التفجير يغير ملامح بئر حسن وأعجوبة تنقذ أطفال دار أيتام

المشنوق استقبل بصيحات الاستنكار.. والأهالي رفعوا صورة نصر الله

كثير من جرحى التفجير المزدوج هم من أطفال دار أيتام يقع قرب المركز الثقافي الإيراني (أ.ف.ب)
TT

«لا يموت إلا الفقراء في هذا البلد. السياسيون يجلسون في مكاتبهم يطلقون التصريحات ويتفرجون على صور الضحايا والجثث. لا ثقة لنا بأي مسؤول ولم نعد نصدق من يجتمعون الآن على طاولة واحدة في الحكومة». هي صرخة أطلقها الشاب محمود عثمان (24 عاما)، تختصر حالته وحال كل مواطن لبناني بات يحمد الله أنه لا يزال على قيد الحياة بعد كل انفجار.

محمود العاطل عن العمل، والذي يمضي أيامه المثقلة متنقلا وعددا من رفاقه من مقهى إلى آخر، كان أمس المنقذ لبعض ضحايا التفجير الذي استهدف المستشارية الإيرانية الثقافية في بئر حسن. هي منطقته التي يعرف كل من فيها، حتى الموظفين في المحلات المجاورة. عند سماعه دوي الانفجار، سارع إلى المكان فوجد الأشلاء متناثرة وبعض الضحايا مضرجين بدمائهم. نجح في مساعدة بعضهم وإيصالهم إلى سيارات الإسعاف، لكن الموت كان أسرع منه، ولم ينجح في إنقاذ صاحب سيارة «الإكسبرس» الذي اعتاد أن يشرب قهوته الصباحية من يديه، وإذا به يراه جثة متطايرة من جهة إلى أخرى.

صورة الوجوه المتجهمة والخائفة هي نفسها، في منطقة تبعد أحياؤها الفقيرة أمتارا قليلة عن الأبنية الفخمة التي يقطنها عدد من السياسيين. في شوارعها المكتظة، ينتشر عدد كبير من المحلات التجارية، إضافة إلى دار للأيتام الإسلامية نجا فيه الأطفال بأعجوبة.

لسان حال الأهالي الذين توافدوا إلى المكان لمعاينة ما حدث، هو إدانة التفجيرات، وإن اختلفت قليلا بالنسبة إليهم هوية المتهمين. «هي (داعش) بالدرجة الأولى وإسرائيل المستفيد الأول»، هكذا يفسر أبو محمد ما يحدث في لبنان ولا سيما التفجيرات التي تستهدف مناطق حزب الله، مضيفا: «إذا كانوا يستهدفوننا ردا على قتال حزب الله في سوريا، فنحن لها ولا يهمنا أي شيء»، لتعلو بعدها أصوات الشباب من حوله في صرخة واحدة، «لبيك نصر الله»، تزامنا مع مسارعة شبان آخرين إلى رفع صورة لأمين عام حزب الله حسن نصر الله، على مدخل محل الحلويات، في الطابق الراضي لمبنى المستشارية، والذي تحول إلى ركام.

على مسافة قريبة من مكان الانفجار، أيضا، يجلس صالح عز الدين، الرجل الخمسيني، الذي نجا من الموت للمرة الثانية، خلال ثلاثة أشهر. في المرة الأولى كان في سيارة التاكسي التي يعمل عليها، على بعد أمتار من مكان الانفجار الذي استهدف الوزير السابق محمد شطح في وسط بيروت، فيما حدسه جعله يعود إلى بيته أمس قبل أقل من ربع ساعة من وقوع انفجار بئر حسن، حيث يسكن. لكن عز الدين الذي يتحدر من منطقة عرسال البقاعية والمتهمة بدعمها «الإرهابيين» ويسكن في منطقة معروفة بأنها ذات غالبية شيعية، يرفض اتهام أي جهة بالتفجيرات، قائلا «لا نريد أن نظلم أحدا كي لا يظلمنا الله». ويضيف: «لا أنكر أنني فكرت مرات عدة بترك المنطقة، غير أن أولادي الذين ولدوا وترعرعوا في بئر حسن رفضوا ذلك». وهنا يقاطعه أحد جيرانه الذي يعرف عن نفسه، بأبو علي، قائلا: «كلنا جيران ونحب بعضنا بعضا، ندافع عنه كما ندافع عن أنفسنا، وما يصيبنا يصيبه».

لكن ما يعبر عنه أبو علي وعز الدين، يبدو واضحا أنه لا ينسحب على أبناء منطقة بئر حسن التي تسكنها عائلات لا تنسجم، كما في معظم المناطق المختلطة، مع التوجه الطائفي والسياسي للسواد الأعظم من أبنائها. وهذا ما انعكس بشكل واضح في رد فعل المواطنين الذين كانوا موجودين في المكان خلال وصول وزير الداخلية والبلديات، نهاد المشنوق، وهو النائب في تيار المستقبل. كان المشهد كفيلا بالإجابة عن سؤال طرحه اللبنانيون عند إعلان الحكومة، الأسبوع الماضي، مفاده ما إذا كان المشنوق سيذهب إلى الضاحية الجنوبية عند وقوع انفجار؟ لكن مرافقة مسؤول أمن حزب الله وفيق صفا للمشنوق خلال تفقده الموقع، لم تشفع له كثيرا، فكان له شباب المنطقة بالمرصاد مطلقين صيحات الاستهجان والرفض لقدومه، فيما عمل عناصر حزب الله الموجودين في المكان على تهدئتهم وإبعادهم عن سيارة المشنوق.

هذا الواقع نفسه ومشاهد الدمار التي تعم المكان ورائحة الدم التي تطفو في الأرجاء مكبلة المواطنين الخائفين من الآتي، وجد فيها الأطفال فرصة للهو والركض في محيط المكان بعدما عمدت مدارس المنطقة إلى إخراجهم إثر وقوع الانفجار. لكن إذا كان أهل هؤلاء نجحوا في الوصول إلى أبنائهم وإعادتهم إلى منازلهم، لكن أكثر من 200 طفل يتيم في مؤسسات الرعاية الاجتماعية التي تبعد أمتارا قليلة عن المستشارية الثقافية، ليس لديهم أي سقف آخر يؤويهم. وكان عدد منهم يحتفل بعيد ميلاد أحد زملائهم قبل أن يقع الانفجار ويحول ضحكتهم إلى دموع وخوف. وما كان عندها من رئيس مؤسسات دار الأيتام، وزير العدل السابق خالد قباني، إلا أن يأتي إلى المكان متفقدا، ومقررا إخراج الأطفال إلى مبنى آخر تابع للمؤسسة في منطقة أكثر أمنا. وأعلنت مؤسسات الرعاية الاجتماعية أن الانفجار تسبب في إصابة 11 طفلا ومعلمة، كانوا يؤدون نشاطا ترفيهيا في الباحة الخارجية للمبنى.