تقرير أوروبي ينتقد انتشار الرشوة في قطاعي القضاء والأمن بالمغرب

عبد السلام أبو درار لـ «الشرق الأوسط» التقارير لا تحرجنا وسننفذ توصياتها

TT

انتقد تقرير صادر عن مجلس أوروبا انتشار الرشوة في قطاعات عدة بالمغرب بينها القضاء والشرطة، مؤكدا أنه رغم إقرار إجراءات لمحاربة الفساد على المستويين التشريعي والمؤسساتي، فإن الرشوة ما زالت ظاهرة مقلقة في المجتمع، وتمثل تهديدا للتنمية الاقتصادية والاجتماعية والسياسية في البلاد.

وأفاد التقرير الذي حمل عنوان «من أجل تعزيز الحكامة الجيدة ومحاربة الرشوة وتبييض الأموال»، قدمت نتائجه مساء أول من أمس في الرباط، بأن التنسيق جد محدود بين المؤسسات في مجال محاربة الرشوة، وهو الأمر الذي يفسر ضعف عدد المحاكمين بتهم الفساد.

فبالنسبة للقضاء، انتقد التقرير عدم خضوع القضاة لمراقبة صارمة من طرف الأجهزة الرقابية، مسجلا أن «القضاة ما زالوا يتلقون هدايا»، وأن التصريح بالممتلكات لا يجري تطبيقه بالشكل المطلوب، ناهيك بأن الإجراءات التأديبية في حق القضاة لم تجر مأسستها بالشكل الكافي. ودعا التقرير إلى تنفيذ توصيات ميثاق إصلاح منظومة العدالة بهدف تعزيز استقلال السلطة القضائية.

أما بخصوص انتشار الرشوة في قطاع الأمن، فذكر التقرير أن أفراد الشرطة والدرك ورجال الجمارك «يستفيدون من الكثير من الامتيازات التي لا تخضع لمعايير الشفافية، في حين أن جميع الامتيازات التي يستفيد منها هؤلاء يجب أن تكون مقننة ويجري نشرها بشكل رسمي»، وانتقد التقرير «غياب ميثاق أخلاقي للعمل في سلك الشرطة والدرك». ودعا إلى وضع تشريعات تمنع على أفراد الأمن قبول هدايا.

وفي السياق ذاته، انتقد التقرير أيضا غياب الشفافية في مراقبة التمويلات التي تحصل عليها الأحزاب السياسية المغربية المخصصة للتدبير، وإبان الحملات الانتخابية. وأشار إلى أنه رغم وجود عدة إجراءات في هذا الشأن فإنها لا تطبق. كما انتقد التقرير الاختلالات التي يعرفها مجال إبرام الصفقات العمومية.

وقدم التقرير، الذي أنجز بتعاون مع الهيئة المغربية للوقاية من الرشوة، عدة توصيات من أجل محاربة الرشوة وفق استراتيجية وطنية تتبناها الدولة.

وفي هذا السياق، نفى عبد السلام أبو درار، رئيس الهيئة، أن تكون مثل هذه التقارير الدولية حول الفساد في المغرب تحرج الهيئة، وقال في تصريح لـ«الشرق الأوسط»: «لا تحرجنا هذه التقارير، فتقرير مجلس أوروبا جاء متوازنا، ويتقاطع في خلاصاته مع ما جاء في نتائج التقارير الدولية الأخرى المتعلقة بالاتفاقية الأممية لمحاربة الفساد، ومع تقارير الهيئة المركزية للوقاية من الرشوة».

وأضاف أبو درار أن التقرير يتضمن مجموعة من التوصيات جرى التوصل إليها باتفاق وتضافر الجهود ما بين مجلس أوروبا والهيئة، وجميع المؤسسات والإدارات والقطاعات المستجوبة، مشيرا إلى أنه خلافا لما قد يعتقد، فإن الهيئة تعد هذا التقرير دعما لمنهجها في محاولة ربط قاطرة المغرب بركب الدول الأكثر تقدما في مجال الحكامة الجيدة ومنها «مجموعة الدول ضد الفساد»، وقال: «سنعمل جاهدين من أجل تفعيل المقترحات الواردة في التقرير».

وردا على سؤال حول كثرة التقارير التي تشخص واقع الرشوة في البلاد من دون وجود إجراءات لتفعيل ما تتضمنه من توصيات، قال أبو درار إن «التفعيل موجود، لكنه على شكل إجراءات متفرقة معزولة بعضها عن بعض، بينما نحن نطالب باستراتيجية وهي حاليا قيد الإنجاز، ستكون جاهزة في غضون ستة أشهر، وعندما نعتمد هذه الاستراتيجية سيتبين أين تقدمنا وأين أخفقنا».

وحول البحث الوطني حول الرشوة، الذي تعتزم الهيئة إنجازه، قال أبو درار إنه سيجري الإعلان عن نتائجه في الفصل الأخير من السنة الحالية، مشيرا إلى أن «الهدف منه هو تدقيق مواطن الفساد حتى نركز أسلحتنا على القطاعات الأكثر تضررا»، وزاد قائلا: «أنا أقول دائما أنجزوا التحقيقات ولا تقولوا الحماقات».

يذكر أن التقرير أنجز على أساس المنهجيات التي وضعتها وطورتها «مجموعة البلدان ضد الفساد». ويرتكز على تقييم أجراه خبراء من الإدارات العمومية الأوروبية التي تمثل تنوع الدول الأعضاء في مجلس أوروبا. وجرى تكييف هذا التقييم لمراعاة الاحتياجات المغربية الرامية إلى تحديد الأولويات والمخاطر وتشجيع تحقيق النتائج الملائمة.

وأجري تشخيص الإطار المتعلق بمكافحة الرشوة بتعاون مع الهيئة المركزية للوقاية من الرشوة وكذا مع عدد من المؤسسات والشركاء الحكوميين والسلطات القضائية والأمنية والقطاع الخاص والمجتمع المدني، وذلك على أساس ملء استبيانات من قبل المؤسسات ولقاء الخبراء مع أكثر من 70 ممثلا لمؤسسات عامة وخاصة بمناسبة زيارات ميدانية نظمت ما بين 30 سبتمبر (أيلول) و4 أكتوبر (تشرين الأول) الماضيين.