المطالبة بعملية عسكرية دولية في الجنوب الليبي تخرج إلى العلن

وزير داخلية النيجر يعدها «مشروعة وممكنة».. ورئيس الأركان الفرنسي يراها «الحل الأمثل»

TT

هل ثمة عملية عسكرية قيد التحضير لتدخل دولي في ليبيا؟ السؤال كان مطروحا في الدوائر الخاصة وداخل الغرف المغلقة، لكنه الآن أخذ طريقه إلى العلن، وآخر من تناوله وزير داخلية النيجر مسعود حاسومي خلال زيارة له إلى باريس؛ إذ أعلن في مقابلة صحافية مع إذاعة فرنسا الدولية المسموعة في أفريقيا أن «القوى التي تدخلت في ليبيا لقلب نظام (العقيد السابق معمر) القذافي يتعين عليها اليوم توفير خدمات ما بعد البيع، لأن ليبيا تحولت إلى مأوى للإرهابيين». وأضاف الوزير النيجري أنه «من المشروع لدول مثل فرنسا والولايات المتحدة التدخل للقضاء على التهديد الإرهابي في جنوب ليبيا».

وما قاله الوزير الأفريقي عبر عنه بكلام قريب للغاية رئيس الأركان الفرنسي الأميرال أدوار غيو، الذي تنتهي مهمته على رأس الجيوش الفرنسية في 15 فبراير (شباط) الحالي؛ فقد أعلن غيو، بمناسبة ندوة أكاديمية عقدت في باريس يوم 27 يناير (كانون الثاني) الماضي أن السيناريو «الأمثل» لوضع حد لحالة الفوضى في الجنوب الليبي يتمثل في «عملية دولية» للتخلص من المجموعات المرتبطة بـ«القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي».. بيد أنه ربط تحقيق ذلك بالحصول عل موافقة من الحكومة الليبية.

وتتداول بعض المراجع الفرنسية بعض «الأفكار» التي يمكن أن تكون ردا على «التحدي» الذي يرتدي وجه الفلتان الأمني في الجنوب الليبي، سواء لجهة المعارك القائمة بين قبائل عربية وأخرى غير عربية، أو تنقل المجموعات المسلحة وتهريب السلاح وتخزينه. وترى هذه الأوساط أن الحرب التي قامت بها فرنسا في مالي دفعت العديد من المجموعات المسلحة إلى الهرب باتجاه الجنوب الليبي المتفلت منذ سقوط نظام القذافي.

وأفادت مصادر أمنية أن الجنوب الليبي، الذي توجد فيه أيضا بعض الميليشيات، يخضع منذ فترة طويلة لرقابة «خاصة» وبوسائل متعددة؛ جوية، وإلكترونية، وبشرية، نظرا للمخاطر المترتبة على وجود عناصر مقاتلة وأخرى إرهابية على أمن دول الجوار. كما أن انفلات الحدود الليبية مصدر قلق في بلدان مثل تونس والجزائر ومصر ودول الساحل، ولدى الدول الأوروبية التي لها مصالح في المنطقة وعلى رأسها فرنسا.

ويبدو واضحا أنه إذا كانت ستقوم أية عملية عسكرية في المنطقة، فإن باريس ستكون في مقدمتها نظرا لحضورها العسكري في مالي وأفريقيا الوسطى وتشاد، وأيضا للدور الخاص الذي تلعبه في أفريقيا. وعمدت وزارة الدفاع الفرنسية في الأشهر الأخيرة إلى إعداد خطة «إعادة انتشار» عسكري في المنطقة لضمان الاستقرار من جهة، ولمواجهة التهديد الإرهابي من جهة أخرى. وحمل وزير الدفاع الفرنسي الخطة إلى الولايات المتحدة في 23 يناير (كانون الثاني) الماضي لعرضها على نظيره تشاك هيغل.

ويرى الوزير النيجري أن الوعي بمخاطر التهديد الإرهابي في الجنوب الليبي أصبح اليوم «حادا»، مما يجعل التدخل الدولي – وفق تعبيره - «أمرا ممكنا». وما يصح على باريس يصح أيضا على واشنطن، التي وفرت الدعم اللوجيستي والمادي والاستعلامي لفرنسا في مالي، وتساعدها حاليا في جمهورية أفريقيا الوسطى.

وقال جيمس كلابير، مدير المخابرات الأميركية، قبل أقل من أسبوع إن بلدان أفريقيا ما تحت الصحراء «أصبحت مولدة» للمجموعات الإرهابية. لكن حتى الآن، لم تصدر عن واشنطن أي إشارة جدية لاستعدادها للقيام بعمل مباشر من هذا النوع.. لكن ما يقال في باريس وواشنطن وعواصم أفريقية حفظته السلطات الليبية المؤقتة عن ظهر قلب.. ودأب ممثلوها في الاجتماعات المتلاحقة حول أمن الحدود الليبية، وآخرها عقد في المغرب (وهناك اجتماع آخر مقرر في روما قريبا)، على دعوة القوى الكبرى لمد يد المساعدة لها ليس فقط في موضوع أمن الحدود، بل في الموضوع الأمني العام في كل الأنحاء الليبية.

وحتى الآن، عجزت السلطات عن فرض هيبتها وعن حل الميليشيات أو استيعابها داخل القوى الأمنية الرسمية. وترى مصادر ليبية أنه طالما توجد 20 مليون قطعة سلاح بين أيدي المواطنين، فإن الأمن لن يتحقق لا في الجنوب ولا حتى في العاصمة أو بنغازي. ولذا، فإن بعض الأصوات الرسمية والسياسية الليبية أخذت تدعو - وبشيء من الإلحاح - إلى المساعدة على جمع السلاح وتوفير الأمن، ولكن في إطار الأمم المتحدة، حيث لا تزال ليبيا تخضع لقرارات دولية تحت الفصل السابع.

لكن من الواضح أن طلبا كهذا لا يمكن أن يصدر عن المسؤولين الليبيين، لأنه سيثير حفيظة أحزاب ومجموعات تستفيد من وضع الفوضى الحالي، وليس من مصلحتها أبدا أن تقوم أجهزة وقوات وطنية - بمساعدة أجنبية - بوضع حد لحال الفوضى القائمة في ليبيا.