البرلمان الأوكراني يعزل الرئيس.. ويانوكوفيتش يعده انقلابا

الإفراج عن زعيمة المعارضة تيموشينكو.. وقادة الجيش يرفضون التورط في النزاع

متظاهرون مناهضون لنظام يانوكوفيتش يقفون أمام صورة ضخمة لزعيمة المعارضة يوليا تيموشينكو في ساحة الاستقلال بكييف أمس (رويترز)
TT

وافق البرلمان الأوكراني أمس على عزل الرئيس فيكتور يانوكوفيتش، الذي تخلى عن مقر إقامته في كييف للمحتجين، وندد بما وصفه بأنه انقلاب بعد اشتباكات استمرت لمدة أسبوع في شوارع العاصمة. ووافق البرلمان أيضا على الإفراج عن العدو اللدود للرئيس، زعيمة المعارضة يوليا تيموشينكو التي كانت تقضي عقوبة سجن بتهمة الفساد. ومن المرجح أن تؤدي الإطاحة بالزعيم الموالي لروسيا إلى سحب أوكرانيا بعيدا عن الهيمنة الروسية وجعلها أكثر قربا من أوروبا. وجاء قرار البرلمان بعد أعمال العنف التي شهدتها كييف وأسفرت عن مقتل 77 شخصا وحولت وسط العاصمة إلى ساحة حرب.

وتمثل الإطاحة بالرئيس الأوكراني انتكاسة واضحة لحلم الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بإعادة توحيد أكبر قدر ممكن من الاتحاد السوفياتي السابق في «اتحاد أورو - آسيوي» جديد عولت موسكو فيه على يانوكوفيتش لجعل أوكرانيا، التي تضم 46 مليون نسمة، عضوا رئيسا.

وأعلن البرلمان الأوكراني الذي تخلى بشكل حاسم عن يانوكوفيتش بعد انشقاق الموالين له أن الرئيس غير قادر دستوريا على ممارسة مهام منصبه، وحدد 25 مايو (أيار) المقبل موعدا لإجراء انتخابات رئاسية مبكرة. ووقف النواب في الجلسة وصفقوا ورددوا النشيد الوطني. وبعد ذلك بدقائق لوحت زعيمة المعارضة تيموشينكو لأنصارها من السيارة التي أقلتها من المستشفى الذي كانت محتجزة فيه بمدينة خاركيف الشمالية الشرقية حيث كانت تعالج من آلام في الظهر لحقت بها أثناء قضاء العقوبة التي صدرت بحقها عام 2011 بالسجن لمدة سبعة أعوام. وقالت تيموشينكو إن تصويت البرلمان أمس على عزل الرئيس يانوكوفيتش يرقى إلى أن يكون سقوطا لديكتاتور. وأضافت للصحافيين «وطننا من اليوم فصاعدا قادر على أن يرى الشمس والسماء مع انتهاء الديكتاتورية». وعبرت عن أسفها لسقوط قتلى في صفوف المحتجين المناهضين ليانوكوفيتش في اشتباكات مسلحة مع الشرطة، وقالت إنه يتعين القيام بكل جهد ممكن «حتى لا تراق أي نقطة دم سدى».

وفي وقت لاحق نقلت وكالة «إنترفاكس» عن رئيس البرلمان الأوكراني قوله أمس، إن الرئيس يانوكوفيتش حاول الهرب على طائرة إلى روسيا، لكنه منع من ذلك وهو الآن في منطقة دونيتسك. ونقلت الوكالة الإخبارية عن ألكسندر تورشينوف، وهو خصم ليانوكوفيتش، قوله «حاول ركوب طائرة إلى روسيا لكن مسؤولي الحدود منعوه». ولم يتسن التأكد من صحة هذه الأنباء من مصادر مستقلة على الفور.

وقال يانوكوفيتش في مقابلة أجرتها معه قناة تلفزيونية في مدينة خاركيف أيضا إنه لن يستقيل أو يغادر البلاد. ووصف قرارات البرلمان بأنها «غير شرعية». وأضاف «الأحداث التي شهدتها بلادنا والعالم أجمع هي نموذج للانقلاب»، مقارنا ذلك بصعود النازيين للسلطة في ألمانيا في الثلاثينات. وقال لمحطة «يو بي آر» التلفزيونية إنه تعرض لإطلاق النار. وتابع «تعرضت سيارتي لإطلاق النار. لست خائفا. أشعر بالحزن على بلادي».

ورغم موقفه المتحدي، فإن تجريده من سلطاته اكتمل تقريبا بعد تعهد حكومته بنقل السلطة إلى حكومة جديدة وإعلان الشرطة وقوفها إلى جانب المحتجين وإطلاق سراح تيموشينكو.

وأعلن وزير الداخلية الذي عين حديثا أن الشرطة تقف مع المتظاهرين الذين اشتبكوا معهم على مدى عدة أيام. وفي مقر الرئاسة في العاصمة قال أوستاب كريفديك، الذي وصف نفسه بزعيم الاحتجاج، إن بعض المحتجين دخلوا المقر لكن لم تحدث عمليات نهب. وأضاف «سنحرس المبنى لحين وصول الرئيس القادم.. لن يعود يانوكوفيتش أبدا».

وتولت ميليشيات من المحتجين تطلق على نفسها اسم «الدفاع الذاتي» أمس حراسة فناء مقر يانوكوفيتش. وقالت رئاسة الوزراء في بيان «إن رئاسة الوزراء ووزارة المالية تعملان بشكل طبيعي، وستنقل الحكومة الراهنة سلطاتها بمسؤولية كاملة بموجب الدستور والتشريع».

