مظلة باكستان الخضراء في خطر

استهلاك الأخشاب للتدفئة في واحدة من أقل الدول امتلاكا للغابات

استخدام الأشجار في التدفئة على نحو واسع خلال شهور الشتاء يهدد مظلة باكستان الخضراء (نيويورك تايمز)
TT

يعيش راميش إقبال، الطالب الجامعي، في أحد أحياء الطبقة المتوسطة في العاصمة الباكستانية، إسلام آباد. غير أن هذا الطالب الجامعي شوهد مؤخرا وهو يخرج بصحبة مجموعة من زملائه من بين ثنايا إحدى مناطق الغابات، حاملين بأيديهم جذوع وفروع الأشجار، التي قاموا بجمعها لاستخدامها في تدفئة منازلهم.

يقول إقبال (24 عاما) «لم نكن نتخيل أبدا أنه سيأتي اليوم الذي نواجه فيه ذلك الموقف. لكننا نواجه الكثير من المشكلات بسبب الشتاء وبرودة الطقس». وفي بلد يعاني 20 في المائة من سكانه من غياب المرافق الأساسية، ظلت أجيال من الباكستانيين الفقراء، الذين يعيشون في المناطق الريفية، يعتمدون على الأخشاب في محاولة للتغلب على برد الشتاء القارس. لكن النقص الحاد في مصادر الطاقة أجبر أيضا الأسر الثرية على التحول إلى استهلاك الأخشاب. ترى الباكستانيين يقتطعون الفروع ويقتلعون الشجيرات الصغيرة ويسقطون الأشجار الكبيرة، ثم يحملون تلك الغنيمة، التي يحصلون عليها من أي مكان يذهبون إليه، باستخدام الشاحنات أو الدراجات البخارية أو حتى الدراجات الهوائية. ومع كل جولة يقومون بها، تفقد باكستان جزءا آخر من مظلتها الخضراء، وهو ما يشكل جرس إنذار في واحدة من أقل الدول امتلاكا للغابات في العالم.

يسيطر على دعاة حماية البيئة والمسؤولين الحكوميين القلق من أن باكستان تشهد حاليا مرحلة خطرة، إذ إن المساحة المغطاة بالأشجار قد وصلت إلى 2 – 5 في المائة فقط من إجمالي المساحة التي كانت تتمتع بها في السابق. كما يخشى المسؤولون أن يؤدي تزايد اجتثاث الغابات إلى مزيد من الفيضانات المدمرة والانهيارات الصخرية والانزلاقات الأرضية، كما سيؤدي إلى زيادة معدلات تلوث مياه الشرب بالبكتيريا وكذلك تلوث الهواء.

يقول برفيز أمير، مشرف غابات وخبير زراعي، «تواجه باكستان في الوقت الحالي وضع جد خطير بعد أن اتجه أبناء الطبقة المتوسطة إلى قطع وحرق الأشجار في محاولة لتعويض نقص مصادر الطاقة».

غير أن إقناع الشعب بالأهمية البيئية للأشجار يبدو أمرا في غاية الصعوبة، لا سيما في العام الحالي الذي يشهد انقطاع الكهرباء لمدة قد تصل إلى 10 ساعات في اليوم الواحد في الوقت الذي تكون إمدادات الغاز المتوفرة قليلة جدا وليست كافية لتشغيل السخانات أو مواقد إعداد الطعام.

