وزراء حكومة جمعة الوافدون من الخارج.. وصعوبات التأقلم مع الواقع التونسي

بعضهم تخلوا عن مناصب مرموقة في مؤسسات عالمية وعن مرتبات مرتفعة جدا

TT

تتكون حكومة مهدي جمعة، التي تسلمت مهامها في تونس بداية الشهر الحالي خلفا لحكومة علي العريض المستقيلة، من عدد من الوزراء الذين استقدموا من الخارج حيث كانوا يشتغلون سواء في شركات اقتصادية عالمية خاصة أو في مؤسسات أممية ودولية. وقد انبهر العديد من التونسيين عند نشر السير الذاتية لعدد من هؤلاء الوزراء الذين تخلوا عن مناصب مرموقة وعادوا إلى تونس. وتتساءل العديد من الأوساط عن مدى قدرة هؤلاء على التأقلم مع الواقع التونسي خاصة مع الإدارة التونسية التي غالبا ما كانت محل انتقاد خاصة من حيث تدني مردوديتها وغياب المرونة في تعاملاتها، ولا يتوانى البعض عن وصفها بـ«البيروقراطية».

ومن أبرز الكفاءات التونسية التي استقدمها مهدي جمعة من الخارج لتقلد مناصب في حكومته المنجي حامد وزير الخارجية، الذي كان يشغل منصب رئيس مكتب ومدير ديوان الأمين العام لمؤتمر الأمم المتحدة للتنمية والتجارة، وكمال بن نصر وزير الصناعة والطاقة والمناجم، وكان يشغل قبل رجوعه إلى تونس منصبا رفيعا في مؤسسة عالمية في مجال التنقيب عن البترول. أما حكيم بن حمودة وزير الاقتصاد والمالية فهو خبير مالي معروف، كان يشغل منصب المستشار الخاص لرئيس البنك الأفريقي للتنمية. في حين أن وزير التجهيز الهادي العربي هو إطار سام بالبنك العالمي. كما أن لسعد لشعل وزير الفلاحة الجديد كان يشغل منصبا رفيعا في المعهد الأفريقي للتنمية. كذلك فإن آمال كربول كانت تعمل بكل من ألمانيا وإنجلترا كخبيرة في مجال التصرف والريادة وتوظيف الموارد البشرية قبل تقلدها منصب وزيرة السياحة.

وتجدر الإشارة إلى أن أغلب هؤلاء درسوا بالخارج قبل أن يتقلدوا مناصب مهمة خاصة في أوروبا. وقد أشارت بعض الأوساط في تونس إلى أن بعض الشركات التي عمل فيها بعض أعضاء الحكومة التونسية الجدد «يفوق رقم معاملاتها ميزانية تونس». كما أن بعضهم «تخلوا عن امتيازات مالية مهمة جدا كانوا يحصلون عليها في مناصبهم مقارنة مع ما سيحصلون عليه كرواتب وامتيازات كوزراء في الحكومة التونسية الجديدة».

لكن التساؤلات تدور في تونس حول القدرات العلمية لهؤلاء الوزراء المستقدمين من الخارج ورفعة المناصب التي كانوا يشغلونها، وهل ستكون كافية لينجحوا في مهامهم، أم أن اختلاف البيئة الجديدة لعملهم والثقافة السائدة في الإدارة التونسية سيكون عائقا أمامهم.

قد تصلح تجربة مهدي جمعة نفسه لتكون مرجعا لهؤلاء الوزراء الوافدين من الخارج. فرئيس الحكومة الجديد كان، قبل التحاقه بحكومة علي العريض، كوزير للصناعة والمناجم والطاقة، يشتغل بالخارج كمدير لفرع لمؤسسة فرنسية عالمية كبرى في مجال النفط. وهناك شبه إجماع على أنه نجح في مهمته كوزير للصناعة واستطاع أن يتعرف بسرعة قياسية على مصالح وزارته وكوادرها. مدير تنفيذي لهيئة مهنية يتعامل بشكل منتظم مع كوادر وزارة الصناعة، فضل الاحتفاظ باسمه، قال لـ«الشرق الأوسط» إن مهدي جمعة «اعتمد منذ بداية إشرافه على وزارة الصناعة مقاربة مختلفة في العمل، حيث كلف كل إطار بملفات عمل لإنجازها في وقت قياسي مقارنة مع ما كان معمولا به. وهو ما مكنه من قياس كفاءة كل إطار خاصة درجة حماسه وإرادته التعاون معه، ليشكل فريقا مقربا اعتمد عليه بشكل أساسي، متخليا عن كل من لم يستطع أو لم يرد مجاراة هذا النسق».

