المغرب وإيران يعيدان علاقتهما الدبلوماسية المقطوعة منذ مارس 2009

القرار اتفق عليه خلال مكالمة هاتفية جرت الثلاثاء بين مزوار وظريف

TT

أبلغت مصادر مسؤولة وموثوقة متطابقة في الرباط «الشرق الأوسط» أن المملكة المغربية قررت ربط علاقاتها الدبلوماسية مع إيران ابتداء من يوم أول من أمس (الأربعاء).

وقالت المصادر ذاتها إن قرار عودة العلاقات بين الرباط وطهران جاء بعد مكالمة هاتفية جرت يوم الثلاثاء الرابع من فبراير (شباط) الحالي بين صلاح الدين مزوار، وزير الخارجية المغربي، ومحمد جواد ظريف، وزير خارجية إيران.

وعلمت «الشرق الأوسط» أنه جرى خلال المكالمة الهاتفية بين الوزيرين الاتفاق على إعادة ربط العلاقات الدبلوماسية بين البلدين على أسس الاحترام المتبادل، وعدم التدخل في الشؤون الداخلية لأي دولة، واحترام المقومات السياسية والهوية الحضارية والدينية والثقافية لكل بلد، حسب ما ذكرته المصادر ذاتها.

وكان مسؤول إيراني قد كشف عن اتفاق طهران والرباط على ضرورة استئناف العلاقات الدبلوماسية بينهما، ونقلت وكالة «مهر» للأنباء عن مساعد وزير الخارجية الإيراني للشؤون العربية والأفريقية حسين أمير عبد اللهيان قوله أول من أمس: «في اتصال هاتفي جرى أخيرا بين وزير خارجية الجمهورية الإسلامية الإيرانية محمد جواد ظريف ووزير خارجية المملكة المغربية صلاح الدين مزوار جرى التأكيد على التعاون العريق بين الشعبين والبلدين، واتفقا على ضرورة استئناف العلاقات الدبلوماسية». وأضاف عبد اللهيان أن سفارتي البلدين سيجري افتتاحهما قريبا.

وكانت الاتصالات المغربية - الإيرانية بشأن عودة العلاقات الدبلوماسية بين البلدين قد زادت وتيرتها خلال انعقاد الدورة العشرين لـ«لجنة القدس»، التي احتضنتها مراكش يومي 17 و18 يناير (كانون الثاني) الماضي. وبما أن العلاقات الدبلوماسية بين الرباط وطهران كانت مقطوعة، فقد وجه المغرب الدعوة إلى إيران لحضور الاجتماع عبر منظمة التعاون الإسلامي، إلى يوجد مقرها في جدة.

ومثل طهران في الاجتماع حميد رضا دهقاني، سفير إيران لدى منظمة التعاون الإسلامي، وموسى فرهنغ، مدير دائرة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في وزارة الخارجية الإيرانية.

وعلمت «الشرق الأوسط» وقتذاك أن السفير دهقاني حمل معه رسالة من حكومة الرئيس حسن روحاني إلى المسؤولين المغاربة، مفادها أنه حان الوقت لإعادة العلاقات المغربية - الإيرانية إلى طبيعتها. والتقى السفير دهقاني بالإضافة إلى وزير الخارجية صلاح الدين مزوار، يوسف العمراني المكلف مهمة في الديوان الملكي، والوزير المنتدب السابق في الخارجية المغربية، ويبدو أن المسؤول الإيراني عاد إلى بلاده وهو مرتاح للأجواء الإيجابية التي وجدها لدى المسؤولين المغاربة في مراكش.

وكانت الرباط قد قطعت علاقاتها الدبلوماسية مع طهران في السادس من مارس (آذار) 2009 بعد تراشق بينهما على خلفية موقف المغرب المتضامن مع البحرين بعد تصريحات مسؤولين إيرانيين عدوا فيها مملكة البحرين المحافظة الـ14 لإيران.

