«الأوقاف» المصرية.. حائط صد لعنف «الإخوان» من فوق المنابر

خطبة موحدة لـ«الجمعة» في المساجد وبدء تطبيق الأذان الموحد

TT

«اتخذت وزارة الأوقاف المصرية من خطبة الجمعة الموحدة، والأذان الموحد للمساجد، حائط صد للتصدي لتحريض أنصار جماعة الإخوان المسلمين على العنف من فوق المنابر، ومحاربة الأصوات الشاذة التي تؤذن للصلاة». هكذا استقبل الشيخ محمد بيومي، إمام وخطيب في وزارة الأوقاف، قرارات محمد الدكتور مختار جمعة وزير الأوقاف الأخيرة بتوحيد الخطبة والأذان.

الشيخ بيومي مثله مثل باقي مشايخ الأزهر، يحاول أن يُعلي المنهج الوسطي في خطبه، ويقول بيومي إن «الخطبة الموحدة تقضي على نشر الأفكار المتشددة التي تنتشر الآن في بعض المساجد».

وخاضت وزارة الأوقاف في مصر معركة جديدة لبسط سيطرتها الدعوية على منابر المساجد، والتي أصبحت أرضا خصبة لدعاة التطرف والتحريض منذ عزل الرئيس السابق محمد مرسي عن السلطة في يوليو (تموز) من العام المنصرم. وقالت مصادر مسؤولة في الوزارة إن «وزير الأوقاف لن يتراجع عن تطبيق الخطبة الموحدة وتجنب الخوض في الأمور السياسية داخل المساجد، خاصة بعد تحويل عدد من الأئمة التابعين لجماعة الإخوان للتحقيق بسبب تحريضهم على أعمال العنف والتخريب من فوق المنابر».

وشددت المصادر على أن الوزارة لن تتهاون مع الأئمة المخالفين لقراراتها، وسيجري تحويل أي خطيب للتحقيق الفوري في حال ثبوت أنه لم يلتزم بموضوع خطبة الجمعة، لافتة إلى أنه جرى «رصد عدد من الأئمة في بعض محافظات مصر لم يلتزموا بموضوع الخطبة. وجاري حصرهم ومعاقبتهم».

يأتي هذا في وقت، بدأت وزارة الأوقاف تجربة بث الأذان الموحد بعد أربع سنوات من توقف مشروع الأذان الموحد الذي بدأ تطبيقه في أغسطس (آب) عام 2010. وقال الدكتور محمد مختار جمعة، وزير الأوقاف، إن «الفكرة تهدف إلى تقليل الأخطاء في المساجد، وإنهاء الخلل في التوقيت بين المساجد بعضها البعض وتوفير صوت جيد يسمعه كل المصريين، ومنع حدوث فجوة بين إطلاق الأذان من مسجد لآخر، الأمر الذي يشوش على المواطنين عند سماع الأذان ويجعل الأصوات متضاربة». فيما قالت المصادر المسؤولة نفسها، إنه «جرى وضع خطة مبدئية لإذاعة الأذان الموحد في منطقة صغيرة على سبيل التجربة، تمهيدا لتعميم التجربة في جميع مساجد الجمهورية»، مؤكدة أن الوزارة تعكف الآن على دراسة تطبيق الأذان بعد ضبط الأمور الفنية والتقنية أسوة بكثير من الدول العربية والإسلامية. وأن ذلك سيساهم في «وصول الأذان إلى المواطنين في وقت واحد ودقيق وبصوت جميل».

الشيخ بيومي، 45 عاما، يبهرك من الوهلة الأولى حين ترى زيه الأزهري الذي يحاول أن يحتفظ بلبسه. ويتابع الشيخ، والابتسامة تعلو وجهه، قائلا: «إن خطبة غد (الجمعة) عن الشباب ودورهم في المجتمع وكيفية تنميتهم أخلاقيا، بعيدا عن التشدد والتطرف الذي عمدت جماعة الإخوان إلى بثه في نفوس الشباب»، لافتا إلى أن توحيد الخطبة «سوف يقضي على أي توظيف سياسي أو حزبي أو مذهبي أو طائفي للمسجد».

