النظام السوري يقصي المعارضة من مناطق حدودية مع لبنان لتأمين البلدات المؤيدة لحزب الله

خبير عسكري: السيطرة على النعيمات تقلص احتمالات إطلاق الصواريخ على الهرمل بنسبة 85 في المائة واستعادة يبرود تلغيها

TT

تقصي القوات الحكومية السورية مقاتلي المعارضة عن مناطق الحدود الشرقية اللبنانية، بهدف تأمين بلدات لبنانية تسكنها أغلبية مؤيدة لحليفها حزب الله، من الصواريخ التي استهدفتها في السابق، بموازاة اتخاذ الحزب تدابير أمنية مشددة في مدينة الهرمل (شرق لبنان)، لمنع وصول الانتحاريين والسيارات المفخخة إليها.

وبعد استعادتها السيطرة على منطقة النعيمات بريف حمص الجنوبي، طوقت قوات نظام الرئيس السوري بشار الأسد مدينة يبرود في القلمون بريف دمشق الشمالي، وبدأت قصفا تمهيديا لمواقع المعارضة فيها، كما تقول مصادر معارضة لـ«الشرق الأوسط»، مما يؤشر إلى إمكانية شن هجوم واسع وشيك عليها.

وتعتبر مدينة يبرود، آخر معاقل المعارضة السورية في منطقة القلمون، وتتحضر القوات الحكومية للسيطرة عليها، منذ شهر ديسمبر (كانون الأول) الماضي، بعد السيطرة على جاراتها قارة والنبك وسحل ودير عطية في الشهرين الأخيرين من العام الماضي.

وأطلق مقاتلو المعارضة السورية، خلال ثمانية أشهر، عشرات الصواريخ على مدينة الهرمل التي تبعد عشرة كيلومترات عن الحدود السورية، وتسكنها أغلبية مؤيدة لحزب الله، كان آخرها إطلاق سبعة صواريخ «غراد» في 25 يناير (كانون الثاني) الماضي، وتبنته كتائب عبد الله عزام المرتبطة بتنظيم القاعدة. وتوعدت الكتائب، الاثنين الماضي، حزب الله بمواصلة القصف، قائلة في بيان إن عملياتها ستستمر من الأراضي السورية، وستتبعها عمليات من الأراضي اللبنانية، ردا على قتال حزب الله في سوريا.

وعرفت منطقة النعيمات بأنها مركز إطلاق الصواريخ على الهرمل، كذلك منطقة تلال جبرود التي تقول مصادر من المعارضة السورية لـ«الشرق الأوسط» إنها استخدمت خلال الصيف الماضي لإطلاق الصواريخ غربا باتجاه الأراضي اللبنانية. وتشير المصادر إلى أن جبرود تقع شرق النبك وقارة بريف دمشق الشمالي، وتطلق الصواريخ على الأراضي اللبنانية من الجرد الواصل بين البلدة، ومدينة يبرود التي تقع جنوب جبرود، وذلك من مواقع مرتفعة فيها.

وقلّصت سيطرة القوات النظامية على منطقة النعيمات، قبل عشرة أيام، الصواريخ التي كانت تستهدف مدينة الهرمل اللبنانية، إلى حد كبير. وتقول مصادر ميدانية لبنانية لـ«الشرق الأوسط»، إن هذه المنطقة المحاذية لمشاريع القاع (شرق لبنان)، «تقدمت إليها القوات النظامية السورية على محورين؛ الأول من ريف دمشق الشمالي، والثاني من بلدة جوسيه، وهي أول بلدة سورية تتبع محافظة حمص في ريف القصير الجنوبي»، مشيرة إلى أن هذه المعركة «أبعدت المعارضة السورية عن الحدود اللبنانية من كامل ريف القصير بمحافظة حمص، وصولا إلى الجرود التي تتبع ريف دمشق».

وكانت منطقة النعيمات، التي تمتاز بتلالها وأوديتها، آخر معاقل المعارضة السورية بريف حمص الجنوبي المحاذية للحدود اللبنانية، وهي منطقة جردية تتضمن مزارع. وتمتد جغرافيتها المستطيلة، على طول سبعة كيلومترات محاذية للحدود اللبنانية، فيما تمتد بطول 27 كيلومترا إلى العمق السوري. وتحولت هذه المنطقة، بعد استعادة القوات النظامية السيطرة على ريف القصير وجوسيه ومناطق القلمون، إلى مركز لإطلاق الصواريخ على مدينة الهرمل، منذ شهر سبتمبر (أيلول) الماضي.

ويؤكد الخبير العسكري المقرب من حزب الله العميد المتقاعد أمين حطيط لـ«الشرق الأوسط»، أن هذه المنطقة «كانت تُستغل لنصب مرابض ومنصات الصواريخ الموجهة إلى الهرمل»، مشددا على أن «استعادتها سيحرم المعارضة من استخدامها قاعدة لإطلاق الصواريخ، وسيضطرهم لإطلاقها من تلال وأودية يبرود في الداخل السوري».

لكن استخدام تلال يبرود «ليس سهلا»، بحسب حطيط الذي يؤكد أن «بعدها عن الهرمل، يحتاج إلى إطلاق صواريخ بمدى 20 كيلومترا، وهو غير متوفر بكميات كبيرة لدى المعارضة»، خلافا للصواريخ التي كانت تُطلق من النعيمات، «يصل مداها إلى 10 أو 12 كيلومترا، وهي متوفرة بكثرة».