وسرى اعتقاد آنذاك أن هناك ثلاث قضايا يمكن أن تكون قادت آنذاك إلى قطع العلاقات. أولا، استدعاء إيران القائم بالأعمال المغربي في طهران وحده من دون دبلوماسيي دول أخرى عبروا عن استنكارهم للتصريحات الإيرانية، إلى جانب استخدامها للغة غير لائقة بشأن القيادة المغربية. ثانيا، أن إيران بدأت في تلك الفترة باتخاذ موقف إلى جانب جبهة البوليساريو، وهو ما يفسر لماذا أصبح الموقف الجزائري آنذاك أقل حدة تجاه طهران. أما السبب الثالث فيتعلق بتقارير صادمة حول دعم إيران لحركة تشيع في المغرب. وقد أشار بيان لوزارة الخارجية المغربية آنذاك إلى «تعبيرات غير مقبولة في حق المغرب، إثر تضامنه مع البحرين، إضافة إلى نشاطات ثابتة لسلطات طهران، وبخاصة من طرف البعثة الدبلوماسية الإيرانية في الرباط، تستهدف الإساءة للمقومات الدينية الجوهرية للمملكة المغربية، والمس بالهوية الراسخة للشعب المغربي ووحدة عقيدته ومذهبه السني المالكي».

يذكر أن المغرب وإيران عاشا مرحلة القطيعة بعد قيام الثورة في طهران وسقوط نظام الشاه، حيث منحت الرباط حق اللجوء السياسي للإمبراطور المخلوع محمد رضا بهلوي، كما وقف المغرب إلى جانب بغداد إبان الحرب العراقية - الإيرانية. ولم تفتح السفارة الإيرانية في الرباط، ونظيرتها المغربية في طهران، أبوابهما إلا سنة 1991، وهي السنة التي عرفت فيها العلاقة بين البلدين انفتاحا سياسيا عقب حركية دبلوماسية مكثفة جرت بين مغرب «الحسن الثاني»، وإيران «آية الله»، لكن ثمة مسألة ظلت عالقة بين البلدين، هي موضوع اعتراف إيران بـ«الجمهورية الصحراوية»، التي أعلنتها جبهة البوليساريو عام 1976 من جانب واحد، وبدعم من الجزائر.

وكان عبد الرحمن اليوسفي رئيس الوزراء المغربي الأسبق قد زار طهران زيارة رسمية عام 2002، وأبلغ آنذاك رسميا أن إيران ستغلق مكتب ممثلية جبهة البوليساريو في طهران، بيد أن «الجمهورية الإسلامية» لم تسحب أو تجمد اعترافها بـ«الجمهورية الصحراوية». وقايضت إيران سحب الاعتراف بـ«جمهورية البوليساريو» بإعلان المغرب موقفا مساندا لها بشأن قضية الجزر الإماراتية. وأبلغت الرباط طهران أنه لا يمكن وضع نزاع الصحراء ومسألة الجزر في كفة واحدة، باعتبار أن نزاع الصحراء يتعلق بمسألة الاعتراف بـ«دولة جديدة» تقتطع من التراب المغربي، بينما موضوع الجزر نزاع على السيادة ولا يتعلق بقيام دولة جديدة فيها.

وراهنت الرباط وطهران على الزمن للتخلص من هذا الموضوع العالق في خصر علاقتهما التي شابها دائما طابع الحيطة والحذر منذ سقوط نظام الشاه. وزادت الشكوك في علاقات البلدين حينما أعلنت الرباط منتصف فبراير (شباط) 2007 عن تفكيك شبكة وصفتها بـ«الإرهابية»، وهي شبكة عرفت في ما بعد باسم «شبكة بلعيرج»، نسبة إلى اسم مهاجر مغربي يعيش في بلجيكا، اتهم بإدخال أسلحة إلى المغرب وتجنيد أشخاص من داخل المغرب وخارجه.