طرد المستأجرين الجدد والنازحين من محيط المقرات الأمنية في دمشق

إجراءات جديدة لتفريغ العاصمة منهم

جانب من مدينة دمشق (أ.ف.ب)
TT

فوجئ أبو خالد بعناصر الأمن يطرقون باب منزله القريب من أحد المقرات الأمنية في دمشق، وطلبوا منه إبراز عقد الإيجار، وعندما تبين لهم أن العقد لم يمض عليه أكثر من ثلاثة أشهر، طلبوا منه إخلاء المنزل خلال أقل من أسبوع.

أبو خالد نزح من ريف شرق العاصمة منذ عدة أشهر وتنقل مع عائلته، المؤلفة من أبنائه السبعة وزوجته ووالديه المسنين، في منازل أقاربه، قبل أن يستقر في منزل استأجره من أحد أقربائه غادر البلد. ويقول: «يوم سكنت في هذا البيت أعلمت الأمن بوجودي، وسجلت أسماء كل أفراد عائلتي ورقم سيارتي ومن يزوروني من أقاربي، وظننت أن الأمور بخير. ولكن فوجئت الآن بطردي من البيت بزعم أن عقد الإيجار الذي يقل عن عام لن يُعترف به».

ويتابع أبو خالد: «يوم جاءوا وقالوا: عليك المغادرة خلال أسبوع. لم أنم. إلى أين أذهب، وأنا لا أريد مغادرة سوريا، وليس باستطاعتي ذلك.. ولا يوجد مكان آمن».

الأمر ذاته تكرر مع ماجد ع. ويعمل كاتبا، ويسكن في منطقة أخرى قريبة من مركز المدينة، ومع أن عقد إيجاره عمره سنتان، وينتهي بعد سنتين أخريين، فإنهم طلبوا منه المغادرة «لأن تولده مدينة درعا»، مهد الانتفاضة السورية، حسبما يظن.

ويقول ماجد إن عناصر الأمن لم يقولوا له ذلك، بل استُدعي إلى فرع الأمن وحقق معه حول علاقته ببعض الأشخاص الذين يحملون الكنية ذاتها، ومن ثم طلبوا منه مغادرة الحي. ويوضح: «فهمت من سياق التحقيق أنني غير مرغوب بي، وسأبقى تحت الشبهات، وفي أي لحظة قد اعتقل، فقررت مغادرة سوريا بشكل نهائي». حادثة ثالثة وقعت مع عائلة تتحدر من أصول حلبية لكنها تعيش في دمشق منذ جيلين، وقد اضطرت العائلة إلى ترك منزلها الذي تقطنه في ضواحي دمشق والسكن في بيت مستأجر وسط العاصمة. وعندما شارف عقد الإيجار على انتهاء مدته ذهب رب الأسرة لتجديد العقد في المحافظة، كما تجري العادة، إلا أنه أبلغ بأن المعاملة لا بد أن ترسل أولا إلى الجهات الأمنية لنيل الموافقة. وبعد أسبوع، جاء الرد بالرفض دون أي سبب واضح.

ويقول ناشطون إن الأجهزة الأمنية التابعة للنظام السوري تسعى لتشديد قبضتها على الساكنين في محيط مقراتها، ويصفون تلك الإجراءات بأنها «عملية تفريغ العاصمة من المستأجرين الجدد والنازحين من الريف والتضييق على سكانها الأصليين من الطائفة السنية». كما تمنع الإجراءات الجديدة بشكل أو بآخر إيواء أي من السكان أقارب من مناطق أخرى، أيا كانت دواعي ذلك، كالإقامة لحراسة المنزل في غياب أصحابه، أو استقبال نازحين فقدوا منازلهم في المناطق الساخنة.

ويقول نازحون إن كل مستأجر ينتمي للريف الدمشقي الساخن تجبره قوات الأمن على إخلاء منزله في العاصمة، كما تقيد حركة المستأجرين وحتى أصحاب المنازل الأصليين، إذ يحظر على الجميع استقدام أي عامل لإصلاح أي عطل في المنزل، دون أخذ موافقة الجهات الأمنية في المنطقة.

ويعتقد سوريون أن محيط المقرات الأمنية وعلى مساحة دائرة قطرها كيلومتر باتت مناطق أمنية تقبع تحت الحراسة المشددة، ويخضع سكانها للرقابة والرصد والتفتيش، وأي حركة قد تثير الريبة تعرضهم للطرد من المنطقة، التي راحت تعج بالجنود المدججين بالسلاح وعناصر الأمن واللجان الشعبية والمخبرين.

ويتخوف سكان دمشق من تلك الإجراءات، ويخشون أن تكون مقدمة للاستيلاء على منازلهم وسط العاصمة، إذ سبق لنظام الرئيس الراحل حافظ الأسد أن استولى على عشرات المنازل في بداية عقد الثمانينات في أوج معركته مع الإسلاميين، وتحولت تلك المنازل إلى مقرات أمنية أو مساكن للمسؤولين في الحزب الحاكم والأمن وأبنائهم. ولا تزال تلك العقارات تحت تصرف الأجهزة الأمنية تهبها لمن تشاء وتطرد منها من تشاء.

ويُشار إلى أن المقرات الأمنية تنتشر في جميع الأحياء السكنية الدمشقية، أكبرها في المزة والمهاجرين والصالحية والخطيب وشارع بغداد والعباسيين.

وتحولت منذ ثلاث سنوات، أي مع اندلاع الثورة السورية، إلى قلاع حصينة مسوّرة بالمتاريس والدشم والحواجز والمدرعات.

ويعرف الدمشقيون أن هذه الإجراءات كانت مطبقة منذ سنوات في منطقة القصر الجمهوري في المهاجرين، ومنزل الرئيس في المالكي، حيث يحظر على سكان الأحياء القريبة حتى استضافة أقارب لهم أو النوم لديهم دون إخطار السلطات الأمنية، في حين كان يُسأل الزوار المقبلون لزيارة أصدقائهم في تلك المناطق عن وجهتهم واسم صاحب البيت الذي يقصدونه. كما يحظر نقل أثاث من وإلى تلك البيوت أو استقدام ورشات إصلاح المنازل أو طلاء جدرانها، من دون أخذ موافقات أمنية تتضمن تسجيل أسماء عمال تلك الورش وصور هوياتهم، الأمر الذي أدى إلى انخفاض أسعار تلك البيوت على الرغم من وجودها في مناطق راقية جدا.

وراحت هذه الإجراءات تُعمّم مؤخرا لتشمل كل أحياء العاصمة في محيط المقرات الأمنية، لتصبح كل منطقة قريبة من فرع أمن ضمن المربع الأمني.