ويرى هذا المدير التنفيذي أن الوزراء المستقدمين من الخارج الذي تقلدوا حقائب فنية واقتصادية يعدون «من أفضل الكفاءات التونسية ولا أحد يشكك في ذلك»، مضيفا بقوله «السؤال المطروح يتعلق بما إذا كان هؤلاء الوزراء سيلقون التجاوب المطلوب من كوادر الوزارات التي يشرفون عليها أم لا، ومدى تقبل طريقة عملهم التي من المؤكد أنها ستكون مختلفة بحكم اختلاف مرجعياتهم»، حسب قوله.

أحد المسؤولين في وزارة يشرف عليها وزير استقدم من الخارج قال لـ«الشرق الأوسط» إنه «يصعب الحكم من الآن إن كانت طريقة عمل الوزير الجديد تختلف جذريا عن الطريقة تعودنا بها في الوزارة»، مضيفا بقوله «أبرز ما لاحظته خلال الأيام الأولى لتسلم الوزير الجديد لمهامه أنه يحسن الاستماع، وأنه يعمل أكثر من 12 ساعة في اليوم». وأضاف في نفس الإطار «مشكلتنا في الوزارات التونسية ليست في طريقة العمل ولا في حجمه.. المشكل الأساسي أن هؤلاء الوزراء سيجدون أنفسهم أمام مشاكل جانبية وتحركات اجتماعية ومطالب مهنية ونقابية تزايدت بشكل كبير منذ 14 يناير (كانون الثاني) 2011 (تاريخ سقوط نظام بن علي)، وأن مثل هذه المشاكل استحوذت تقريبا على ثلثي وقت عمل الوزراء الذين مروا على الوزارة من مختلف الحكومات المتعاقبة»، معتبرا أن «هذا الوضع قد يمثل عائقا أمام هؤلاء الوزراء في تقديم الإضافة الفنية والعلمية التي تنتظرها منهم البلاد».

عائق آخر أشارت إليه بعض الأوساط قد يصطدم به كل الفريق الحكومي الجديد لمهدي جمعة خاصة الوزراء المستقدمين من الخارج وهو التعيينات العديدة التي شهدتها الوزارات والإدارات التونسية الحيوية التابعة لها في السنوات الثلاث الأخيرة، والتي يقول البعض إنها «لم تعتمد الكفاءة بل كانت على أسس حزبية وفي أغلبيتها لأشخاص قريبين من الائتلاف الحاكم لتونس خاصة من حركة النهضة، وكيف سيتعامل معهم هؤلاء الوزراء. وفي هذا الإطار، ولئن أقدم مهدي جمعة بداية الأسبوع على التخلي عن عدد من الملحقين بديوان رئاسة الحكومة، وتعيين ملحقين جدد، فإن باقي الوزراء لم يتخذوا بعد إجراءات مماثلة، ويجري العديد منهم مشاورات لاختيار فريقهم خاصة كمديري دواوين ومكلفين بالإعلام وعدد من المستشارين».

الرهان الآخر الذي ستواجهه حكومة مهدي جمعة أنها حكومة كفاءات مستقلة لا قاعدة حزبية لها. وقد اندهش عدد من الوزراء خاصة الذين كانوا يقيمون بالخارج من «الاستقبال» الذي خصهم به بعض أعضاء المجلس الوطني التأسيسي (البرلمان التونسي) خلال جلسة منح الثقة للحكومة نهاية شهر يناير الماضي و«شراسة» بعض التدخلات خلال هذه الجلسة. وهو امتحان سيواجهونه من جديد مرات ومرات خلال الفترة المقبلة، وقد لا يجدون من يدافع عنهم بحكم أنهم مستقلون وغير منتمين لأحزاب. لكن جهات أخرى ترى أنه لعامل الاستقلالية هذا وكون أعضاء هذه الحكومة غير معنيين بالانتخابات القادمة فإن ذلك سيخول لهم اتخاذ القرارات التي يرونها ضرورية للنجاح في مهامهم.