مؤتمر «السياسات الجنائية» في مراكش يوصي بتعديل التشريعات لتشمل العقوبات البديلة

أكد أن الحرمان من الحرية يجب أن يكون في إطار وظيفته الإصلاحية

جانب من أشغال مؤتمر «السياسات الجنائية الحديثة» في مراكش أمس. (تصوير: عبد الرحمن المختاري)
TT

أوصى المشاركون في مؤتمر «السياسات الجنائية الحديثة: آثارها وانعكاساتها على النظم الإصلاحية في العالم العربي.. العقوبات البديلة وبرامج الرعاية اللاحقة»، الذي اختتمت أشغاله أمس في مراكش، بـ«مراجعة التشريعات الجنائية بما يتماشى والتوجهات السياسية الجنائية والعقابية الحديثة ومعايير القانون الدولي لحقوق الإنسان»، و«الحرص على تأمين ضمانات المحاكمة العادلة من خلال إدراج كل مبادئها في المنظومات التشريعية ومن خلال التطبيقات والممارسات اليومية»، و«انتهاج خطط عمل ملائمة للتشريعات الجنائية مع الآليات الدولية لحقوق الإنسان، لإعمال الملاحظات والتوصيات الصادرة عن المنتظم الدولي، بما في ذلك توصيات الاستعراض الدوري الشامل»، و«تقوية إطار حماية الفئات الهشة في المنظومة الجنائية بما يلبي حاجاتهم الخاصة، في إطار المقرر والمتعارف عليها دوليا».

كما دعا المشاركون، في إطار التوصيات العامة، إلى «تقوية الوضع القانوني لحقوق الضحايا في التشريعات الجنائية، والانكباب على مرافقتهم النفسية والصحية»، و«تكثيف اللقاءات وتشجيع البحث والدراسات، وتبادل التجارب والخبرات بين الدول العربية، من أجل تطوير العمل والاستفادة من التجارب الناجحة».

وفيما يتعلق بالتوصيات الخاصة، دعا المشاركون إلى «تعديل التشريعات الجنائية لتشمل النص على العقوبات البديلة، بما في ذلك العمل للمنفعة العامة، وإعمالها بشكل فعال»، و«خلق الآليات الكفيلة بتفعيل النصوص التشريعية التي تنص على العقوبات البديلة، خصوصا في القضايا التي تتضمن الفئات الهشة»، و«تطوير برامج التوعية المجتمعية للترويج للعقوبات البديلة وتقبلها، والتعريف بجدواها وانعكاساتها الإيجابية على المجتمع»، و«العمل بشكل تشاركي مع كل الفاعلين في مجال العدالة، من قضاة وأعضاء النيابة العامة والدفاع من أجل إشاعة العمل بالعقوبات البديلة»، و«تعزيز دور قاضي تنفيذ العقوبة ليساهم في المسار الإصلاحي للمؤسسة السجنية، بما يقتضيه دوره في مقترحات تؤدي إلى مراجعة التدابير والعقوبات المتخذة».

وأوصى المشاركون، فيما يتعلق بالرعاية اللاحقة وإعادة الإدماج، بـ«إصلاح التشريعات الجنائية الوطنية وتعديلها لتشمل النص على الحق في إعادة الإدماج والرعاية اللاحقة، التي تعد من واجب الدولة ومسؤوليتها»، و«وضع برامج متخصصة للرعاية اللاحقة تهدف إلى إعادة الإدماج، بدءا من داخل المؤسسات العقابية، تؤمن لهم تكوينا ورصيدا معرفيا يجعلهم في مستوى التنافسية، ويمكن من مصاحبتهم بعد الإفراج ومساعدتهم على الاندماج في وسطهم الاجتماعي»، و«تقوية وتعزيز دور المجتمع المدني والقطاع الخاص في عملية الإدماج والرعاية اللاحقة».

