صعيد مصر بين عنف «الإخوان» وضغوط السياحة

آمال بأن يخفف نجاح الانتخابات الرئاسية من أوجاعه

السوق السياحية في الأقصر تعاني من الكساد («الشرق الأوسط»)
TT

«نأمل أن تخفف الانتخابات الرئاسية أوجاعنا التي نعيش فيها منذ ثلاث سنوات، بعد انهيار صناعة السياحة، والغياب الأمني الواضح في المناطق الأثرية وفي الشوارع»، عبارات بسيطة وصف بها الشاب الثلاثيني محمد مدبولي حال مدينة أسوان السياحية، قائلا: «الآن نعاني من عنف أنصار جماعة الإخوان المسلمين، ووقف الحال في المناطق السياحية».

حال الشاب مدبولي يشبه حال الآلاف من سكان مدينة الأقصر (القريبة من أسوان)، أهم المدن السياحية في العالم، التي تشتهر بوجود ثلث آثار العالم، وأكثر من 800 مزار، بعد أن رحل كثيرون من شبابها لتوقف حركة السياحة المصدر الرئيس للرزق.

وكثفت الدولة المصرية من إمكاناتها لتعود حركة السياحة إلى طبيعتها في الأقصر وأسوان، التي تأثرت منذ تنحي الرئيس الأسبق حسني مبارك عن السلطة في عام 2011. وتفاقم الأمر بعد أن طالت المدينتين الفوضى بسبب مظاهرات أنصار الرئيس المعزول محمد مرسي اليومية، وذلك بتيسير رحلات للأسر المصرية في الفنادق والبواخر السياحية بأسعار مخفضة.

وتقول السلطات المحلية إنها «تحكم سيطرتها أمنيا على المدينتين من أجل عودة الحركة السياحية، وإن أسواق أسوان والأقصر تشهد رواجا سياحيا كبيرا خلال موسم الشتاء»، لكن خبيرا سياحيا في أسوان قال إن «بيوتنا أضيرت، وشركات كثيرة أغلقت أبوابها بسبب ضعف حركة السياح. ونأمل أن تنتهي الانتخابات الرئاسية على خير لتعود الحياة لطبيعتها».

وكشف الخبير السياحي عن تراجع الحركة السياحية في مصر بنسبة 70 في المائة، وأن الأمر كان أكثر سوءا في الأقصر وأسوان، وأن هناك تراجعا في الإقبال على حجوزات إجازة منتصف العام الحالي ليسجل 60 في المائة، مقارنة بـ80 في المائة خلال إجازة العام الماضي بسبب توتر الظروف الأمنية.

في حين أكدت مصادر مسؤولة في وزارة السياحية أن «الوزارة تحرص على تنشيط السياحة الوافدة إلى الأقصر وأسوان في ظل تراجع معدلات نسب الإشغال الفندقي إلى أدنى مستواها، حيث بلغت نسبة 2 في المائة، في الوقت الذي كانت تتراوح فيه نسب الإشغال خلال الفترة نفسها من كل عام إلى نحو ما يناهز 100 في المائة».

«الشرق الأوسط»، كانت في الأقصر وأسوان ورصدت اللحظات الفارقة في عمر المدينتين، اللتين كان يأتي إليهما السياح من كل مكان في العالم. وطيلة ثلاث سنوات، سيطرت على المدينتين حالتا ترقب وتوجس، الأمر الذي تسبب في تدهور الأوضاع الأمنية، وتشريد آلاف العاملين بالقطاع السياحي من أبنائها، ويقول شاهد عيان من أهالي أسوان إن «الانفلات الأمني يعد السبب الرئيس في تراجع حركة التوافد السياحي على المحافظة»، مشيرا إلى حوادث فردية من قيام بعض البلطجية بالاعتداء على السائحين والمرشدين السياحيين، في حالة رفض السائحين الشراء منهم. ويضيف أن الأحداث التي تشهدها مصر أعطت للسياح انطباعا سيئا عن حالة الاستقرار في مصر، مشيرا إلى أنه عندما يرى السائحون ما يحدث في مصر، من خلال وسائل الإعلام، يضطرون إلى تغيير رحلتهم من مصر، والسفر إلى أماكن سياحية أخرى تنعم بالأمان، مؤكدا أن مصر تحتاج إلى زيادة عدد السياح للمساعدة في المعاناة الاقتصادية التي تمر بها البلاد.

