فتوى «طلاق الزوجة الإخوانية» تثير مخاوف الأسر المصرية

شيوخ أجازوها و«الإفتاء» عدتها باطلة وخطرا على المجتمع

TT

كل شيء في مصر جائز.. ثورة وتفجيرات، وثوار ومعارضون ومناوئون، ومحاكمات، وانتخابات، وباعة شعارات ورايات.. رجال لكل العصور، ودماء تسقط هنا وهناك، أصبحت فعلا يوميا اعتياديا، كشرب كوب شاي.

بحدة تتناثر الكلمات السابقة من العجوز السبعيني، وهو قابع على كرسيه بالمقهي مضيفا «أصبحنا بلد العجائب. من كان يصدق أن المصري يحارب المصري، أو الزوج يطلق زوجته، لأن رأيها ضده في السياسة. طيب لو كان أبوه كان يعمل معاه إيه؟!».

سؤال الرجل، ويدعى الشيخ حمدان، لم يمر مرور الكرام، فسرعان ما رده إليه بطريقة تبدو محرجة عدد من الزبائن قائلين: «ماذا كنت ستفعل لو أنت في موقف الزوج يا شيخ حمدان».

انقبضت أسارير الرجل وهو يرد عليهم: «ربنا قال عاشروهن بالمعروف وسرحوهن بالمعروف.. لكن البروباغندا والزفة الكدابة وبلاغ للنائب العام إفلاس وعقم».

وعلى غرار الفيلم السينمائي الشهير «الزواج على الطريقة الإيطالية»، ومن زاوية مضادة تطل أحدث غرائب الواقع المصري متمثلة في «الطلاق على الطريقة السياسية»، بعد أن تقدم زوج لنيابة أمن الدولة العليا ببلاغ ضد زوجته، وهي مدرس مساعد بإحدى كليات الطب، يتهمها فيه بأنها «إخوانية» وتحرض على «الإرهاب».

وأوضح الزوج في بلاغه أن الخلافات اشتدت بحدة بينه وبين زوجته بعد أن رفض المثول إلى طلباتها بالموافقة على انضمامه للجماعة التي عدتها الحكومة منظمة «إرهابية». وقال إن «ميول زوجته الإخوانية انكشفت منذ تولى الرئيس المعزول محمد مرسي الحكم». وطالب الزوج في بلاغه بـ«اتخاذ الإجراءات القانونية ضد الزوجة لكونها منضمة إلى إحدى الجماعات الإرهابية، وهي جماعة الإخوان، ومحرضة للطلاب على التظاهر والتخريب مستغلة في ذلك وظيفتها كمدرس مساعد بالجامعة». وأكد الزوج أنه بصدد تطليق زوجته وأرفق في بلاغه صورة لها وهي تشير بعلامة رابعة، وخلفها ساعة «بيغ بن» في أثناء زيارة حديثة لها إلى لندن.

بلاغ هذا الزوج ضد زوجته «المتأخونة»، لم يلفت نظر الكثيرين، بل البعض أخذه على محمل الخفة والمزاح، وهناك من أدان الزوج واتهمه بـ«الابتزاز السياسي»، واستغلال ما تمر به البلاد في غرض شخصي لا علاقة له بالحياة الزوجية. كما أطلق سيلا من السخرية وقفشات الدعابة، من قبيل «احذر زوجتك خلية إخوانية نائمة»، و«انتبه فراشك قنبلة موقوتة» و«طلقها واتمكن».

وأعلنت الحكومة المصرية، في ديسمبر (كانون الأول) الماضي، جماعة الإخوان جماعة «إرهابية» وجميع أنشطتها «محظورة»، واتهمتها بأنها وراء تنفيذ عدد من التفجيرات التي تشهدها البلاد، من أبرزها تفجير مبنى مديرية أمن محافظة الدقهلية شمال البلاد، وأسفر عن مقتل 16 شخصا وإصابة العشرات.

ولم يكد غبار هذه الواقعة ينقشع حتى «زاد الطين بلة»، وظهرت فتوى أطلقها الشيخ مظهر شاهين خطيب مسجد عمر مكرم الشهير المتاخم لميدان التحرير بوسط القاهرة والملقب بـ«خطيب الثورة»، على إحدى الفضائيات، قال فيها: «إذا تبرأت الزوجة الإخوانية من انتمائها فأهلا وسهلا بها، أما إذا استمر ما بداخلها من أفكار إرهابية متطرفة ضد الوطن وضد الدين فقد وجب طلاقها، وتروح تقعد مع أبيها».

وأضاف شاهين: «على الزوج إذا اكتشف ذلك أن يعرض عليها التوبة والعودة إلى الوطنية والتخلي عن الأفكار الإرهابية أولا. فإن أبت إلا أن تشارك في القتل والإرهاب فقد بانت خيانتها للوطن وباتت في عرف القانون مجرمة وفي حكم الشرع فاسدة، وهذا يشكل خطرًا على الأسرة والمجتمع»، ووصف شاهين الزوجة الإخوانية بأنها في حكم «المرتدة عن الإسلام».

واستنكر فتوى شاهين عدد من علماء الأزهر، وردت عليها دار الإفتاء المصرية، مشيرة إلى أن مثل هذه المقولات هي رأي شخصي وليست فتوى شرعية. وأشارت الإفتاء إلى أن رأي شاهين «شابه نوع من المزايدة بسبب المتغيرات السياسية، وليس أسباب الطلاق الواردة في كتب الشريعة، خاصة مع التحذير الشديد من التطليق بغير موجب شرعي وفق القرآن الكريم والسنة النبوية الشريفة». وقالت دار الإفتاء إنه «إذا ثبت تورط أحد الزوجين في أعمال إرهابية فالمرجع في ذلك إلى جهات التحقيق».

وحاول شاهين توضيح فتواه والتخفيف من حدتها أمس، قائلا إن الخلاف الفكري لا يوجب الطلاق وإن «المرأة الإخوانية التي تربي أولادها على هذا الفكر بشكل سلمي لا يجب تطليقها»، لكنه شدد على أنه يقصد بـ«الزوجة الإخوانية» تلك «التي تحرض على الجيش والشرطة والقضاء وتدوس على علم بلادها وتفرح في قتل الضباط والجنود وتقوم بتصنيع المولوتوف (القنابل الحارقة) في منزلها من أجل استخدامه ضد الشعب».

ولم يقتصر الأمر على مظهر شاهين فحسب، بل نصحت الدكتورة سعاد صالح، وهي أستاذة بجامعة الأزهر، في برنامجها التلفزيوني «فقه المرأة» على إحدى الفضائيات، أن من يكتشف أن خطيبته إخوانية فيجب عليه أن يتركها على الفور «وسيبدلك الله بخير منها».

وحذر خبراء وعلماء اجتماع من اتساع مساحة الكراهية بين نسيج الشعب المصري والتأثر بمتغيرات الوضع السياسي ومغازلة من هم في الحكم، ولفتوا إلى أن شيوع مثل هذه الأفكار إلى حالة من «المكارثية» (الاتهامات على غير أساس، والإرهاب الثقافي والفكري)، والتي لا يزال يعاني من آثارها شعوب كثيرة على رأسها الشعب الأميركي.

لكن الشيخ حمدان، والذي يجهل معنى كلمة «مكارثية» يعلق قائلا: «ولسه يا ما في الجراب يا حاوي!».