دمشق تعلل تأخير تسليم الكيماوي بـ«الإرهاب» وتلمح إلى «حيلولة التنفيذ»

مدير المخابرات الوطنية الأميركية يقول إن الاتفاق جعل الأسد «أقوى»

صورة وزعتها «سانا» لتوقيع مذكرة تفاهم بين النظام من جهة والأمم المتحدة ومنظمة حظر الأسلحة الكيماوية من جهة أخرى في دمشق أمس (أ.ف.ب)
TT

علل فيصل المقداد، مساعد وزير الخارجية السوري، أسباب تخلف بلاده عن الالتزام بمواعيد تسليم ترسانتها الكيماوية بـ«صعوبات» تواجهها «في إطار مكافحتها الإرهاب قد تحول دون تنفيذ» بعض التزاماتها في العملية. لكنه جدد في الوقت نفسه المضي من أجل «التنفيذ التام» لهذه الالتزامات. وجاء ذلك غداة إفادة مدير المخابرات الوطنية الأميركية، جيمس كلابر، أمام الكونغرس، التي أكد خلالها أن الاتفاق الأميركي - الروسي الذي أبرم العام الماضي للتخلص من الأسلحة الكيماوية السورية جعل الرئيس بشار الأسد في «وضع أقوى» من ذي قبل، ولا فرصة تذكر فيما يبدو لأن تتمكن المعارضة قريبا من حمله على ترك السلطة.

وقال كلابر: «الاحتمالات في الوقت الحالي تشير إلى أن الأسد أصبح الآن في وضع أقوى فعليا عما كان عليه عندما ناقشنا الموضوع العام الماضي، بفضل موافقته على التخلص من الأسلحة الكيماوية مع بطء هذه العملية».

وأضاف كلابر إن حكومة الأسد ستظل في السلطة على الأرجح، في غياب اتفاق دبلوماسي على تشكيل حكومة انتقالية جديدة، وهو ما يعده كثير من المراقبين أمرا بعيد المنال.

وتابع قائلاً للجنة المخابرات بمجلس النواب: «أتوقع استمرار الوضع الحالي لفترة أطول.. حالة من الجمود المستمر حيث... لا يستطيع النظام ولا المعارضة تحقيق انتصار حاسم».

وردا على سؤال بشأن إفادة كلابر، قالت المتحدثة باسم وزارة الخارجية الأميركية جين ساكي، إن الحكومة الأميركية «واضحة للغاية ومتسقة» في الإقرار بأن الأسد حصل على مساعدة من مقاتلين أجانب ودعم من إيران، لكنها أضافت أن محادثات السلام السورية «جنيف2» التي بدأت الشهر الماضي زادت الضغط على دمشق.

وفيما يتعلق باتفاق الأسلحة الكيماوية، أشارت ساكي إلى قرار من مجلس الأمن يدعو سوريا للالتزام بهذا الاتفاق. وقالت: «سنرى ما إذا كانوا سيلتزمون بالوعود التي قطعوها»، حسب ما أوردته وكالة «رويترز».

وفي غضون ذلك، نقلت وكالة الصحافة الفرنسية عن مصادر متطابقة أن سوريا لم تحترم التزاماتها الدولية ولم تحترم المهلة التي انتهت أمس لنقل 1200 طن من العناصر الكيماوية خارج أراضيها. وأعلن مايكل لوهان، الناطق باسم منظمة حظر الأسلحة الكيماوية، أن الوضع «واضح» و«لا مجال لمزيد من التعليق».

كما انتقدت بريطانيا «مماطلة» سوريا في تسليم ترسانتها، وقال رئيس الوزراء البريطاني، ديفيد كاميرون، أمس، إنه قلق لتأخر سوريا في تسليم وتدمير أسلحتها الكيماوية عن الجدول الزمني، وأكد أن لندن تعتزم الضغط على دمشق لإعادة البرنامج إلى مساره.

وقال كاميرون، خلال إجابة عن سؤال مشرع كبير في البرلمان، إنه يشارك أعضاء البرلمان قلقهم المتزايد، لأن البرنامج السوري تأخر «كثيرا عن جدوله الزمني». وأضاف: «هناك بالفعل مؤشرات على أن البرنامج يمضي ببطء وأنه لم يكشف عن كل المعلومات الضرورية». وتابع: «بريطانيا ستستمر في الضغط على كل الأطراف لضمان تسليم الأسلحة الكيماوية وتدميرها».