ويؤكد حطيط، وهو عميد متقاعد من الجيش اللبناني، أن السيطرة على النعيمات «خفف إمكانية استهداف الهرمل بالصواريخ بنسبة 85 في المائة، لكنه لم يلغها، إذ يستطيع المعارضون إطلاقها من تلال يبرود».

وتسعى قوات النظام السوري إلى عزل المعارضة عن المناطق الحدودية اللبنانية، وإبعادها عن نقاط حيوية، تؤثر سلبا على مناطق نفوذ حزب الله، وتوفر خطوط الإمداد للمقاتلين المعارضين في سوريا. وإذا كان مصطلح «إنشاء منطقة عازلة» غير صائب في حالة لبنان، كما يقول حطيط، «نظرا لأن لبنان يعتبر بلدا صديقا وليس عدوا لدمشق»، فإن إبعاد المعارضة عن الحدود، يعني عسكريا إنشاء منطقة خاضعة لسيطرته، «وتطهيرها من أي تواجد للمعارضة لأسباب استراتيجية».

وعلى هذا الأساس، يأتي القصف المتواصل والمكثف على مدينة يبرود والجرود المحيطة بها، تمهيدا «للهجوم عليها»، كما ترجح مصادر المعارضة. ويقول عضو مجلس قيادة الثورة في ريف دمشق إسماعيل الداراني لـ«الشرق الأوسط» إن القوات النظامية «أطلقت أمس قنابل عنقودية على يبرود، لإعاقة حركة المقاتلين المعارضين».

ويشير الداراني إلى أن القوات الحكومية «تطوق يبرود من الشرق والغرب والشمال، ولا تبعد عنها أكثر من ثلاثة كيلومترات، حيث توجد في جبال العقبة شرق المدينة، وتقصف غربها في السلسة الجبلية الحدودية مع لبنان، كما تقصف مزارع ريما المحاذية ليبرود، حيث تتحصن المعارضة من الجهة الشمالية لها».

وتُقصف المدينة منذ ثمانية أشهر، فيما يبدو أنه استهداف لمواقع محددة، قبل تكثيف القصف في الشهرين الأخيرين. ويشير الداراني إلى أن «القصف التمهيدي بدأ منذ الخميس الماضي بطريقة مكثفة، لما يبدو أنه تحضير للهجوم عليها واقتحامها»، لافتا إلى أنه «يستحيل اقتحامها من غير تدميرها، نظرا لأن مقاتلي المعارضة يتحصنون فيها، واستحدثوا أنفاقا للاحتماء، كما أنها تتضمن كميات كبيرة من السلاح، وتمتاز بأنها أول سوق لبيع السلاح في المنطقة».

وبينما كان وجود المسيحيين في يبرود يحول دون قصفها بعنف، نظرا لأن 12 ألف مسيحي على الأقل يقيمون فيها، يقول الداراني إن هذه النقطة «تبدلت منذ أسبوع حيث طالت إحدى القذائف مركز البطريركية فيها، وهو أكبر صرح مسيحي ديني في القلمون».

والى جانب يبرود، تستهدف القوات النظامية معقلا آخر للمعارضة، هو بلدة فليطا المحاذية لها، وتعتبر امتدادا حيويا لبلدة عرسال اللبنانية المؤيدة للمعارضة السورية.

وإلى جانب تلك التدابير التي يتخذها النظام السوري خلف الحدود، كثف حزب الله والأجهزة الرسمية اللبنانية من تدابيرهم الأمنية في مدينة الهرمل للحد من التفجيرات التي تضرب المدينة، بعد الحد من سقوط الصواريخ عليها. ويقول العميد المتقاعد أمين حطيط لـ«الشرق الأوسط» إن الهرمل «باتت بمأمن من الصواريخ، وازدادت فرص أمانها من العمليات الانتحارية بحكم الإجراءات الأمنية التي اتخذت بدءا من يوم الأحد الماضي»، من غير الكشف عن طبيعتها.

وكانت الهرمل تعرضت لتفجيرين انتحاريين؛ الأول في 16 يناير (كانون الثاني) الماضي، وأسفر عن وقوع قتيلين وعدد من الجرحى، والثاني في الأول من شهر فبراير (شباط) الحالي، وأسفر عن وقوع ثلاثة قتلى وأكثر من 20 جريحا.

وسبق أن تعرضت مناطق لبنانية محاذية للحدود لصواريخ وقذائف ورصاص من سوريا، وتحديدا الهرمل، بينما اشتكى لبنان مرارا من قذائف وصواريخ مصدرها الأراضي السورية طالت مناطق حدودية بين البلدين. وأصدر مجلس الأمن في وقت سابق بيانا أعرب فيه عن «قلقه العميق» إزاء تكرار عمليات القصف وتبادل إطلاق النار في المناطق الحدودية بين سوريا ولبنان، محذرا من «تداعيات» الأزمة في سوريا على استقرار لبنان، حيث رحب رئيس حكومة تصريف الأعمال اللبنانية، نجيب ميقاتي، بالبيان، وعدّ أنه «بيان بناء».