخوان». وداهمت الأجهزة الأمنية مقري الشبكتين في شقتين بشارع شامبليون القريب من ميدان التحرير وسط القاهرة. وقال محام عن المتهمين إنهم «غير مذنبين».

وفي صحيفة «الشروق» اليومية، أبدى الكاتب بلال فضل أسفه لحجب نشر مقاله اليومي في الصحيفة ليومين متتابعين، مشيرا إلى أن مقاله كان يتحدث عن قائد الجيش المشير عبد الفتاح السيسي، والكاتب محمد حسنين هيكل. وأضاف في حسابه على موقع «تويتر»: «للأسف جرى منع مقالي من النشر في صحيفة الشروق السبت والأحد، وجرى نشر اعتذار باسمي دون معرفتي. المقال كان يتحدث عن المشير السيسي والأستاذ هيكل».

وبينما بدا أن البعض يصور الأمر على أنه توجه لقمع حرية الإعلام، فوجئت الأوساط الصحافية بإعلان فريق العمل مع الإعلامي الساخر باسم يوسف أنه سيقدم برنامجه «البرنامج» يوم الجمعة المقبل على قناة «إم بي سي مصر». ومعروف عن باسم نقده اللاذع لكبار السياسيين والمسؤولين في الدولة، ويحظى بشعبية كبيرة على شاشة التلفزيون. وكان يقدم برنامجه على فضائية «سي بي سي»، وتوقف قبل شهرين بسبب خلاف مع إدارة القناة.

وعلق الإعلامي عبد العزيز قائلا إن «كثيرين ممن يتخذون القرارات، التي تفسر على أنها رغبة سلطوية، إما أنهم يدافعون عن مصالحهم كما يشخصونها، أو يحاولون التقرب إلى جهة أو شخص، أو يعبرون عن رؤيتهم، أو يخطئون بسبب قلة الكفاءة».

وتابع عبد العزيز قائلا عن قضية صحافيي قناة «الجزيرة» إن «الحديث عن أن قناة (الجزيرة) في تغطيتها للشأن المصري وسيلة إعلام، هو نوع من التدليس». وأضاف أن «(الجزيرة) أداة تحريض على العنف، وبث الفتنة، ومحاولة لتقويض أركان الاستقرار في مصر».

وأشار عبد العزيز إلى أن «(الجزيرة) لها وضع مختلف عن أي وسيلة إعلام أخرى، لأنها تنتمي إلى دولة لا تسمح بأي ممارسة تنطوي على نقد مشروع وموضوعي ومعتدل لأداء السلطة العامة في تلك الدولة، وبالتالي من المستغرب أن تكرس طاقة إعلامية ضخمة جدا في اتجاه واحد هو التحريض على السلطة العامة في مصر».