كمال الهلباوي لـ («الشرق الأوسط»): الانشقاقات داخل «الإخوان» طالت جميع الأجيال

بوادر تمرد تضرب الجماعة للمرة الأولى منذ 86 عاما

كمال الهلباوي
TT

«رفضنا الانخراط في المظاهرات فتجنبونا؛ وعليه تركناهم». هكذا يلخص محمد عبد الله، وهو شاب انشق عن «الإخوان»، وأحد أتباع النائب البرلماني السابق عن الجماعة يسري بيومي بجنوب القاهرة، لـ«الشرق الأوسط» موقف قطاع من شباب «الإخوان» المتمردين على «جمود القيادات». ويسعى عبد الله مع المئات من شباب «الإخوان» من عدة محافظات لتكوين تيار جديد «تكون لديه القدرة على العمل وفقا للمعطيات الجديد، بعد إصلاح الأخطاء».

ويبدو أن الجماعة تشهد تحركات من الداخل يمكن أن تعصف بها وبنظامها الحديدي، خاصة بعد أن رفضت عدة قيادات من «الإخوان» المصريين بالخارج قبول عودة مجموعات من شباب «الإخوان» الذين حاولوا خلال الأشهر الخمسة الأخيرة تبني مواقف أكثر واقعية وتختلف عن توجهات «صقور الجماعة».

ويقول عبد الله إنه «حتى من فر من القيادات خارج البلاد، ما زال يصر على استمرار الشباب في مواجهة السلطة في الداخل، دون أي اعتبار للدماء والخسائر. ودون أي سؤال عن سبب كراهية الناس لنا». ويصف البعض مواقف عبد الله وأمثاله من شباب «الإخوان» الغاضبين على أنها «تمرد». لكن القيادي السابق في الجماعة، الدكتور كمال الهلباوي، قال لـ«الشرق الأوسط» إنه «ليس تمردا، بل توجد انشقاقات بين جميع الأجيال من (الإخوان)».

وتكونت الجماعة أساسا في مدينة الإسماعيلية شرق العاصمة المصرية عام 1928، وبسبب نظام «البيعة والقسم على الولاء»، لم تشهد أي خلافات تذكر من داخلها، رغم أنها لم تقم بأي مراجعات فكرية طيلة عشرات السنين. لكن عبد الله يقول إن الجماعة فشلت في إدارة شؤون دولة كبيرة مثل مصر خلال فترة حكم الرئيس السابق محمد مرسي.

ورصد العديد من التقارير المصرية خروج قطاعات من الشباب من صفوف الجماعة، ورصدت ما سمته «تمردا» أيضا، مشيرة إلى «تحلل» تعليمات المرشد الرابع محمد حامد أبو النصر التي قال فيها لـ«الإخوان» في ثمانينات القرن الماضي إن «الانضباط والطاعة هما سر تماسكنا وبقائنا». لكن يبدو أن «الانضباط والطاعة» أصيبا بضربة موجعة بعد انتفاضة ملايين المصريين ضد حكم الجماعة في 30 يونيو (حزيران) الماضي، وهو ما ترتب عليه الإطاحة بحكم مرسي، والتحقيق مع قيادات الجماعة في النيابة والمحاكم بالعديد من التهم، وأضيف إليها القرار الحكومي الذي صدر قبل شهرين بالتعامل مع الجماعة بوصفها «تنظيما إرهابيا».

كما أصدرت السلطات المختصة قرارات بملاحقة أموال قيادات «الإخوان» في الشركات والجمعيات الخيرية وغيرها. ويقول عبد الله إن الجماعة «تتعرض لأكبر محنة هذه الأيام منذ الصدام الشهير مع (الرئيس الراحل) جمال عبد الناصر منتصف خمسينات القرن الماضي». ويوضح الشاب الذي يتحدث مع زملائه من «الإخوان» السابقين بجرأة، أن مسألة السمع والطاعة وموضوع القسم على الولاء المطلق «لم تعد أمرا مسلما به. لا بد من مناقشة كل شيء».

ويشير تقرير نشره موقع «رصيف 22» على الإنترنت إلى أن الأزمة الأولى حدثت بين صفوف الجماعة أيام اعتصام رابعة العدوية الصيف الماضي، وبين «قسم التنمية البشرية» في الجماعة وقيادات مكتب الإرشاد. ويقول إن «قسم التنمية البشرية» انتقد قيادات التنظيم التي رفضت الاستماع لصوت العقل، ولم تعر «ورقة الحل» التي قدمها القسم أي اهتمام، لافتا إلى أن «هذا الخلاف ظلّ حبيس الغرف المغلقة ولم يتسرب لأفراد التنظيم».

وحين جاءت أحداث فض اعتصامي «الإخوان» في ساحتي رابعة العدوية ونهضة مصر، لوحظ تماسك الجماعة على أمل عودة مرسي للحكم، إلا أن استمرار المحاكمات لقادة «الإخوان»، بمن فيهم الرئيس السابق نفسه، وإصرار السلطات على المضي قدما في تنفيذ خارطة الطريق، أدى إلى انقسامات وخلافات داخل الجماعة على ما يبدو.

ويقول محمد عبد الله، إن شباب «الإخوان» خاصة من مناطق حلوان والمعادي ومصر القديمة، تقدموا بمبادرات أثناء اعتصامي رابعة العدوية والنهضة، تتمحور حول ضرورة إعادة النظر في مجمل طريقة الجماعة في العمل مع المتغيرات الجديدة، إلا أن قيادات إخوانية «لم تنظر إلى الواقع، وعدت تململ الشباب ضعف إيمان وافتقار إلى الثبات على المبدأ». ويضيف: «رفضنا الانخراط في المظاهرات التي لا تؤدي إلى أية نتائج، فبدأوا (القيادات الإخوانية القاعدية) يتجنبوننا، وعليه تركناهم».

وعما إذا كان يوجد «تمرد» بمعنى الكلمة داخل جماعة «الإخوان»، كما يردد البعض في مصر، قال الدكتور الهلباوي، إنه ليس تمردا، ولكن بالتأكيد توجد «انشقاقات بين جميع الأجيال من (الإخوان)، وأكثرها بين الشباب، من الذين توقفوا عن العمل، لأنهم اكتشفوا أن هناك إساءات، أو انشقوا لأنهم أدركوا الأخطاء الفادحة، ويريدون أن يستمروا في عمل إسلامي بشكل آخر صحيح».

وعما إذا كان يعول على هذا التوجه لدى البعض ممن يسعى لعمل «إسلامي صحيح»، كما يسميه، قال الدكتور الهلباوي: «بالتأكيد سيشكل تيارا جديدا، وليس شرطا أن يكون من نفس الجماعة (الإخوان).. وإنما تيار جديد لخدمة المشروع الإسلامي، بحيث يكون لديه القابلية على التعامل مع الأوضاع الجديدة». مضيفا أنه «إذا لم يستطع (التيار الجديد) التعامل مع الأوضاع الجديدة، فلن تكون له قيمة».