حتى في إسلام آباد، المعروفة بأنها واحدة من أكثر العواصم الآسيوية خضرة بفضل وجود مرتفعات مارغالا، يجري التهام الغابات، وهو ما يخلف مساحات كبيرة خالية إلا من بقايا الأشجار المقطوعة. خلال الحكم البريطاني الاستعماري، كانت باكستان ذات كثافة سكانية منخفضة، وكان الباكستانيون يتجنبون قطع الأشجار، تلك الخطوة التي خلعت الغطاء الأخضر عن الكثير من المناطق في جنوب آسيا. في وقت من الأوقات، كانت باكستان تمتلئ بغابات أشجار الخشب العملاقة في الشمال، وغابات الصنوبر في التلال الغربية، بالإضافة إلى غابات المنغروف الكثيفة المنتشرة على حدودها الجنوبية التي تتلاقى مع المحيط الهندي. غير أنه ومع زيادة عدد السكان في باكستان من نحو 37 مليون نسمة في عام 1947، عندما انفصلت عن الهند، إلى ما يقدر بـ180 مليون نسمة في الوقت الحالي، جرى استنزاف هذه الغابات بشكل سريع. وعندما جرى احتلال أفغانستان من قبل الاتحاد السوفياتي في عام 1979، نزح أكثر من مليون أفغاني إلى باكستان، حيث كانوا يعيشون في معسكرات متنقلة يشيدونها من خشب أشجار الغابات التي يقطعونها أينما نزلوا.

خلال السنوات القليلة الماضية، تخوض باكستان صراعا لمكافحة «مافيا الأخشاب» القوية. ويجري إطلاق مصطلح «مافيا الأخشاب» على الأفراد والجماعات المنظمة التي تقوم بقطع الأشجار وبيع أخشابها من دون الحصول على تصريح بذلك. وعلى مدى سنوات، جرى تداول الكثير من المزاعم أن قيادات الشرطة والمسؤولين عن الغابات قبلوا رشى من تلك الصناعة الرابحة.

يقول محمد أفضال خان، وزير فيدرالي سابق في وادي سوات ذي المناظر الطبيعية الخلابة والذي شهد أكبر عمليات قطع أشجار غير قانونية، «خلال الفترة التي عاش فيه والدي، أي منذ ما يقرب من 70 - 80 عاما مضى، كانت هناك غابات وأشجار مرتفعة على كل التلال تقريبا، أما الآن فقد خلعت غالبية تلك التلال رداءها الأخضر. ويعد المسؤولون عن الغابات جزءا لا يتجزأ من تلك المشكلة – فهم لا يقومون بدورهم في حماية تلك الغابات».

يؤدي نقص إمدادات الغاز الطليعي، اللازم للتدفئة وإعداد الطعام، في الوقت الحالي إلى قيام الباكستانيين على نحو متزايد باستخدام الخشب في إشعال النار في أماكن التدفئة والمواقد المتنقلة. وعلى الرغم من أن باكستان كانت تملك كميات كبيرة من الغاز الطبيعي منذ 10 أعوام، فقد أدت الزيادة الكبيرة في الطلب على الغاز وعدم كفاءة الاستخدام إلى تناقص مستمر في كميات الغاز المتوفرة في فصول الشتاء الأخيرة.

يقول خالد نظير (35 عاما)، ويعمل ترزيا في إسلام آباد، «هذه هي المرة الأولى التي نجد أنفسنا فيها مضطرين لجمع الخشب، إذ لم تحدث مثل تلك الأزمة في إمدادات الغاز الطبيعي من قبل». يوضح سيد محمود نصير، مفتش باكستان العام على الغابات، أنه يشعر بالقلق لا سيما أن كبرى المصانع في المدن الكبرى، مثل كراتشي، يلجئون أيضا لاستخدام الأخشاب بسبب نقص الكهرباء والغاز.

ويعلق نصير على تلك الظاهرة بقوله «ينبغي أن يثير ذلك القلق ليس فقط في باكستان، بل في العالم أجمع».

قبيل العالم الحالي، قدر البنك الدولي أن المساحة المغطاة بالغابات في باكستان تصل إلى 2.1 في المائة فقط، بالمقارنة بـ23 في المائة في الهند و33 في المائة في الولايات المتحدة. لكن المسؤولين الباكستانيين شككوا في ذلك الرقم، مشيرين إلى أن بيانات المأخوذة من صور الأقمار الصناعية تقول إن 5.1 في المائة من باكستان مغطاة بغابات الأشجار.

* خدمة «نيويورك تايمز»