واشنطن تلقي اللوم على روسيا لتعثر مفاوضات جنيف

الائتلاف يطالب بتغيير وفد النظام.. والمقداد يعد تصريحات آموس «غير مقبولة»

TT

بعد عدم حدوث انفراجة من اللقاء الأميركي والروسي مع ممثل الأمم المتحدة والجامعة العربية الأخضر الإبراهيمي في جنيف، مر يوم جديد من المفاوضات السورية من دون أي تقدم. ولم يعلن الإبراهيمي، أمس، تعليق الجولة الثانية من المفاوضات بين النظام السوري والمعارضة السورية، ولكن باتت الجولة منتهية منذ يوم الأربعاء الماضي، بعد رفض وفد الحكومة السورية التعاطي مع فكرة هيئة الحكم الانتقالي.

وسعت الولايات المتحدة إلى إلقاء اللوم على الروس، أمس، في تصريحات من مسؤولين أميركيين شددوا على أن «الروس يتحملون مسؤولية جلب النظام السوري إلى طاولة المفاوضات».

ومن الواضح أن واشنطن تعول على إحراج الروس في المرحلة المقبلة، إذ قال المسؤول الأميركي «نأمل أن يضغط الروس من أجل التحرك، ولكن إذا قرروا ألا يفعلوا ذلك وإن لم يفعلوا فأنتم ستكتبون عن ذلك»، في إشارة إلى الصحافيين المجتمعين في اللقاء. وكرر أنه من الضروري معرفة إذا كانت روسيا «غير راغبة في الضغط على النظام أم غير قادرة، والأمر سيتضح قريبا».

وبينما لم تعقد جلسة مشتركة بين الوفدين السوريين في جنيف، أمس، التقى الإبراهيمي صباح أمس بوفد الحكومة السورية، ومن ثم وفد المعارضة السورية، كلّ على حدة، ولكن من دون تقديم أفكار جديدة حول كيفية دفع المفاوضات إلى الأمام. ولم يعقد الإبراهيمي مؤتمرا صحافيا أمس، إذ لم يكن له من جديد يقدمه للإعلاميين. والتقى مسؤول أميركي رفيع المستوى بمجموعة من الصحافيين في جنيف للحديث عن المفاوضات الجارية هناك. وقال: «هذا الأسبوع كان صعبا.. ولكن علينا أن ندفع أكثر ونحاول بشكل أكثر لنعطي الشعب السوري». وأضاف: «كان علينا مسؤولية جلب الائتلاف ونحن عملنا ذلك، ووسعوا التمثيل في وفد المعارضة.. فعلنا كل ذلك والروس تحملوا مسؤولية جلب النظام السوري إلى الطاولة، ولم يحدث ذلك، هذا دليل على الواقع». وتابع: «نحن نأمل ونثق في أن يقوم الروس بذلك لأنهم من الدولتين المبادرتين لعقد هذه العملية».

وقال ناطق باسم وزارة الخارجية الأميركية إدغار فازغيز: «على روسيا مسؤولية دفع النظام للمجيء إلى طاولة (جنيف 2) بالجدية نفسها التي أظهرتها المعارضة». وجاء تصريح فازغيز في تصريح على موقع «تويتر» بينما كان دبلوماسيون غربيون يدلون بتصريحات مماثلة خلال اليومين الماضيين في جنيف.

وبينما امتنع الوفد الروسي عن التعاطي مع الإعلام، فيما عدا وسائل الإعلام الروسية والسورية الرسمية، كان الدبلوماسيون الغربيون حريصين على اللقاء بالصحافيين والدفع باتجاه تحميل روسيا مسؤولية تعثر المفاوضات. ويبدو أن ذلك تكتيك محدد من الغربيين، وتحديدا الأميركيين، لتحميل روسيا مسؤولية عدم إحراز أي تقدم في الجولة الثانية، وحتى إمكانية فشلها.

ولفت المسؤول الأميركي إلى أن الأسابيع المقبلة ستعتمد على الدبلوماسية المكثفة، وعلى جهود الروس، بالإضافة إلى العمل في مجلس الأمن، رافضا الفرضية بأن طرح مشروع قرار مجلس الأمن في هذا الوقت أدى إلى رفض الروس الضغط على سوريا. والتزم بموقف واشنطن وغيرها من دول بأن مشروع القرار كان بسبب فشل الجهود في حمص، وليس كأداة ضغط على الروس. ويذكر أن الإبراهيمي سيتوجه إلى نيويورك الأسبوع المقبل للقاء الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون، وتقديم تقرير على الجولتين الأوليين من المفاوضات له. كما هناك إمكانية أن يعقد مجلس الأمن للاستماع إلى الإبراهيمي حول المفاوضات، وإمكانية مواصلة العملية على الرغم من المصاعب، خاصة مع رفض وفد المعارضة النظر في الانتقال السياسي.

وأكد لؤي الصافي لـ«الشرق الأوسط» أن التحركات في الأمم المتحدة في نيويورك، إذا كان لمشروع قرار مجلس الأمن حول السماح بدخول المساعدات الإنسانية أو طرح القضية للجمعية العامة، ستكون جوهرية لتحديد مسار المفاوضات.

