قانون التقاعد الموحد.. حلم فقراء العراق الذي أجهضته «الخدمة الجهادية»

أقره البرلمان أول من أمس ليدخل بورصة المزايدات السياسية

جانب من البرلمان العراقي (أ.ب)
TT

لم يجف حبر القانون الذي انتظره فقراء العراق وفي مقدمتهم المتقاعدون والأرامل وأصحاب العقود (قانون التقاعد الموحد)، الذي صوت عليه البرلمان العراقي بالأغلبية أول من أمس، حتى دخل بورصة المزايدات الانتخابية والسياسية، فيما فتح باب الطعون على مصراعيه على بعض الفقرات المختلف عليها.

القانون الذي حالت الخلافات السياسية، فضلا عن انسحاب كتلة «متحدون» التي رفضت حتى دعوات زعيمها أسامة النجيفي بالعودة إلى البرلمان، دون إقراره منذ العام الماضي، رأى النور أخيرا. ورفع القانون الجديد الحد الأدنى من الراتب التقاعدي للموظف إلى 400 ألف دينار عراقي شهريا (350 دولارا أميركيا) بدلا من 220 ألف دينار، وكان للحراك المدني الشعبي والفعاليات الشبابية دور بارز فيه سواء من حيث إبطال فقرة الرواتب التقاعدية العالية لأعضاء البرلمان أو في الإسراع بإقراره، مهددا بتنظيم مظاهرات كبيرة تسبق الانتخابات البرلمانية نهاية أبريل (نيسان) المقبل.

جلال الشحماني، الأمين العام لتجمع الشباب الحر، قال في تصريح لـ«الشرق الأوسط» إن «قانون التقاعد الموحد ينطوي على كثير من الفقرات الإيجابية لا سيما على صعيد إنصاف شريحة الفقراء، وهي الشريحة الأوسع من أبناء الشعب العراقي، بمن فيهم الأرامل وأصحاب العقود، وهي مسائل مهمة بالفعل، وكان للحراك المدني دور أساسي فيها»، عادّا مطالبة بعض الكتل البرلمانية والسياسية بالطعن في بعض فقرات القانون، لا سيما تقاعد النواب أو الخدمة الجهادية، «مزايدة سياسية وانتخابية لأن من صوّت على هذه الفقرات غالبية النواب ومن كتل مختلفة، وبالتالي، فإن سعى البعض إلى مغازلة الشعب والإيحاء له بأنه بريء من هذه الفقرة أو تلك، لا يمكن أن ينطلي على أحد». وأشار إلى أن «تقاعد النواب جرى نوع من الالتفاف بشأنه على صعيد قرار المحكمة الاتحادية الذي كان قد طعن في (لا دستورية) القانون آنذاك، لكن الأمر أصبح الآن دستوريا، غير أن الجانب المهم هنا هو أن هذا القانون لم يمنح النواب الرواتب الخيالية التي كانوا يتمتعون بها، بل جعل رواتبهم مساوية لرواتب أقرانهم من أصحاب الدرجات الخاصة، وبالتالي هبطت تلك الرواتب إلى أقل من الثلث». وأوضح الشحماني أن «فقرة الخدمة الجهادية أراد بعض السياسيين من خلالها إجهاض القانون، فإن ما نقوم به في الوقت الحاضر هو توجيه المناشدات والمطالبات بإلغاء هذه الفقرة التي تمثل نوعا من الفوارق بين أبناء الشعب، ونحن في حال عدم الاستجابة لمطالبنا سنتخذ إجراءات أخرى، لأننا نريد لهذا القانون أن يساوي بين كل العراقيين على أساس قاعدة المساواة في الوطنية، لأن كل العراقيين، سواء كانوا في الداخل أم الخارج، كانوا قد قاوموا النظام الديكتاتوري السابق».

وأعلنت بعض الكتل البرلمانية اعتراضها على الفقرة الخاصة بتقاعد النواب، لكن أيا منها لم يعلن موقفا واضحا بشأن فقرة «الخدمة الجهادية». وقالت كتلة «المواطن» التابعة للمجلس الأعلى الإسلامي بزعامة عمار الحكيم، وعلى لسان نائب رئيسها عبد الحسين عبطان، في بيان إنها تطالب «بنشر التصويت الذي جرى (أول من) أمس على المادة 38 الخاصة بتقاعد النواب وأعضاء مجالس المحافظات، لكي يعلم المواطن العراقي من الذي صوت على هذه الفقرة». وقال عبطان إنه «ليس بالضرورة الموافقة على جميع فقرات قانون التقاعد الموحد، ولكن في كتلة (مواطن) بذلنا جميع الجهود من أجل عقد هذه الجلسة وإقرار هذا القانون قبل انتهاء الدورة البرلمانية الحالية».

لكن حنان الفتلاوي، النائبة عن ائتلاف دولة القانون بزعامة رئيس الوزراء نوري المالكي، ذهبت إلى ما هو أبعد من ذلك، معلنة أنها ستطعن في الفقرة الخاصة بـ«تقاعد النواب»، قائلة إن الفقرة «التفاف على إرادة الشارع وخرق دستوري لقرار المحكمة الاتحادية القاضي بإلغاء الرواتب التقاعدية للنواب». وطالبت النائبة رئاسة مجلس النواب «بإعلان أسماء النواب الذين صوتوا على فقرة تقاعد النواب ليعرف الشارع العراقي من الذي صوت ومن الذي لم يصوت ولتتوقف قضية المزايدات».

من جهتها، اعترضت كتلة «الفضيلة» في البرلمان على ما سمته الامتيازات غير المقبولة التي منحتها الطبقة السياسية لنفسها في قانون التقاعد الموحد. وقالت الكتلة في بيان إن القانون «خصص امتيازات غير مبررة لكبار مسؤولي الدولة استثناء من معايير وضوابط القانون نفسه المطبق على باقي الموظفين». وأضاف البيان أن «ذلك يشكل استفزازا للجمهور وتأسيسا للطبقية الفاحشة بين أبناء المجتمع الواحد».

ومع ذلك، ورغم الاعتراضات البرلمانية والسياسية على القانون، فإنه لم يتعرض أحد من أبناء الطبقة السياسية لفقرة «الخدمة الجهادية» التي ستشكل نقطة تعارض فارقة مع الشعب الذي ينتظر عبر ممثلي حراكه المدني ما إذا كان سيعاد النظر فيها أم لا.