وتبعد أسوان عن القاهرة 879 كيلومترا، وبها أيضا مدينة أبو سمبل الأثرية حيث معبد رمسيس الثاني، وقرى «التهجير النوبية»، كما تضم بحيرة ناصر، التي تحوي مشروع مفيض توشكى. وتعد من أهم المزارات السياحية لوقوعها على الضفة الشرقية للنيل وتربط مصر بالسودان، وهي الباب إلى القارة الأفريقية.

ويقول شاهد من المدينة يدعى الحاج نوبي عبد التواب صاحب محال تجاري، إنه «منذ عزل مرسي، وأنصاره يتظاهرون بشكل يومي، خاصة في شارع الكورنيش الذي يضم معظم المراسي السياحية، مما دعا قوات الأمن لإغلاق الكورنيش بالقرب من مقر مديرية الأمن بالحواجز الحديدية، فضلا عن عمليات السرقة والتنقيب عن الآثار التي تجري في عز النهار»، ويضيف أن «الكورنيش كان متعة للأجانب في الاستمتاع بشمس أسوان المشرقة.. أما الآن، فهو مغلق بسبب مسيرات (الإخوان) في المدينة».

وأفاد عبد التواب بأن عناصر مسلحة من التيارات الإسلامية تفرض سطوتها على مناطق كثيرة في أسوان، وتمنع دخول الأمن والغرباء إليها.

وينظم أهالي أسوان وقفات مضادة يشارك فيها المئات تأييدا للشرطة والجيش ورفض تصرفات أنصار الرئيس المعزول، ويطلقون الهتافات «الجيش والشرطة والشعب أيد واحدة»، «معا لترشيح السيسي للرئاسة.. لتعود السياحة من جديد».

ويقول محمد أحمد، وهو من شباب أسوان: «بعد التراجع السياحي عقب ثورة 25 يناير، قامت إدارة الباخرة السياحية التي كنت أعمل بها بتسريحي من العمل، لأجد نفسي بعد 18 عاما من العمل بالمجال السياحي من دون عمل، ولدي أسرة مكونة من أربعة أفراد». أحمد، 35 عاما، اضطر إلى العمل كسائق لسيارة أجرة، حتى يتمكن من الإنفاق على أسرته.

قصة مشابهة تكررت مع ياسر توفيق (40 عاما) الذي عمل أكثر من عشر سنوات بأحد الفنادق الكبرى بمدينة الأقصر، وقامت إدارة الفندق بإنهاء عقده بسبب انخفاض حركة التوافد السياحي، والتراجع الكبير في عدد السياح المقبلين إلى المحافظة.

من جانبها، تسعى غرفة السياحة في الأقصر وأسوان إلى تنوع الأنماط السياحية، مثل السياحة الأثرية أو البيئية أو العلاجية أو الترفيهية أو السفاري أو الصيد، وذلك لما تنفرد به المحافظتين من مقومات كسحر الطبيعية والتميز الثقافي في الفنون والحرف، بجانب تفعيل سياحة المهرجانات والمؤتمرات.

واستقبل أهالي مدينة الأقصر قرارات عدد من الدول الغربية الأخيرة بتخفيف حظر السفر إلى مصر بالتهليل والفرحة. وقام عدد من الأهالي بتوزيع المشروبات والحلوى والمأكولات على بعض الأفواج السياحية التي جاءت للأقصر، وعبّر الأهالي عن سعادتهم البالغة بالقرارات.

وأكدوا أن الخطوة الأخرى تكمن في القضاء على عنف «الإخوان» ومظاهراتهم أمام المناطق السياحية، التي كانت تصيبهم بالفزع والرعب كل ليلة، خاصة في ظل غياب قوات الشرطة.

ألين، وهي سائحة من الدنمارك، قالت إنها قبل ثورة «25 يناير» كان تشعر بالأمان وكأنها في بلدها لأن المصريين - وخصوصا أهل الأقصر - طيبون وتعاملهم جيد، أما بعد الثورة فإن سلوكهم تغيّر بطريقة غريبة، مشيرة إلى أنها تعتقد أن السبب وراء تغير ذلك السلوك، هو تراجع السياحة.