وشدد المشاركون على أن الخيارات الحالية لمفهومي التجريم والعقاب أصبحت متجاوزة، وقاصرة وغير قادرة على رفع التحديات المذكورة، وأكدوا أن «الحرمان من الحرية يجب أن يكون في إطار وظيفته الإصلاحية وفي سياقه الاستثنائي، من دون أن يمس أو ينتقص، بأي حال من الأحوال، ما يجب أن يحظى به النزيل من صون ومراعاة لكرامته، ولا أن يبرر ما يمكن أن يستهدفه من إيذاء أو تعذيب أو معاملة قاسية وحاطة من الكرامة»، كما سجلوا «محدودية نجاعة العقوبات السالبة للحرية، خاصة منها ذات المدد القصيرة، في تحقيق الأهداف الأساسية لأي تشريع جنائي».

وعرف المؤتمر مشاركة خبراء من المغرب وتونس والجزائر والأردن وبلجيكا والولايات المتحدة، توزعت أشغالهم على ثلاثة محاور، همت «تطور النهج العقابي والإصلاحي والإطار القانوني الدولي»، و«بدائل العقوبات السالبة للحرية كأحد المرتكزات الإصلاحية الحديثة: ممارسات عملية لتطبيق العقوبات البديلة»، و«الرعاية اللاحقة في العالم العربي»، كما تضمن البرنامج تقديم شهادات معتقلين سابقين، والقيام بزيارة لكل من مركز التكوين بالسجن المحلي لمراكش ومركز الرعاية اللاحقة.

وهدف المؤتمر الذي نظمه، على مدى يومين، المجلس المغربي لحقوق الإنسان، بشراكة مع مؤسسة محمد السادس لإعادة إدماج السجناء والمنظمة الدولية للإصلاح الجنائي، إلى تسليط الضوء على «الحاجة الملحة إلى تطوير النظم الجنائية بالبلدان العربية، وذلك من خلال تغيير بعض المقتضيات الجنائية التي لا تتلاءم مع مبادئ حقوق الإنسان، ومع شروط وقواعد المحاكمة العادلة»، و«وضع سياسة جنائية شمولية ومندمجة، تكون قادرة على الوقاية من الجريمة، والحد من نسبة حالات العود، وتسهل إعادة الإدماج»، و«إقرار العقوبات البديلة في كل القوانين ذات الطابع الجنائي»، و«أهمية الرعاية اللاحقة، التي يفترض أن تسبقها عناية خاصة قبل الخروج من السجن، بعد انتهاء مدة الاعتقال».

وقالت تغريد جبر، المديرة الإقليمية لشمال أفريقيا والشرق الأوسط للمنظمة الدولية للإصلاح الجنائي، في تصريح لـ«الشرق الأوسط»، إن «المؤتمر يركز، بشكل أساسي، على تسليط الضوء على السياسات الجنائية الحديثة وأثرها في الأنظمة العقابية، وتحديدا العقوبات البديلة وبرامج عمل المنفعة العامة، بهدف إبراز تبادل المعلومات والمعارف والاطلاع على الدروس المستفادة والممارسات الفضلى». وعن دواعي تنظيم مؤتمر إقليمي بمشاركة دولية لمناقشة موضوع حول السياسات الجنائية في الدول العربية، سبق أن نظمته وزارة العدل المغربية بتنسيق مع مجلس وزراء العدل العرب قبل ثماني سنوات، بالمدينة نفسها، قال إدريس اليزمي، رئيس المجلس المغربي لحقوق الإنسان، إن «كل الشهادات، التي جرى الحصول عليها من خلال التحقيقات التي قامت بها اللجان البرلمانية أو هيئات المجتمع المدني، تؤكد استمرار المعاناة نفسها التي يتعرض لها السجناء في أغلب السجون، إن لم تكن في كلها»، ولذلك، تبدو أهمية الرجوع، حسب اليزمي، إلى هذا الموضوع، اليوم، خصوصا أن «أغلب الدول العربية صارت مقتنعة بضرورة الإسراع بإصلاح النظم الجنائية والعقابية، وكلها، الواحدة تلو الأخرى، صارت تقوم بتغيير دساتيرها من أجل ملاءمتها مع المبادئ العالمية لحقوق الإنسان، التي تدعو إلى الاحترام غير المشروط للحقوق الأساسية للأفراد».