وتحاول الدولة المصرية منع استخدام دور العبادة في الصراع السياسي الذي تشهده البلاد، وقالت وزارة الأوقاف، وهي المسؤولة عن المساجد، إنه «جرى وضع خطة شهرية مسبقة بالموضوعات التي سيتناولها الأئمة خلال خطبة الجمعة».

كلام الشيخ بيومي لم يختلف كثيرا عن كلام الشيخ ناصر توفيق، وهو إمام مسجد بحي المطرية (شرق القاهرة)، والذي وصف توحيد الخطبة بقوله إنها «ضرورة كي يكشف من يريد الاستقرار ومن يسعى لإثارة الفوضى».

ويضيف أن توحيد الموضوع لا يعني تقييد حرية الخطباء، وإنما يحثهم على الاجتهاد والالتفاف حول محور واحد، ويمنع التشتت والبلبلة.

ورغم ترحيب مشايخ الأوقاف بقرار توحيد الخطبة، فإن القرار أثار ردود فعل متباينة في الشارع المصري، إذ قال مواطن يدعى أحمد نبيل (35 عاما): «من غير المنطقي توحيد الخطبة على مستوى مصر. حيث تختلف مشاكل الناس باختلاف أماكنهم وطبيعة فكرهم وثقافتهم».

في حين وصف مواطن آخر يدعى نور صبري القرار بـ«الرائع»، قائلا إنه «جاء في وقته للسيطرة على التحريض على العنف من فوق المنابر».

وسبق أن فرضت وزارة الأوقاف سيطرتها على المساجد التابعة لجمعيات الإسلاميين المجمدة أرصدتها من قبل الحكومة تنفيذا للحكم الصادر بحظر نشاطها ومصادرة ممتلكاتها. كما جرى منع غير الأزهريين من اعتلاء المنابر، لكن مراقبين قالوا: إن «منابر الأوقاف ما زال يعتليها غير الأزهريين من المشايخ المتشددين ويدعون فيها الجميع للممارسة العنف ضد السلطة الحالية».

في سياق آخر، قالت المصادر المسؤولة في الأوقاف، والتي تحدثت مع «الشرق الأوسط»، إن «فكرة الأذان الموحد جرى تنفيذها في 80 مسجدا شرق القاهرة من قبل، وعندما ظهرت بعض الأصوات التي تعارض هذه الفكرة صدرت فتوى من دار الإفتاء تؤكد شرعية توحيد الأذان، وكان يرفع من إذاعة القاهرة الكبرى بصوت مؤذن من الوزارة وكان هناك جهاز في كل مسجد يستقبل الأذان من الإذاعة لمكبر الصوت بالمسجد»، موضحة أن السلبيات كانت من الناحية الهندسية وكانت الأعطال كثيرة، لكن من الممكن أن يجري تلافي هذه الأخطاء، والأحياء الراقية كانت أكثر تقبلا للفكرة.

ولاقت فكرة الأذان الموحد قبل أربع سنوات - قبل تنحي الرئيس الأسبق حسني مبارك عن السلطة - حربا شرسة من جانب أعضاء البرلمان، حيث أكدوا أن توحيد الأذان فيه ظلم للمؤذنين.

من جانبه، انتقد الشيخ بشير الصغير، إمام أحد المساجد، إصرار وزارة الأوقاف على إقصاء آلاف المؤذنين عن عملهم وحرمانهم من ثواب رفع الأذان، وربط قيام شعائر الله بأمور تقنية كتعطل البث والأجهزة أو انقطاع الكهرباء. ونبه إلى أن نظرة الناس للمؤذن باعتباره أول حلقات الصلاة وأهمية دوره في المسجد، كل ذلك سيتغير بمجرد إطلاق فكرة الأذان الموحد.

فيما رأى محمد عبد الحميد، وهو موظف وأحد قاطني منطقة مدينة نصر شرق القاهرة، أن فكرة توحيد الأذان قضت على الأصوات غير المقبولة التي كانت تثير الضيق، وتوحيد الأذان جعلنا نستمع إلى الأصوات العذبة التي انطلقت من المساجد، وقضى على الضجيج وتداخل الأصوات.