وطالب في مؤتمر صحافي، أمس، بتغيير أعضاء الوفد السوري الحكومي ليشمل أطرافا تريد التفاوض وقادرة عليه، قائلا إن «أسلوب التفاوض لن يسمح بالتوصل إلى حل, فالنظام لم يبدأ ببحث الانتقال السياسي, وأي كلام غير ذلك كلام تضليلي. النظام لم يقبل». وأضاف: «نحن الآن بانتظار أن يكون هناك تقدم جدي، ونطالب كل الأحرار والشرفاء والدول المعنية بالشأن السوري للعمل على دفع الحل السياسي إلى الأمام». ولفت الصافي إلى أهمية الدور الدولي لدفع المفاوضات، موضحا: «المحادثات تراوح مكانها.. أرجو أن يكون هناك دعم من المجتمع الدولي».

وهناك شبه إجماع بين الدبلوماسيين في جنيف عن عقد جولة ثالثة ولكن من دون معرفة فحوى تلك المفاوضات أو ما يمكن أن ينتج عنها. وكانت هناك تكهنات بأن يعقد الإبراهيمي جلسة مقتضبة بين الوفدين السوريين صباح أمس للإعلان عن انتهاء الجولة الثانية، من دون طلب من الطرفين بطرح قضايا أو وثائق للنقاش. وقالت عضوة الوفد المعارض المفاوض ريما فليحان لـ«الشرق الأوسط»: «سنحضر لو طلب الإبراهيمي ذلك، نحن إيجابيون طالما هناك فسحة لتحقيق حل سياسي»، موضحة أنها لا تعتقد بأن المفاوضات فشلت بعد، ولكنها شددت على أهمية تحرك النظام لإثبات جديته في المفاوضات، ولم يحدث ذلك بعد.

وجاءت التطورات الأخيرة على الأرض لتزيد من الضغوط على الائتلاف للخروج بنتائج ملموسة لمواصلة المفاوضات. وصرح الصافي بأنه من الضروري دفع المفاوضات لتخرج بنتائج ملموسة. وطالب في مؤتمر صحافي أمس بتغيير أعضاء الوفد السوري الحكومي.

وخيمت تصريحات وزيري الخارجية الروسي سيرغي لافروف والأميركي جون كيري على أجواء اللقاءات في جنيف، أمس. إذ اتهم لافروف المعارضة السورية أمس بالسعي إلى «تغيير النظام»، لافتا إلى أن «هناك محاولات جارية لإخراج محادثات السلام في جنيف عن مسارها»، محملا «المعارضة السورية ومن يؤيدونها المسؤولية» عن ذلك، أي الولايات المتحدة. وأضاف: «إن تشكيل هيئة حكم انتقالي يجب أن لا يكون الهدف الوحيد لمحادثات السلام في جنيف»، محذرا من أن المحادثات «لا يمكن أن تستمر إلى ما لا نهاية».

ومن بكين، قال كيري، إن الرئيس الأميركي باراك أوباما طلب خيارات سياسية جديدة محتملة في سوريا، في تلويح غير مباشر إلى إعادة النظر في السياسة الحالية الداعمة لمسار المفاوضات. وأضاف كيري، في تصريحات للصحافيين، أمس، خلال زيارة إلى بكين «طلب منا جميعا أن نفكر في خيارات عدة قد توجد وقد لا توجد»، لافتا إلى أنه «هل قدمت؟ لا لم تقدم، لكن عملية التقييم بالضرورة ونظرا للظروف الجارية في الوقت الراهن، وحين تتضح هذه الخيارات وحين يطلبها الرئيس، ستجري بالقطع مناقشات حولها». ولكن حاول المسؤول الأميركي التقليل من هذه التصريحات، قائلا: «الكلام أُخذ خارج سياقه، إذ نحن دائما نبحث في سياساتنا وإمكانية طرح سياسات تعالج الوضع في البلاد».

والتزم النظام السوري بموقفه الرافض للنظر بهيئة الحكم الانتقالي، وصرح نائب وزير الخارجية السوري فيصل المقداد بأنه «يجب مكافحة الإرهاب»، وهذا الموضوع الوحيد الذي تحدث عنه مقداد في مؤتمر صحافي مطوّل. وكان من اللافت انتقاد المقداد لوكيلة الأمين العام للأمم المتحدة فاليري آموس، وهي المسؤولة الدولية الأولى عن القضايا الإنسانية. وقال إن تصريحات آموس أمام مجلس الأمن الليلة قبل الماضي «غير مقبولة كليا»، بعد أن طالبت آموس بالسماح بدخول المساعدات الإنسانية إلى جميع أرجاء سوريا.

وأضاف المقداد: «لن نسمح أبدا بانتهاك الحدود السورية»، في وقت تطالب المنظمات الإنسانية بالسماح بدخول المساعدات عبر الحدود مع تركيا، وهو أمر ترفضه دمشق كليا. كما شدد المقداد على أن العلاقة مع موسكو «لا تعتمد على الضغط.. الموقف السوري والروسي متطابق».