ويقول مصدر مسؤول في الأقصر إن «الانفلات الأمني أدى إلى تراجع حركة السياحة بالأقصر إلى أدنى مستوياتها»، موضحا أن نسبة الإشغال السياحي في الأقصر تتراوح في الوقت الحالي ما بين سبعة إلى عشرة في المائة. كما وصلت معدلات البطالة لأكثر من 250 ألف شاب، في ظل توقف العمل بالفنادق والبواخر السياحية. فيما قال مصدر مسؤول في أسوان إن «عدد السائحين الموجودين بالمحافظة يُعدّ على الأصابع».

ودفع الوضع المتردي للسياحة في أسوان والأقصر إلى اقتراح تقدمت به عدد من الشركات السياحة لوزير السياحة هشام زعزوع، تتمثل في زيادة الوجود الأمني في المناطق والمزارات، ووضع المحميات الطبيعية على البرامج السياحية، وفتح خطوط طيران إلى الأقصر وأسوان لتطبيق برنامج اليوم الواحد.

وأشارت الشركات إلى ضرورة تحسين مستوى مقومات السياحة داخل مصر، من خلال دعم مشاريع البينة الأساسية التي أعلن عنها وزير السياحة مسبقا.

في السياق ذاته، قال مصادر مسؤولة في وزارة السياحية، إن الوزارة استثمرت كثيرا من الفعاليات الدولية المهمة في إقامتها بالأقصر، منها استضافة كثير من الرحلات التعريفية لمنظمي الرحلات والكتاب السياحيين والخبراء الأمنيين، عقب أحداث ثورة «30 يونيو»، للوقوف على حقيقة الأحداث ومجريات الأمور، وزيارة كاثرين أشتون الممثلة العليا للسياسة الخارجية والأمنية بالاتحاد الأوروبي، وزيارة ملكة جمال الهند سيلينا جيتلي.

وتابعت المصادر أنه في أسوان، التقى وزير السياحة أول وفد فرنسي رسمي مقبل إلى مصر بعد رفع مدينة أسوان، من قائمة المدن المحظور زيارتها.

ويقول أسامة صلاح مرشد سياحي إنه، على الرغم من السحر الذي ينبعث من كل ركن في المدينتين، فإن أول شعور ينتاب زوارهما الآن لن يخلو من إحساس بالألم والحسرة على حال الأقصر وأسوان، اللتين تعانيان بشدة من الركود السياحي، ومعظم السائحين بهما من المصريين، على عكس ما كان سائدا خلال السنوات السابقة، حيث كانت نسب الإشغالات في الفنادق والبواخر النيلية العائمة كاملة العدد من السائحين الأجانب المقبلين من دول أوروبا الغربية والولايات المتحدة الأميركية.

أما الآن، فمعظم الزوار من المصريين، الذين كانوا نادرا ما يزورونهما بسبب ارتفاع الأسعار قبل ثلاث أعوام، ولصعوبة إيجاد غرف شاغرة في أي من الفنادق في موسم السياحة بالأقصر وأسوان، الذي يبدأ في شهر أكتوبر (تشرين الأول) وينتهي بنهاية أبريل (نيسان).

في سياق آخر، يواجه سكان مدينة أسوان المظاهرات اليومية لأنصار الرئيس المعزول، بالتصدي لها مع قوات الأمن، ويقول محمود محمد (50 عاما): «نساعد قوات الأمن في التصدي للمظاهرات التي تبدأ دائما من منطقة النفق بوسط المدينة». ويتابع محمد الذي حرص على تعليق صورة المشير عبد الفتاح السيسي في شرفة منزله: «لا أخاف من (الإخوان).. وأقوم بالتظاهر بصور السيسي في مظاهراتهم».

واعتاد أنصار الرئيس المعزول تنظيم مظاهرات يومية في أسوان منذ عزل مرسي، ويقول مصدر أمني مسؤول لـ«الشرق الأوسط» إن «هناك خطة أمنية محكمة للقضاء على جميع تجمعات (الإخوان)، حفاظا على المناطق السياحية»، مضيفا أن «الأوضاع الأمنية في أسوان والأقصر تتحسن بشكل يومي.. خاصة في المناطق الأثرية».