وأفاد مصدر دبلوماسي بأن بريطانيا ستثير مخاوفها في اجتماع لمجلس الأمن اليوم (الخميس) للنظر في آخر المستجدات بشأن تنفيذ برنامج التخلص من الأسلحة السورية.

وقال أليستير بيرت، مشرع من حزب المحافظين الذي يتزعمه كاميرون وكان حتى أكتوبر (تشرين الأول) وزير دولة مسؤولا عن السياسة البريطانية تجاه سوريا، إن المماطلة من جانب دمشق تشير إلى أن الاتفاق الكيماوي كان خدعة لتفادي ضربة عسكرية وكسب مزيد من الوقت.

وكتب على حسابه الشخصي على «تويتر»: «لا غرابة في أن النظام السوري في موقف قوي. الاتفاق الكيماوي كان مناسبا لهم وسمح باستمرار أعمال القتل».

وفي دمشق، نقلت وكالة الأنباء الرسمية (سانا) عن المقداد قوله إن «الصعوبات التي تواجه سوريا، لا سيما في إطار محاربتها الإرهاب، قد تحول بين وقت وآخر دون تنفيذ بعض الالتزامات». وأضاف: «على الدول الداعمة للمجموعات الإرهابية المسلحة أن تعي أنها تقوم بجرائم ضد الإنسانية»، مشيرا إلى أنه «لا يمكن التساهل على الإطلاق عندما يتعلق الأمر بنقل الأسلحة الكيماوية من سوريا إلى خارجها».

وأكد المقداد مضي بلاده «بكل عزم وقوة ومصداقية من أجل التنفيذ التام للاتفاقيات مع الأمم المتحدة ومنظمة حظر الأسلحة الكيماوية».

وتعرضت سوريا لسلسلة انتقادات لعدم احترامها مهل تسليم مخزونها من الأسلحة الكيماوية التي أقرتها منظمة حظر الأسلحة الكيماوية.

وأعلنت الحكومة الأميركية أخيرا أن حمولتين صغيرتين فقط من الأسلحة الكيماوية الأكثر خطورة تمثلان نحو أربعة في المائة من الترسانة السورية المعلنة، غادرتا ميناء اللاذقية السوري حتى الآن، وذلك من أصل 700 طن كان ينبغي أن تتخلص منها دمشق مع نهاية 2013.

وبحسب خطة إتلاف الأسلحة الكيماوية السورية، كان يتعين على السلطات السورية أن تنقل إلى خارج أراضيها في ذلك التاريخ السبعمائة طن كاملة من العناصر الكيماوية الأكثر خطورة، وبينها عناصر تدخل في تركيب غاز الخردل وغاز السارين.

كما يتعين على دمشق، بحسب الخطة نفسها، أن تنقل في الخامس من فبراير (شباط) (أمس) 500 طن إضافية من العناصر الكيماوية التي أطلق عليها «الفئة 2». وفي الثامن من يناير (كانون الثاني)، حضت منظمة حظر الأسلحة الكيماوية دمشق على تكثيف جهودها لتسريع العملية.

وكانت الحكومة السورية عزت التأخير إلى سوء الأحوال الجوية، إضافة إلى المشاكل الأمنية المرتبطة بالنزاع الدامي المستمر منذ مارس (آذار) 2011. وأعلن نائب وزير الخارجية الروسي، غينادي غاتيلوف، أول من أمس، أن الحكومة السورية وعدت بتسليم حمولة كبيرة جديدة من ترسانتها الكيماوية قبل نهاية هذا الشهر، داعيا إلى عدم إضفاء طابع «دراماتيكي» على التأخير في إنجاز هذه العملية. ونص القرار 2118، الصادر عن مجلس الأمن الدولي، على تدمير الترسانة الكيماوية السورية بحلول منتصف عام 2014، وفيه إشارة واضحة إلى الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة الذي ينص على إمكان فرض عقوبات أو استخدام القوة العسكرية بحق الجهة التي لا تفي بالتزاماتها.