وقال قادة الجيش والشرطة في أوكرانيا إنهم لن يتدخلوا في أي صراع داخلي. وقالت وزارة الداخلية المسؤولة عن الشرطة إنها تخدم «على وجه الحصر الشعب الأوكراني وتشاركه رغبته القوية في حدوث تغيير سريع». وقال وزير الداخلية الجديد آرسين افاكوف للقناة الخامسة بالتلفزيون الأوكراني «انحازت أجهزة وزارة الداخلية إلى جانب المحتجين».

وقدم يانوكوفيتش الذي أغضب الكثير من السكان بالتحول عن الاتحاد الأوروبي لتوثيق العلاقات مع روسيا قبل ثلاثة أشهر تنازلات كبيرة شاملة في اتفاق توسط فيه دبلوماسيون أوروبيون أول من أمس بعد أيام من العنف أودت بحياة 77 شخصا. لكن الاتفاق الذي دعا إلى إجراء انتخابات مبكرة بنهاية العام لم يكن كافيا لإرضاء المتظاهرين الذين يريدون أن يتنحى على الفور بعد إراقة الدماء التي شهدت إطلاق قناصة الشرطة النار من على أسطح المباني.

واستقال رئيس البرلمان، وهو موال ليانوكوفيتش، بينما اختار النواب أمس ألكسندر تورشينوف الحليف الوثيق لتيموشينكو خلفا له. وقال زعيم المعارضة الأوكرانية فيتالي كليتشكو أمام جلسة استثنائية للبرلمان الذي ناقش طلبا للمعارضة يدعو إلى تنحي يانوكوفيتش «لقد غادر العاصمة اليوم (أمس). ملايين الأوكرانيين لا يرون سوى خيار واحد.. انتخابات رئاسية وبرلمانية مبكرة».

ويمثل الإفراج عن تيموشينكو تحولا في أوكرانيا حيث يمنح المعارضة زعيمة ورئيسة مستقبلية محتملة، وإن كان كليتشكو وغيره يعتبرون أن لهم أحقية في هذا. وكانت محكمة قضت بسجن تيموشينكو (53 عاما) المشهورة بضفيرة شعرها الشقراء المميزة، في عهد يانوكوفيتش، في ما يتصل باتفاق للغاز الطبيعي عقدته مع روسيا حين كانت رئيسة للوزراء قبل أن يتولى هو الرئاسة. ويعدها الاتحاد الأوروبي منذ فترة طويلة سجينة سياسية، وكان الإفراج عنها من مطالبه الرئيسة من أجل إقامة علاقات أوثق مع أوكرانيا في مفاوضات على مدى سنوات انتهت بتحول يانوكوفيتش فجأة نحو موسكو في نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي. وكانت زعيمة للمظاهرات الحاشدة التي عرفت باسم «الثورة البرتقالية» التي ألغت فوز يانوكوفيتش بانتخابات مزيفة عام 2004، لكن بعد أن أنهت ولايتها في منصب رئيسة الوزراء خسرت لصالحه في انتخابات عام 2010.

وصوت زعماء الأقاليم الشرقية الموالون ليانوكوفيتش لصالح الطعن على الخطوات التي اتخذها البرلمان المركزي ضد يانوكوفيتش، مما يبرز الانقسامات الإقليمية في أوكرانيا. واعتمد زعماء المناطق الشرقية في اجتماع في خاركيف قرارا جاء فيه أن خطوات البرلمان «في مثل هذه الظروف تثير شكوكا بشأن شرعيتها وقانونيتها. إلى أن تجري استعادة النظام الدستوري والقانوني، قررنا تحمل مسؤولية حماية النظام الدستوري والشرعية وحقوق المواطنين وأمنهم على أراضينا».

ويعتقد أن يانوكوفيتش لجأ إلى مدينة خاركيف. وقال ميخايلو دوبكين حاكم خاركيف في الاجتماع «نحن لا نعد لتفكيك البلاد. نريد الحفاظ عليها». وفي روسيا، قال ميخائيل مارجيلوف، رئيس لجنة السياسة الخارجية في مجلس الشيوخ الروسي، إن اجتماع خاركيف أثبت أن «الميدان والمعارضة ناهيك عن المتشددين ليسوا أغلبية الشعب الأوكراني». لكن رئيس لجنة الشؤون الخارجية في مجلس النواب الروسي الكسي بوشكوف اعترف في ما يبدو بأن حكم يانوكوفيتش انتهى. وقال «فر. الأمن فر. الموظفون فروا. إنها نهاية حزينة للرئيس».

وفي شرق البلاد يتحدث معظم السكان الروسية، وفي الغرب يتحدث الغالبية الأوكرانية ويكره كثيرون موسكو. وشهد الأسبوع المنصرم تلاشي سيطرة الحكومة المركزية تماما في الغرب حيث استولى متظاهرون على مبان حكومية وفرت الشرطة. ونتيجة لسقوط قتلى خسر يانوكوفيتش دعم رجال صناعة أثرياء كانوا يساندونه في ما سبق.

وكان الرئيس الروسي بوتين عرض مساعدات على كييف قيمتها 15 مليار دولار بعد أن تراجع يانوكوفيتش عن توقيع اتفاق تجاري مع الاتحاد الأوروبي في نوفمبر الماضي لإقامة علاقات أوثق مع موسكو، وأصبح مصير هذا المبلغ غامضا الآن.